التفقد أهميته التربوية والإدارية

10 فبراير 2021 2927

بقلم الشيخ/ إسماعيل عمار
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى وعلى آله وصحبه وسلم ، وبعد :    
في هذا المقال المختصر أتناول موضوع التفقد من خلال العناصر التالية :
الباعث لطرق الموضوع _ التعريف_ أهميته عند المسلمين _ من صور التفقد عند السابقين _ كثرة الأجر بتنوع التفقد _ أثر التفقد على الإدارة _ الخاتمة .

الباعث لبحث الموضوع:
إن الحالة العامة لأوضاع الناس في واقعنا المعاصر يغلب فيها الانشغال كل بنفسه في ظل ضغوطات الحياة وغياب أو ضعف روابط الأخوة الإيمانية  حيث الأنانية وحب الذات أصبح سمة وشعار الناس : نفسي نفسي ، سمة بارزة إلا من رحم الله ، مما يتطلب البحث عن علاج لهذا الداء ، ولعلنا من خلال خلق التفقد نصل لشيء من إحياء الروابط وبعث الهمم والشعور بالآخرين وتفقد أحوالهم،

تعريف التفقد :
تفقد الشئ تطلبه عند غيبته كما في القاموس المحيط ،  “وتفقدت المرأة حليها الضائع بحثت عنه.
وتفقد الشخص هو: السؤال عنه ومعرفة سبب غيابه وحاله ومآله وتقديم يد العون له إذا احتاج .[موقع المعاني في النت] لذلك “.

أهمية التفقد في حياة المسلمين :
إن خلق التفقد أدب كريم يدعو إليه الإسلام ، وتحمله النفوس الطيبة وهو ما يبعث على إيجاد مجتمع مترابط الأوصال تسود بين أفراده المحبة وطيب العشرة كي يصبح حال المسلمين كالجسد الواحد كما قال صلى الله عليه وسلم :” مثل المؤمنين في توادهم  وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى” أخرجه مسلم.

التفقد في سير الصالحين:
من القرآن الكريم:
قال الله تعال : {وتفقد الطير فقال مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين }، [النمل : 20 ]، قال القرطبي في تفسيره: في هذه الآية دليل على تفقد الإمام أحوال رعيته والمحافظة عليهم، فانظر إلى الهدهد مع صغره  كيف لم يخف على نبي الله سليمان عليه السلام حاله فكيف بعظام الملك، انتهى.

مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في تفقده لأصحابه:
كان هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مع صحابته رضي الله عنهم السؤال عمن غاب منهم، وهو كثير جدا فمن ذلك ما جاء في افتقاده صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس وسؤاله عنه، وتفقده صلى الله عليه وسلم للمرأة التي كانت تقِّم المسجد أي تنظفه.

ومن تفقده فإنه صلى الله عليه وسلم حين خروجه لغزوة تبوك في جيش بلغ عدده ثلاثين ألفا يتفقد أصحابه فإذا به في الطريق يقول “ماذا فعل كعب بن مالك ” ؟

وفي قوله صلى الله عليه وسلم: ( يا أبا عمير ما فعل النغير )، تفقد في مداعبة منه صلى الله عليه وسلم.

ومن ذلك ما كان من الرسول صلى الله عليه وسلم حين عودته بجيشه من أحد الغزوات حيث تأخر إلى مؤخرة الجيش فيجد صاحبه جابر بن عبدالله فيسأله عن حاله وأحوال أخواته…إلخ.

وهكذا نجد مما ذكر أعلاه من نماذج تبين مدى عناية النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه وتفقده لهم سواء في الحضر أو السفر ، في السلم أو في الحرب للرجال والنساء للصغار والكبار، ففي قصة ثابت بن قيس عن أنس بن مالك رضي الله عنهم :(أن النبي صلى الله عليه وسلم افتقد ثابت بن قيس فقال رجل : يا رسول الله أنا أعلم لك علمه ، فأتاه فوجده جالسا في بيته منكسا رأسه فقال ما شأنك ؟ فقال ثابت : شر، كان يرفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم فقد حبط عمله وهو من أهل النار ، فأتى الرجل فأخبره أنه قال كذا وكذا ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( إذهب إليه فقل له : إنك لست من أهل النار ولكن من أهل الجنة) أخرجه البخاري.

فالنبي صلى الله عليه وسلم مع عظيم انشغاله بالدعوة وهمها لم يغفل غياب ثابت بن قيس رضي الله عنه عن مجلسه وفقده له ، فتحرى خبره صلى الله عليه وسلم وفرج عنه كربته وزاده بشارة عظيمة، فهذا كله من ثمار التفقد وبركة رعاية الصحبة.

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن إمرأة سوداء كانت تقّم في المسجد فماتت فقال: (هلا آذنتموني ، فقال دلوني على قبرها فأتى قبرها فصلى عليها) فهذا فيه فضل السؤال عن الخادم والصديق وحُسن رعايتم وتفقدهم .

وفي قوله صلى الله عليه وسلم ( يا أبا عمير ما فعل النغير) [كما عند مسلم من حديث أنس رضي الله عنه] تفقد لأنس وأخيه وأسرتهم حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يشملهم برعايته فيزورهم ويتفقدهم بل ويداعب صغيرهم  تلطفا به فيدخل السرور عليهم جميعا،

وفي قصة كعب في حديثه الطويل في الصحيحين وسؤال النبي صلى الله عليه وسلم عنه حيث قال كعب : ولم يذكرن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتي بلغ تبوك فقال وهو جالس في القوم بتبوك : ( مافعل كعب بن مالك … )الحديث،

فأنظر إلى هذه الرعاية والإهتمام والتفقد برغم شدة الحال وكثرة العدد وأهوال مواجهة العدو وما يلزم الجيش من خطط واهتمام وقيادة أمام مواجهة عدو أكثر عدة وعددا ، وهذا كله لم يجعل الرسول صلى الله عليه وسلم  ينسى صاحبه كعب بن مالك حين غاب عنه فسأل عنه قائلا: ( مافعل كعب بن مالك ) ليعلمنا ويعلم القادة من بعده ، الإهتمام بأي فرد من الرعية  والسؤال عمن غاب منهم ،

وفي حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما حين كان النبي صلى الله عليه وسلم عائدا من غزوة ذات الرقاع دار حوار بينه وبين جابر والحديث طويل ، وجاء فيه قوله صلى الله عليه وسلم  لجابر: ( يا جابرهل تزوجت بعد؟ قال قلت : نعم يارسول الله ، قال: أثيبا أم بكرا ؟، قال قلت: لا بل ثيبا ، قال : أفلا جارية تلاعبها وتلاعبك ؟ قال : قلت يا رسول الله إن أبي أصيب يوم أحد وترك بنات له سبعا فنكحت إمرأة جامعة تجمع رؤوسهن وتقوم عليهن قال أصبت إن شاء الله) وهو في الصحيحين ومسند أحمد.

مع الخليفة الراشد عمر الفاروق رضي الله عنه:
ذكر القرطبي في تفسيره: في الصحيح عن عبدالله بن عباس أن عمر بن الخطاب خرج إلى الشام حتى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الأجناد : أبو عبيدة وأصحابه  فأخبروه أن الوباء قد وقع بالشام ، الحديث ؛ قال علماؤنا : كان هذا الخروج من عمر بعد ما فتح بيت المقدس سنة سبع وعشرة على ما ذكره خليفه بن خياط ، كان يتفقد أحوال رعيته وأحوال أمرائه بنفسه ، فقد دل القرآن والسنة وبينا ما يجب على الإمام من تفقد أحوال رعيته ومباشرة ذلك بنفسه والسفر إلى ذلك وإن طال ، [تفسير القرطبي- النمل 20].

فهذا حال عمر بن الخطاب رضي الله عنه إماما في الرعاية والتفقد لرعيته بنفسه لمن هو قريب منه والسفر إلى من كان بعيدا عن حاضرة الدولة المدينة المنورة ،

وهو بهذا الصنيع الذي تحفل سيرته العطرة بالكثير منه، يعلمنا قيمة التفقد والقيام بالمسئولية الإدارية في أحسن صورها ، وهذا مما حباه الله به فقد تخرّج من مدرسة النبوة فكان نعم القائد والمُربي رضي الله عنه وأرضاه .

كثرة أبواب الأجر في تنوع صور و مجالات التفقد:
إن تفقد أحوال الناس يفتح بابا واسعا على الإنسان لجمع الحسنات ومحو السيئات، وعلى المرء أولا  أن يتفقد نفسه بصفة دائمة لأنها في خطر دائم حيث المغريات والفتن حولها لا تعد ولا تحصى لذلك ينبغي للإنسان أن يتفقد نفسه هل هو مستقيم أو غير ذلك ؟ فإن كان مستقيما حمد الله عز وجل وأثنى عليه وسأله الثبات على ذلك، وإن كان غير ذلك، وجب عليه الإستقامة وأن يعدل سيره إلى الله عز وجل، ومن أعظم أبواب التفقد العناية بالوالدين برا بهم وخدمة لهم والقيام بشأنهم ، ومن ما يعتني بحقهم في التفقد: الزوجة والأبناء والأقارب والأرحام والجار وكل صاحب فضل من معلم مربٍ أو شيخ ناصح أو صاحب حادب.

ويراعي المسلم في تقديم التفقد حق الوالدين على غيرهم ، فالله عز وجل جعل لهم من المكانة والتقديم في البر بعد عبادته سبحانه ، قال تعالى : {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا} [النساء : 36]، وهذا البر للوالدين كما يكون في حياتهم فإنه يتواصل بعد الممات ففي الحديث :  عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما يقول صلى الله عليه وسلم ( إن أبر البر صلة المرء أهل ود أبيه بعد أن يولي ) [صحيح أبي داود 5143].

أثر التفقد على المسؤولية ونجاح الإدارة :
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ، الإمام راع ومسؤول عن رعيته ، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته ، والمرأة  راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها ، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته ، فكلكم راع ومسؤول عن رعيته )  متفق عليه.

هذا الحديث أصل عظيم في تحمل المسؤولية والقيام بما تمليه من واجبات أيا كانت درجتها “فما من انسان إلا وقد وكل إليه أمر يديره ويرعاه ، وكلنا مطالب بالإحسان فيما استرعاه ومسؤول عنه أمام من لا تخفى عليه خافية ، فإن قام بالواجب عليه لمن تحت يده كان أثر ذلك في الأمة عظيما وثوابه  جزيلا وحسابه عند الله يسيرا ، وإن قصرفي الرعاية وخان الأمانة أضر بالأمة وعسّرعلى نفسه الحساب وأوجب لها المقت والعذاب” [من موقع اسلام ويب].

وعلى حسب فهم الإحسان في القيام بواجب المسؤولية من التفقد والرعاية  ورقي الأداء وقيام كل فرد بما يليه وفق الحقوق والواجبات في تنفيذ المطلوب ومتابعة الخطط  مع المراقبة  لمراحل بناء أي مشروع أو عمل ، فهذا من أسباب ما يحقق نجاح الإدارة وبه تتقدم الأمة في سلم البناء والنماء لحياة كريمة ومستقبل زاهي ،

قال سبحانه وتعالى : {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون} ، [التوبة : 105].

الخلاصة:
إن التفقد سنة نبوية  تقوي علاقة  العبد بربه وعلاقة أفراد المجتمع فيما بينهم ، والتفقد يفتح للمسلم بابا واسعا لجمع الأجور والحسنات ، فحري بنا العناية به وملازمته كي نحقق مقاصد الأخوة في الله ، والترابط والتعاون على الخير، فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ، ولا يسلمه ، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ، ومن فرّج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة ) رواه البخاري.

والحمد لله الذي بحمده تتم الصالحات وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *