بقلم الدكتور/ حسن سلمان
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من الأنبياء نبيُّ إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إليّ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوما القيامة) رواه البخاري ومسلم .
أولا : البينات هي الآيات المصدقة للرسل ( المعجزات ):
القرآن الكريم هو الكتاب الذي أوحاه الله لرسوله محمد عليه الصلاة والسلام وهو يشتمل على نبوته ( العلوم المعارف والأحداث والغيب ) ورسالته ( التشريعات والقيم من عبادات ومعاملات ) كما يشتمل هذا الكتاب على البينات البصائر والتي تسمى المعجزات .
وهذا الحديث يشير إلى قضية البينات والمعجزات الرسالية والتي جعلها الله لجميع الرسل الذين ابتعثهم لخلقه كما في قوله تعالى: ( لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ وَأَنزَلۡنَا مَعَهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡمِیزَانَ لِیَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَأَنزَلۡنَا ٱلۡحَدِیدَ فِیهِ بَأۡسࣱ شَدِیدࣱ وَمَنَـٰفِعُ لِلنَّاسِ وَلِیَعۡلَمَ ٱللَّهُ مَن یَنصُرُهُۥ وَرُسُلَهُۥ بِٱلۡغَیۡبِۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِیٌّ عَزِیزࣱ ) الحديد /25
(فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدۡ كُذِّبَ رُسُلࣱ مِّن قَبۡلِكَ جَاۤءُو بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ وَٱلزُّبُرِ وَٱلۡكِتَـٰبِ ٱلۡمُنِیرِ) آل عمران /184
(وَلَقَدۡ ءَاتَیۡنَا مُوسَىٰ تِسۡعَ ءَایَـٰتِۭ بَیِّنَـٰتࣲۖ فَسۡـَٔلۡ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ إِذۡ جَاۤءَهُمۡ فَقَالَ لَهُۥ فِرۡعَوۡنُ إِنِّی لَأَظُنُّكَ یَـٰمُوسَىٰ مَسۡحُورࣰا) الإسراء /101
(وَءَاتَیۡنَا عِیسَى ٱبۡنَ مَرۡیَمَ ٱلۡبَیِّنَـٰتِ وَأَیَّدۡنَـٰهُ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِۗ ) [البقرة/87]
( وَلَا تَكُونُوا۟ كَٱلَّذِینَ تَفَرَّقُوا۟ وَٱخۡتَلَفُوا۟ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَاۤءَهُمُ ٱلۡبَیِّنَـٰتُۚ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُمۡ عَذَابٌ عَظِیمࣱ) [آل عمران /105]
فهذه الآيات تؤكد بأن جميع الرسل جاؤوا بالبينات والبصائر والآيات الدالة على صدق نبوتهم ورسالتهم مع اختلاف هذه البينات بين فترة وأخرى بحسب الأحوال فمنهم من كانت بينته الناقة وهو نبي الله صالح عليه السلام ( وَمَا مَنَعَنَاۤ أَن نُّرۡسِلَ بِٱلۡـَٔایَـٰتِ إِلَّاۤ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلۡأَوَّلُونَۚ وَءَاتَیۡنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبۡصِرَةࣰ فَظَلَمُوا۟ بِهَاۚ وَمَا نُرۡسِلُ بِٱلۡـَٔایَـٰتِ إِلَّا تَخۡوِیفࣰا) الإسراء /59 ومنهم من تعددت بيناتهم كما هو الحال مع موسى عليه السلام حيث جمع بين العصا وبياض اليد وشق البحر والقمل والدم والضفادع والسنين والطوفان والجراد ( فَأَرۡسَلۡنَا عَلَیۡهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلۡجَرَادَ وَٱلۡقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ ءَایَـٰتࣲ مُّفَصَّلَـٰتࣲ فَٱسۡتَكۡبَرُوا۟ وَكَانُوا۟ قَوۡمࣰا مُّجۡرِمِینَ) الأعراف /133
وكذلك تعددت بينات عيسى من خلق هيئات الطير والنفخ فيها لتكون طيرا بإذن الله وإبراء الأكمه والأبرص بإذن الله وإحياء الموتى بإذن الله والإخبار بما يأكلون وما يدخرون كل ذلك آيات بينات وبصائر واضحات وحقائق معجزات ( إِذۡ قَالَ ٱللَّهُ یَـٰعِیسَى ٱبۡنَ مَرۡیَمَ ٱذۡكُرۡ نِعۡمَتِی عَلَیۡكَ وَعَلَىٰ وَ ٰلِدَتِكَ إِذۡ أَیَّدتُّكَ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِ تُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِی ٱلۡمَهۡدِ وَكَهۡلࣰاۖ وَإِذۡ عَلَّمۡتُكَ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِیلَۖ وَإِذۡ تَخۡلُقُ مِنَ ٱلطِّینِ كَهَیۡـَٔةِ ٱلطَّیۡرِ بِإِذۡنِی فَتَنفُخُ فِیهَا فَتَكُونُ طَیۡرَۢا بِإِذۡنِیۖ وَتُبۡرِئُ ٱلۡأَكۡمَهَ وَٱلۡأَبۡرَصَ بِإِذۡنِیۖ وَإِذۡ تُخۡرِجُ ٱلۡمَوۡتَىٰ بِإِذۡنِیۖ وَإِذۡ كَفَفۡتُ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ عَنكَ إِذۡ جِئۡتَهُم بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ فَقَالَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِنۡهُمۡ إِنۡ هَـٰذَاۤ إِلَّا سِحۡرࣱ مُّبِینࣱ) المائدة /110
ولكن ما يلاحظ في البينات السابقة مع الرسل كافة أنها كانت بينات مادية ومرتبطة بحياة النبي المرسل وتنقطع معه ولا تكتسب الديمومة والاستمرار بل تظل من الأحداث والأنباء السابقة التي يقصها ويرويها الناس ويتم تناقلها وتدوينها في الكتب وأما بينات النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها مختلف لأنها مستمرة وخالدة خلود الكتاب الخاتم والأخير وقد أكد القرآن الكريم على بينات النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى ( وَلَقَدۡ أَنزَلۡنَاۤ إِلَیۡكَ ءَایَـٰتِۭ بَیِّنَـٰتࣲۖ وَمَا یَكۡفُرُ بِهَاۤ إِلَّا ٱلۡفَـٰسِقُونَ) [البقرة /99]
قال ابن بطال رحمه الله في حديث الباب: ” صدق بتلك الآيات لإعجازها لمن شاهدها، كقلب العصا حية، وفلق البحر لموسى عليه السلام، وكإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى لعيسى عليه السلام، وكان الذي أعطيته أنا وحياً أوحاه الله إليَّ فكان آية باقية دُعي إلى الإتيان بها أهل التعاطي له، ومن نزل بلسانهم، فعجزوا عنه، ثم بقي آية ماثلة للعقول إلى من يأتي إلى يوم القيامة، يرون إعجاز الناس عنه رأي العين والآيات التي أوتيها غيره من الأنبياء قبله رُئي إعجازهم في زمانهم، ثم لم تصحبهم مدة إلا حياتهم، وانقطعت بوفاتهم، وكان القرآن باقياً بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ” شرح صحيح البخاري لابن بطال (330/10)
ويبين الحديث السابق المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن البينة الأعظم التي بعث بها هي الوحي المتضمن نبويته ورسالته وبيناته (وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إليّ) إذن البينات الرسالية الخالدة التي تستمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولا تنتهي بموته هي البينات القرآنية التي جعلها الله تتكشف لعباده عبر الأزمان والأجيال والأمم وبحسب الأرضية المعرفية المتاحة لكل أمة ( سَنُرِیهِمۡ ءَایَـٰتِنَا فِی ٱلۡـَٔافَاقِ وَفِیۤ أَنفُسِهِمۡ حَتَّىٰ یَتَبَیَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّۗ أَوَلَمۡ یَكۡفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ شَهِیدٌ) [فصلت /53]
وهذه الآيات المذكورة عن الأنفس والآفاق لو لم تكن متضمنة في الكتاب لما كانت دالة على كونه هو الحق إذن فالبينات الموجودة عن الأنفس والآفاق تتجلى للناس عبر الزمن والتطور العلمي حتى يكون الناس شهداء على صدق الرسالة والرسول ( وكفى بالله شهيدا ) وفي الآية دلالة على أن البينات مستمرة ولن تنقطع ما دام الكتاب موجودا والخطاب للناس قائم إلى قيام الساعة ولا بد للدعاة إلى الله وعامة المسلمين من استصحاب البينات والبصائر عند تقديم الخطاب الديني وهذا يتطلب علما خاصا بالبينات التي تقوم بها الحجة الرسالية
( ما من الأنبياء نبيُّ إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر) وقل تعالى ( قُلۡ هَـٰذِهِۦ سَبِیلِیۤ أَدۡعُوۤا۟ إِلَى ٱللَّهِۚ عَلَىٰ بَصِیرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِیۖ وَسُبۡحَـٰنَ ٱللَّهِ وَمَاۤ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِینَ ) [يوسف/ 108]
لقد تحدى القرآن الكريم العرب والناس جميعا بأنه ليس من كلام محمد صلى الله عليه وسلم ولا من بنات أفكاره وإن كان كذلك فعليكم الإتيان ببعض منه أو مثله وذلك على النحو التالي:
1/ الإتيان بمثل القرآن بلاغة وبيانا وفصاحة ومعاني وحقائق ( قُل لَّىِٕنِ ٱجۡتَمَعَتِ ٱلۡإِنسُ وَٱلۡجِنُّ عَلَىٰۤ أَن یَأۡتُوا۟ بِمِثۡلِ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لَا یَأۡتُونَ بِمِثۡلِهِۦ وَلَوۡ كَانَ بَعۡضُهُمۡ لِبَعۡضࣲ ظَهِیرࣰا) [الإسراء/ 88]
2/ الإتيان بعشر سور مثله مفتريات ( أَمۡ یَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۖ قُلۡ فَأۡتُوا۟ بِعَشۡرِ سُوَرࣲ مِّثۡلِهِۦ مُفۡتَرَیَـٰتࣲ وَٱدۡعُوا۟ مَنِ ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ) [هود/13]
3/ الإتيان بسورة مثله ( أَمۡ یَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۖ قُلۡ فَأۡتُوا۟ بِسُورَةࣲ مِّثۡلِهِۦ وَٱدۡعُوا۟ مَنِ ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ) [يونس/38]
4/ الإتيان بسورة من مثله وهذه أقل من سابقتها لأنها لا تشترط المثلية الكاملة في السورة ولكن بعضا منها أو قريبة من المثل ( وَإِن كُنتُمۡ فِی رَیۡبࣲ مِّمَّا نَزَّلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا فَأۡتُوا۟ بِسُورَةࣲ مِّن مِّثۡلِهِۦ وَٱدۡعُوا۟ شُهَدَاۤءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ) [البقرة/23]
وكان هذا التحدي قائما في حياة الرسول وبعد مماته مصحوبا بالاستعانة بقدرة الجن والإنس مجتمعة ولم يجرؤ أحد للإتيان بمثله أو بعضا منه وذلك لأنه ليس مما يمكن تأليفه بشريا فإذا كان الأمر كذلك فما هي هذه البينات التي اشتمل عليها القرآن الكريم لتكون مصداقا للرسالة وتصديقا للرسول ؟
ثانيا : أنواع الإعجاز القرآني :
1/ الإعجاز البياني والبنياني :
وإعجاز البيان هو المتعلق ببلاغة معاني القرآن وفصاحة ألفاظه وروعة نظمه وتراكيبه اللغوية الدقيقة فهو قمة في كل ذلك فقد عجز العرب عن مجاراته أو انتقاده أو الطعن فيه من هذه الناحية حتى قال قائلهم في ذلك ( والله إن لقوله الذي يقول لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق وإنه يعلو ولا يعلى عليه وما هو بقول بشر ) وأما الإعجاز البنياني فالمقصود به ترتيب الجمل و الآيات والسور فهو ترتيب محكم غاية الإحكام وكأنه بنيان وضعت أركانه وأعمدته ومواده بدقة متناهية فهو متماسك بحيث يؤثر فيه أي تقديم وتأخير في كلماته وجمله وآياته وسوره وهو من هذه الناحية شبيه بالنظام الكوني الدقيق والمحكوم بقوانين صارمة وأي خروج عن المنظومة السننية والقانونية هو دمار وهلاك فالكتاب المنظور والكتاب المسطور كلاهما محل تعظيم وتأمل وقد أقسم الله بكليهما فالقسم بالنجوم والحديث عنها معروف ومشهور وكذلك القسم بنجوم القرآن كما قوله تعالى ( فَلَاۤ أُقۡسِمُ بِمَوَ ٰقِعِ ٱلنُّجُومِ ٧٥ وَإِنَّهُۥ لَقَسَمࣱ لَّوۡ تَعۡلَمُونَ عَظِیمٌ ٧٦ إِنَّهُۥ لَقُرۡءَانࣱ كَرِیمࣱ ٧٧ فِی كِتَـٰبࣲ مَّكۡنُونࣲ ٧٨ لَّا یَمَسُّهُۥۤ إِلَّا ٱلۡمُطَهَّرُونَ ٧٩ تَنزِیلࣱ مِّن رَّبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ ٨٠﴾ [الواقعة ٧5-٨٠]
وقد أورد ذلك العلامة ابن عاشور في تفسيره التنوير والتحرير قائلا ( ومِنَ المُفَسِّرِينَ مَن تَأوَّلَ النُّجُومَ أنَّها جَمْعُ نَجْمٍ وهو القِسْطُ الشَّيْءُ مِن مالٍ وغَيْرِهِ كَما يُقالُ: نُجُومُ الدِّياتِ والغَراماتِ وجَعَلُوا النُّجُومَ، أيِ: الطَّوائِفَ مِنَ الآياتِ الَّتِي تَنْزِلُ مِنَ القُرْآنِ وهو عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وعِكْرِمَةَ فَيُؤَوَّلُ إلى القَسَمِ بِالقُرْآنِ عَلى حَقِيقَتِهِ عَلى نَحْوِ ما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿والكِتابِ المُبِينِ﴾ [الزخرف: ٢] ﴿إنّا جَعَلْناهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ [الزخرف: ٣]) .
وكأنما هناك تشابه بين منظومة النجوم في السماوات ودقتها والقوانين الضابطة لها ومنظومة النجوم في القرآن وهي الطوائف من الآيات التي تنزل منجمة وأن مواقع كل منهما محل عظمة وحكمة وعلم استحق قسم الله تعالى .
وهذا النوع هو الذي سار عليه البلاغيون وأهل اللغة والأدب وكثير من المفسرين وأهل العلم بالقرآن .
2/ الإعجاز العلمي والمعرفي :
والمقصود بذلك اشتمال القرآن الكريم للعلوم والمعارف العظيمة التي لم تكن سائدة زمان البعثة النبوية ولم يكن الرسول وقومه على علم ودراية بها ولا القرون التي تلت ذلك العهد مما يعني أن هذه العلوم والمعارف ليست من علوم تلك البيئة والعصور التي نزل فيها القرآن وخاصة العلوم الكونية والإنسانية والطبيعية التي تناولها القرآن وهذا دليل قاطع أنه كلام الله الذي علم ما في السماوات والأرض وعلم الإنسان ما لم يعلم قال تعالى ( ﴿وَكَذَ ٰلِكَ أَوۡحَیۡنَاۤ إِلَیۡكَ رُوحࣰا مِّنۡ أَمۡرِنَاۚ مَا كُنتَ تَدۡرِی مَا ٱلۡكِتَـٰبُ وَلَا ٱلۡإِیمَـٰنُ وَلَـٰكِن جَعَلۡنَـٰهُ نُورࣰا نَّهۡدِی بِهِۦ مَن نَّشَاۤءُ مِنۡ عِبَادِنَاۚ وَإِنَّكَ لَتَهۡدِیۤ إِلَىٰ صِرَ ٰطࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ ٥٣﴾ [الشورى ٥٢]
وقد اشتمل هذا القسم على حقائق الغيب السابق واللاحق وهي علوم النبوات الشاملة للقصص والأحداث الغابرة وكذلك التنبؤات المستقبلية حتى قيام الساعة وبعد قيامها كلها حقائق قرآنية غيبية لا سبيل للعلم بها إلا عن طريق الوحي السماوي قال تعالى: ﴿ذَ ٰلِكَ مِنۡ أَنۢبَاۤءِ ٱلۡغَیۡبِ نُوحِیهِ إِلَیۡكَۚ وَمَا كُنتَ لَدَیۡهِمۡ إِذۡ یُلۡقُونَ أَقۡلَـٰمَهُمۡ أَیُّهُمۡ یَكۡفُلُ مَرۡیَمَ وَمَا كُنتَ لَدَیۡهِمۡ إِذۡ یَخۡتَصِمُونَ﴾ [آل عمران ٤٤]
﴿تِلۡكَ مِنۡ أَنۢبَاۤءِ ٱلۡغَیۡبِ نُوحِیهَاۤ إِلَیۡكَۖ مَا كُنتَ تَعۡلَمُهَاۤ أَنتَ وَلَا قَوۡمُكَ مِن قَبۡلِ هَـٰذَاۖ فَٱصۡبِرۡۖ إِنَّ ٱلۡعَـٰقِبَةَ لِلۡمُتَّقِینَ﴾ [هود ٤٩]
﴿ذَ ٰلِكَ مِنۡ أَنۢبَاۤءِ ٱلۡغَیۡبِ نُوحِیهِ إِلَیۡكَۖ وَمَا كُنتَ لَدَیۡهِمۡ إِذۡ أَجۡمَعُوۤا۟ أَمۡرَهُمۡ وَهُمۡ یَمۡكُرُونَ﴾ [يوسف ١٠٢]
﴿ذَ ٰلِكَ مِنۡ أَنۢبَاۤءِ ٱلۡقُرَىٰ نَقُصُّهُۥ عَلَیۡكَۖ مِنۡهَا قَاۤىِٕمࣱ وَحَصِیدࣱ﴾ [هود ١٠٠]
3/ الإعجاز التشريعي :
من نظر في كتاب الله تعالى وتأمل الأحكام الواردة فيه سيجدها تغطي كافة مجالات الحياة التعبدية الشعائرية والمعاملات العادية بكل أنواعها اقتصادية وسياسية واجتماعية وعلاقات دولية ولا شك فهذه الدقة والشمول تدل على حكمة بالغة وعدل محكم ورعاية عامة لمصالح العباد في العاجل والآجل وما كان لمحمد عليه الصلاة والسلام أن يأتي بذلك من لبنات أفكاره وهو الأمي الذي لم يعرف القراءة ولا الكتابة ولا الاطلاع على علوم السابقين وانتاجهم العلمي والمعرفي والتشريعي والفلسفي .
ولا زالت الأمة تعتمد في تنظيم وترتيب حياتها على هذه التشريعات تأصيلا وتفصيلا وتسعى من خلال النظر والاجتهاد فيها للإجابة عن كافة النوازل المعاصرة قال تعالى ﴿وَیَوۡمَ نَبۡعَثُ فِی كُلِّ أُمَّةࣲ شَهِیدًا عَلَیۡهِم مِّنۡ أَنفُسِهِمۡۖ وَجِئۡنَا بِكَ شَهِیدًا عَلَىٰ هَـٰۤؤُلَاۤءِۚ وَنَزَّلۡنَا عَلَیۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ تِبۡیَـٰنࣰا لِّكُلِّ شَیۡءࣲ وَهُدࣰى وَرَحۡمَةࣰ وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُسۡلِمِینَ﴾ [النحل ٨٩]
4/ الإعجاز الإصلاحي والتهذيبي والاجتماعي:
من المهام الرئيسىة للكتاب وبعثة النبي عليه الصلاة والسلام عملية التهذيب والتزكية للنفوس وعملية الإصلاح الشامل للأفراد والمجتمعات والأمم وهذا النوع هو فرع عن شمول الكتاب لكل ما يصلح المكلف في دينه ودنياه من التصورات والمفاهيم والأحكام التي تصوب مساره الفكري والعقدي والسلوكي والنفسي ولا يوجد كتاب في الأرض يمكنه تهذيب النفوس وتزكيتها والغوص في أعماقها مثل القرآن الكريم لأنه كلام الله العزيز الحميد العليم بالنفوس وخفاياها وتأثيره مجرب لكل من استمع أو تدبر أو درس القرآن قال تعالى ( ﴿ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحۡسَنَ ٱلۡحَدِیثِ كِتَـٰبࣰا مُّتَشَـٰبِهࣰا مَّثَانِیَ تَقۡشَعِرُّ مِنۡهُ جُلُودُ ٱلَّذِینَ یَخۡشَوۡنَ رَبَّهُمۡ ثُمَّ تَلِینُ جُلُودُهُمۡ وَقُلُوبُهُمۡ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ ذَ ٰلِكَ هُدَى ٱللَّهِ یَهۡدِی بِهِۦ مَن یَشَاۤءُۚ وَمَن یُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنۡ هَادٍ﴾ [الزمر ٢٣]
5/ الإعجاز العددي:
هذا النوع من المعارف يتعلق بمتابعة الأرقام والأعداد وتكرارها ودلالاتها وعلاقتها البينية سواء داخل السورة الواحدة أو بين السور جميعا وهناك الكثير المثير في هذا الباب لمن تتبعه واهتم به ولعل هذا النوع من المعارف حديث عهد في الدراسات القرآنية والبحوث الإعجازية والناس فيه مختلفون فمنهم من يرى ذلك نوعا من اللطائف القرآنية التي لم تبلغ مبلغ العلم واليقين ليكون له علاقة بالإعجاز ومنهم من يرى هذا من أنواع الإعجاز وخاصة في زماننا الذي يعد عهدا رقميا بامتياز وأن هذا النوع سريع الوصول إلى عقول المعاصرين من الأنواع الأخرى وعموما سواء كان هذا أو ذاك فهو نافع ومفيد لدارس القرآن الكريم .
ثالثا : الفوائد العامة المستفادة من الحديث :
1/ الحديث يدل على إثبات الآيات للأنبياء وهو بيان وتأكيد لما ورد في القرآن الكريم والتعبير بلفظ الآيات أولى من التعبير بالمعجزات وقد ذكر ذلك العلامة
ابن عثيمين رحمه الله:” وما اشتهر من العلماء بتسميتها بالمعجزات ففيه قصور وذلك لأن المعجزات يدخل فيها معجزات السحرة، وخوارق الشياطين… فالتعبير بالآيات خير من التعبير بالمعجزات لسببين:
أولاً: لأنه اللفظ الذي جاء في الكتاب والسنة
ثانياً: لا يرد عليه مثل الخوارق التي تكون من السحرة والشياطين” التعليق على (1/ 484) مسلم
2/ الآية العظمى الخالدة والمستمرة دون انقطاع بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم هو القرآن الكريم ولكن ذلك لا ينفي عنه وجود بينات مادية مشاهدة في حياته رآها الصحابة الذين عاصروه ونقلوها نقلا يبلغ حد التواتر وهذه كغيرها من بينات الرسل المادية التي لن تستمر بعد موت الرسول عليه الصلاة والسلام .
3/ الحديث فيه دلالة عظيمة على رحمة الله بعباده والحرص على هدايتهم واتباع الهدى الذي بعث الله به رسله وتعزيز ذلك بالبينات والبصائر التي تؤكد صدق النبوة والرسالة قطعا للأعذار والحجج على الله يوم القيامة قال تعالى ( ﴿قُلۡ فَلِلَّهِ ٱلۡحُجَّةُ ٱلۡبَـٰلِغَةُۖ فَلَوۡ شَاۤءَ لَهَدَىٰكُمۡ أَجۡمَعِینَ﴾ [الأنعام ١٤٩]
4/ بسبب البينات القرآنية المستمرة مع استمرار البشرية حتى قيام الساعة فإن أتباع النبي صلى الله عليه وسلم سيكونون أكثر من غيرهم ( فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوما القيامة) وقد شهدت بذلك الكثير من الأحاديث الصحيحة قال ابن حجر رحمه الله:” رتب هذا الكلام على ما تقدم من معجزة القرآن المستمرة لكثرة فائدته، وعموم نفعه لاشتماله على الدعوة والإخبار بما سيكون فعمّ نفعه من حضر ومن غاب، ومن وُجد ومن سيوجد، فَحسُنَ ترتيب الرجوى المذكور على ذلك، وهذه الرجوى قد تحققت فإنه صلى الله عليه وسلم أكثر الأنبياء تبعاً” الفتح7/9)
5/ أهمية اكتساب المعرفة العلمية بالبينات القرآنية للداعية إلى الله ولكل مسلم حتى يكون مؤثرا وهاديا ومقيما للحجة على العباد على بصيرة كما يؤدي معرفة البينات للثقة واليقين بالتنزيل وزيادة الإيمان به وهو مقصود للشارع ومطلوب من المكلف قال تعالى ( ﴿هَـٰذَا بَصَـٰۤىِٕرُ لِلنَّاسِ وَهُدࣰى وَرَحۡمَةࣱ لِّقَوۡمࣲ یُوقِنُونَ ٢٠ أَمۡ حَسِبَ ٱلَّذِینَ ٱجۡتَرَحُوا۟ ٱلسَّیِّـَٔاتِ أَن نَّجۡعَلَهُمۡ كَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ سَوَاۤءࣰ مَّحۡیَاهُمۡ وَمَمَاتُهُمۡۚ سَاۤءَ مَا یَحۡكُمُونَ ٢١﴾ [الجاثية ٢٠-٢١] هذا ما تيسر ونسأل الله أن يعلمنا ما جهلنا وينفعنا بما علمنا ويزدنا علما
يوجد 2 تعليقات
محمد عثمان صالح
بارك الله فيك وفي علمك فالمقال حوى كل ما يتصل بالبينات الباهرات والآيات الظاهرات، وما ميزه انه وصل هذه المعحزات بحاضر الناس هذا، والذي يسجل عليهم ان هم لم يهتدوا بعد هذه البينات الواضحة او لهم ان هم اعملوا النظر فيها كل حين واوان تزيد من إيمانهم وتوثق صلتهم بربهم وتعينهم على الدعوة إلى الله على هدى وبصيرة، وفقنا الله واياكم لمزيد العلم ومفيد العمل وشكر الله لكم جهدكم وتبصيركم.
آدم ادريس
بارك الله فيكم وجزاكم الله خيرا كثيرا
ونصر بكم الإسلام والمسلمين