الأخلاق “الأهمية والتعريف”

2 ديسمبر 2020 1516

الإنسان كائن معقد التركيب بدنيا وحسيا ونفسيا وروحيا وتحتاج كافة هذه الجوانب لخبرة ودراية ومعرفة للتعامل معها والتعامل المجتزأ مع الإنسان في بنائه أو تقويمه أو تطويره لن يؤدي إلى نتيجة مرضية وخاصة عندما يتم الاهتمام بالجانب المادي والبدني في الإنسان وتجهل بقية مركباته فإن ذلك ينتج عنه العديد من الأزمات البشرية ولهذا فإن الإسلام باعتباره رسالة الله للناس كافة وهو العليم بخلقه فقد تعامل مع الإنسان كما هو بكل مكوناته ظاهرا وباطنا فجاءت الأحكام الشرعية مراعية للنفس والعقل والروح والبدن والوجدان في تناسق :وتكامل وشمول وهذا واضح من المقصود من إرسال الرسل وتنزيل الرسالات قال تعالى: (هُوَ ٱلَّذِی بَعَثَ فِی ٱلۡأُمِّیِّـۧنَ رَسُولࣰا مِّنۡهُمۡ یَتۡلُوا۟ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتِهِۦ وَیُزَكِّیهِمۡ وَیُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُوا۟ مِن قَبۡلُ لَفِی ضَلَـٰلࣲ مُّبِینࣲ) [الجمعة 2]

ومن أهم الجوانب التي وردت في النص القرآني السابق جانب التزكية والتطهير المتعلق بالباطن وجماله ورقيه والذي ينعكس سلوكا جميلا في الخارج لأن العلاقة عميقة بين الإصلاح الجواني والبراني وصلاح الإنسان يبدأ من داخله ولهذا فقد اهتمت الشرائع السماوية كلها بمسألة الأخلاق والدين لا يسمى دين إذا كان خاليا من الأخلاق لأن جوهر الدين هو صلاح باطن الإنسان المؤدي لصلاح ظاهره وقد تراكمت القيم الأخلاقية في المسيرة الرسالية منذ آدم عليه السلام ونوح وبقية الرسل حتى بلغت تمامها ببعثة النبي الخاتم عليه الصلاة والسلام كما قال: ( إنما بعثت لأتمم مكارم وفي رواية (صالح ) الأخلاق) السلسلة الصحيحة للألباني.

والأخلاق يعرفها الإمام الغزالي رحمه الله بقوله: (الخُلُق عبارة عن هيئة في النفس راسخة، عنها تَصدُر الأفعال بسهولة ويُسرٍ من غير حاجة إلى فِكْر ورويَّة) [إحياء علوم الدين 3/47]
ولكن هذا هو التعريف العام للأخلاق وهو شامل للطباع والسجايا والغرائز الجبلية وشامل كذلك للحسن والقبيح ولهذا يحتاج لتقييده بالخلق الحسن مع ملاحظة أنه عند الإطلاق غالبا ما يراد به الأخلاق الحسنة لا القبيحة وحينها يكون المراد الإطلاق الخاص وليس العام ويكون بذلك الانتقال من العام للخاص قيدنا المراد بالأخلاق شرعا حيث يُطلَق على التمسُّك بأحكام الشرع وآدابه فعلاً وتركًا ومن ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (البِرُّ حُسْن الخُلُق) رواه مسلم

وقد امتدح الله نبيه غاية المدح عندما وصفه بحسن الخلق وعظمته في قوله تعالى: (وإنك لعلى خلق عظيم) القلم /4

 وقال العلامة ابن قيم الجوزية : (الدين كله خلق ﻓﻤﻦ ﺯاﺩ ﻋﻠﻴﻚ ﻓﻲ اﻟﺨﻠﻖ ﺯاﺩ ﻋﻠﻴﻚ ﻓﻲ اﻟﺪﻳﻦ) ثم يحدد أركان الأخلاق الحسنة مجملا لها إجمالا غير مخل حيث يقول: (ﻭﺣﺴﻦ اﻟﺨﻠﻖ ﻳﻘﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺃﺭﺑﻌﺔ ﺃﺭﻛﺎﻥ ﻻ ﻳﺘﺼﻮﺭ ﻗﻴﺎﻡ ﺳﺎﻗﻪ ﺇﻻ ﻋﻠﻴﻬﺎ وهي : اﻟﺼﺒﺮ، ﻭاﻟﻌﻔﺔ، ﻭاﻟﺸﺠﺎﻋﺔ، ﻭاﻟﻌﺪﻝ، ﻓﺎﻟﺼﺒﺮ: ﻳﺤﻤﻠﻪ ﻋﻠﻰ اﻻﺣﺘﻤﺎﻝ ﻭﻛﻈﻢ اﻟﻐﻴﻆ، ﻭﻛﻒ اﻷﺫﻯ، ﻭاﻟﺤﻠﻢ ﻭاﻷﻧﺎﺓ ﻭاﻟﺮﻓﻖ، ﻭﻋﺪﻡ اﻟﻄﻴﺶ ﻭاﻟﻌﺠﻠﺔ، ﻭاﻟﻌﻔﺔ: ﺗﺤﻤﻠﻪ ﻋﻠﻰ اﺟﺘﻨﺎﺏ اﻟﺮﺫاﺋﻞ ﻭاﻟﻘﺒﺎﺋﺢ ﻣﻦ اﻟﻘﻮﻝ ﻭاﻟﻔﻌﻞ، ﻭﺗﺤﻤﻠﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻴﺎء ﻭﻫﻮ ﺭﺃﺱ ﻛﻞ ﺧﻴﺮ، ﻭﺗﻤﻨﻌﻪ ﻣﻦ اﻟﻔﺤﺸﺎء، ﻭاﻟﺒﺨﻞ ﻭاﻟﻜﺬﺏ، ﻭاﻟﻐﻴﺒﺔ ﻭاﻟﻨﻤﻴﻤﺔ، ﻭاﻟﺸﺠﺎﻋﺔ: ﺗﺤﻤﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﻋﺰﺓ اﻟﻨﻔﺲ، ﻭﺇﻳﺜﺎﺭ ﻣﻌﺎﻟﻲ اﻷﺧﻼﻕ ﻭاﻟﺸﻴﻢ، ﻭﻋﻠﻰ اﻟﺒﺬﻝ ﻭاﻟﻨﺪﻯ، اﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺷﺠﺎﻋﺔ اﻟﻨﻔﺲ ﻭﻗﻮﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺇﺧﺮاﺝ اﻟﻤﺤﺒﻮﺏ ﻭﻣﻔﺎﺭﻗﺘﻪ
ﻭﺗﺤﻤﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﻛﻈﻢ اﻟﻐﻴﻆ ﻭاﻟﺤﻠﻢ ﻓﺈﻧﻪ ﺑﻘﻮﺓ ﻧﻔﺴﻪ ﻭﺷﺠﺎﻋﺘﻬﺎ ﻳﻤﺴﻚ ﻋﻨﺎﻧﻬﺎ، ﻭﻳﻜﺒﺤﻬﺎ ﺑﻠﺠﺎﻣﻬﺎ ﻋﻦ اﻟﻨﺰﻍ ﻭاﻟﺒﻄﺶ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ: «ﻟﻴﺲ اﻟﺸﺪﻳﺪ ﺑﺎﻟﺼﺮﻋﺔ، ﺇﻧﻤﺎ اﻟﺸﺪﻳﺪ: اﻟﺬﻱ ﻳﻤﻠﻚ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻨﺪ اﻟﻐﻀﺐ» ﻭﻫﻮ ﺣﻘﻴﻘﺔ اﻟﺸﺠﺎﻋﺔ، ﻭﻫﻲ ﻣﻠﻜﺔ ﻳﻘﺘﺪﺭ ﺑﻬﺎ اﻟﻌﺒﺪ ﻋﻠﻰ ﻗﻬﺮ ﺧﺼﻤﻪ، ﻭاﻟﻌﺪﻝ: ﻳﺤﻤﻠﻪ ﻋﻠﻰ اﻋﺘﺪاﻝ ﺃﺧﻼﻗﻪ، ﻭﺗﻮﺳﻄﻪ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻴﻦ ﻃﺮﻓﻲ اﻹﻓﺮاﻁ ﻭاﻟﺘﻔﺮﻳﻂ ﻓﻴﺤﻤﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﺧﻠﻖ اﻟﺠﻮﺩ ﻭاﻟﺴﺨﺎء اﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺗﻮﺳﻂ ﺑﻴﻦ اﻟﺬﻝ ﻭاﻟﻘﺤﺔ ﻭﻋﻠﻰ ﺧﻠﻖ اﻟﺸﺠﺎﻋﺔ، اﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺗﻮﺳﻂ ﺑﻴﻦ اﻟﺠﺒﻦ ﻭاﻟﺘﻬﻮﺭ ﻭﻋﻠﻰ ﺧﻠﻖ اﻟﺤﻠﻢ، اﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺗﻮﺳﻂ ﺑﻴﻦ اﻟﻐﻀﺐ ﻭاﻟﻤﻬﺎﻧﺔ ﻭﺳﻘﻮﻁ اﻟﻨﻔﺲ) [مدارج السالكين 31/2] وبحسن الخلق وامتثال أركانه يتخلص الإنسان من أصول المعاصي المتمثلة في الكبر المانع من الانقياد والحسد المانع من قبول النصيحة وبذلها والغضب المانع من العدل والشهوة المانعة من العبادة.

ويلخص الإمام جلال الدين السيوطي دلائل حسن الخلق فيما يلي :

قلة الخلاف 1/

2/حسن الإنصاف

3/ترك طلب العثرات

4/تحسين ما يبدو من السيئات

5/التماس المعذرة

6/ احتمال الأذى

7/ الرجوع بالملامة على النفس

8/ التفرد بمعرفة عيوب نفسه دون غيره

9/ طلاقة الوجه للصغير والكبير

10/ لطف الكلام لمن دونه ولمن فوقه

وللأخلاق مكانة عظيمة في بناء الأفراد والمجتمعات والأمم كما قال أمير الشعراء شوقي:

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت …. فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

صلاح أمرك للأخلاق مرجعه ….فقوم النفس بالأخلاق تستقم

إذا أصيب القوم في أخلاقهم ….فأقم عليهم مأتما وعويلا

ويمكننا أن نجمل أهمية الأخلاق فيما يلي :
1/ هو من أهم مقاصد بعث الرسل والرسالات ( ويزكيهم ) وقوله عليه الصلاة والسلام( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ).

2/ تعظيم الإسلام لحسن الخلق كما جاءت بذلك النصوص وكونه من الأعمال الثقيلة في ميزان العبد كما ورد في الحديث: ( ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة ) الترمذي وصححه الألباني .

3/ أن الأخلاق أساس قوة الأمم ورسوخ حضارتها وتنهار المجتمعات عندما تنهار قيمها وأخلاقها قال تعالى:
(وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا ) الإسراء / 16

4/الأخلاق الحسنة من أسباب وعوامل المودة والحب وتنحية عوامل الفرقة والبغضاء قال تعالى: (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) فصلت / 34

5/ أمرت الشريعة بجمال الظاهر في الأبدان والملابس وحسن الهيئة كما أمرت بجمال الباطن بحسن الخلق وكمال التدين وتحقيق المروءة  وبذلك يتحقق الجمال الجواني والبراني كما في قوله تعالى: (یَـٰبَنِیۤ ءَادَمَ خُذُوا۟ زِینَتَكُمۡ عِندَ كُلِّ مَسۡجِدࣲ وَكُلُوا۟ وَٱشۡرَبُوا۟ وَلَا تُسۡرِفُوۤا۟ۚ إِنَّهُۥ لَا یُحِبُّ ٱلۡمُسۡرِفِینَ) الأعراف / 31 فالربط بين الزينة الظاهرة والمساجد التي هي مكانا لطاهرة الباطن وجماله فيه دلالة عظيمة على مقصد الجمال في الشريعة التي هي شريعة الحق والخير والجمال . ونسأل الله أن يرزقنا حسن الخلق في الأولى ومقامه يوم القيامة.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *