بقلم الدكتور/ حسن سلمان
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
بعض من الذين حرموا الفقه تراهم عند الموت يستحضرون خلافاتهم المذهبية و الفكرية والسياسية مع الميت فيقول أحدهم( ورغم اختلافي معه إلا أني …..).
التعزية حق للمسلم ولو كان فاسقا ولا يشترط فيها إظهار اختلافك مع الميت والتعزية لا تعني أنك وافقته وأزلت كل خلافاتك معه بل تعني أداء حق للميت وواجب عليك وفيها تتجلى القيم الإيمانية والولاية الدينية ومواطن الموت هي مواطن ذكر الحسنات لا السيئات كما جاء في الحديث عن عبدالله بن عمر: (اذكُروا محاسنَ موتاكم، وكُفُّوا عن مساويهم) أبو داود وابن حبان . ومعلوم أن ذكر سيئات الموتى لا تضرهم ولكنها تؤذي الأحياء فكونوا عباد الله إخوانا وأنتم شهداء الله في أرضه إن خيرا فخير وإن شرا فشر . ومن البشريات للعبد المؤمن القبول العام الذي يجده بين عموم المسلمين وهذا القبول له علاقة بالولاية الإيمانية بين المؤمنين تنشأ بعقد الإيمان ويلقي الله المحبة بينهم ولا يملكها أحد من الناس مهما كانت إمكانياته المادية قال تعالى: ( وَأَلَّفَ بَیۡنَ قُلُوبِهِمۡۚ لَوۡ أَنفَقۡتَ مَا فِی ٱلۡأَرۡضِ جَمِیعࣰا مَّاۤ أَلَّفۡتَ بَیۡنَ قُلُوبِهِمۡ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَیۡنَهُمۡۚ إِنَّهُۥ عَزِیزٌ حَكِیمࣱ) الأنفال/63 وقال تعالى ( إِنَّ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ سَیَجۡعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحۡمَـٰنُ وُدࣰّا) مربم/ 96. فهذا القبول العام والود الموجود لبعض عباد الله هو من الله كما جاء في الحديث الصحيح عن أبي هريرة:( إنَّ اللَّهَ إذا أحَبَّ عَبْدًا دَعا جِبْرِيلَ فقالَ: إنِّي أُحِبُّ فُلانًا فأحِبَّهُ، قالَ: فيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنادِي في السَّماءِ فيَقولُ: إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلانًا فأحِبُّوهُ، فيُحِبُّهُ أهْلُ السَّماءِ، قالَ ثُمَّ يُوضَعُ له القَبُولُ في الأرْضِ، وإذا أبْغَضَ عَبْدًا دَعا جِبْرِيلَ فيَقولُ: إنِّي أُبْغِضُ فُلانًا فأبْغِضْهُ، قالَ فيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنادِي في أهْلِ السَّماءِ إنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ فُلانًا فأبْغِضُوهُ، قالَ: فيُبْغِضُونَهُ، ثُمَّ تُوضَعُ له البَغْضاءُ في الأرْضِ) رواه مسلم. وخلاصة القول فإن شهادة أهل الإيمان والإسلام وصالحيهم معتبرة وعلاقتها بالولاية الإيمانية التي جعلت المسلمين يتفاعلون غيابيا مع موت النجاشي على إيمانه وإسلامه دون إعلانه لذلك بين قومه مع حسن استقباله وضيافته للصحابة والعدل فيهم والحفاظ على ملكه ومراسلة رسول الله صلى الله عليه وسلم معبرا عن إسلامه وإيمانه فأوجب ذلك له حقوقا ومنها صلاة الغائب عليه كما جاء في الحديث عن جابر بن عبدالله:قال النبيُّ ﷺ حِينَ مَاتَ النَّجَاشِيُّ: (مَاتَ اليومَ رَجُلٌ صَالِحٌ، فَقُومُوا فَصَلُّوا علَى أخِيكُمْ أصْحَمَةَ) رواه البخاري. و معلوم لم يعرف عن النجاشي حمل قومه على عقيدته ولا تحكيم شريعة الله فيهم ولكنه عمل بالمقدور والميسور من التسليم بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وتصديقه والإيمان بما نزل به الوحي والإقرار بالتوحيد ومناصرة أهل الإيمان وإيوائهم في دولة غالب سكانها نصارى فكيف بم نذر حياته لإقامة الدين ونصرة المسلمين صابرا ومحتسبا لما يلقاه في سبيل الله من سجن وتعذيب وقتل وشهادة. اللهم نسأل الثبات على الأمر والعزيمة على الرشد.