بقلم الدكتور/ حسن سلمان
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله الأمين وعلى آله وصحبه اجمعين:
أما بعد فقد وردني سؤال عن مفهوم الفتنة وعلاقة هذا المفهوم بقضية المرأة وعملها ومشاركتها ونظرة الخطاب الاسلامي لها بشكل عام والجواب في النقاط التالية:
أولا: نؤكد بأن مفهوم الفتنة هو مفهوم قرآني واسع حيث وردت كلمة الفتنة سواء بعبارة الفتنة او مشتقاتها أكثر من (ثماني وخمسين مرة) وعليه فإن الطريقة الأمثل هي دراسة المفردة ضمن سياقاتها من سوابق ولواحق وإطار عام للخروج بمفهوم شامل وعام حول القضية المطروحة وهي حاليا مفردة الفتنة وما ينتح عنها من مفهوم وابتداء نقول بأن القرآن الكريم كتاب نزل باللغة العربية ولكنه حاكم عليها وليست اللغة متحكمة فيه فهو كلام الله سبحانه وتعالى نزل بلسان عربي مبين وتأتي هنا قضية المفهوم الشرعي والمفهوم اللغوي في العبارات أو في المفردات و نجد القرآن الكريم في بعض معانيه متجاوز وفي بعض معانيه مخصص للمفردة اللغوية فمسألة الصلاة مثلا في القرآن الكريم عموما قد يراد بها الدعاء أو الصلة بين العبد وبين الله سبحانه وتعالى ولكن يأتي المفهوم الشرعي بالتخصيص لتكون الصلاة (تلك الحركات الصادرة من المكلف المبتدأة بالتكبير والمنتهية بالتسليم وما بين ذلك من الركوع والسجود والقراءة بنية التعبد لله تبارك وتعالى) كذلك فإن مفهوم الفتنة في اللغة تعني عرض الذهب على النار للتعرف على جودته وأصالته و ينسحب هذا المفهوم على ما نحن بصدده في تحرير مفهوم الفتنة في الشريعة وماهية حقيقتها.
الفتنة في الشرع هي (اختبار وامتحان للعبد المكلف من خلال تعرضه لمغريات الشهوات أو الشبهات) فقد يفتتن الإنسان بشهوة أو يفتتن بشبهة كالذي يتعرض لمنظومة من الأفكار المزينة وفيها ما يثير الإعجاب قد يفتتن بها الإنسان مع أنها تزيين وليس حقيقة بل هي تزيين وتلبيس شيطاني للمفاهيم عبر إثارة الشبهات التي لا علاقة لها بالحق وقد يزين كذلك الشيطان كثيرا من الأمور المحبوبة للمكلف عبر الشهوات كالطعام والشراب والفواحش وحب السلطة والمال وغيرها وبالتالي فإن مسألة الفتنة هي عملية اختبار وتعرض الانسان لابتلاء وهذا التعرض في ذاته فتنة و تعرض الإنسان لهذا النمط من الفتن هو ما ذكره القرآن الكريم في قوله تعالى (وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّمَاۤ أَمۡوَ ٰلُكُمۡ وَأَوۡلَـٰدُكُمۡ فِتۡنَةࣱ وَأَنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥۤ أَجۡرٌ عَظِیمࣱ) [الأنفال 28] فمفهوم الفتنة مفهوم واسع بحيث نجد ان الرجل والمرأة فتنة لبعضهم و الكفار والمسلمين فتنة لبعضهم والأغنياء والفقراء فتنة لبعضهم والأزواج فتنة لبعضهم والأبناء والآباء فتنة لبعضهم قال الله تعالى: (وَجَعَلۡنَا بَعۡضَكُمۡ لِبَعۡضࣲ فِتۡنَةً أَتَصۡبِرُونَۗ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِیرࣰا). [الفرقان 20]
ويقترن مفهوم الفتنة بالتزيين كما في قوله تعالى (زُیِّنَ لِلَّذِینَ كَفَرُوا۟ ٱلۡحَیَوٰةُ ٱلدُّنۡیَا وَیَسۡخَرُونَ مِنَ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ۘ وَٱلَّذِینَ ٱتَّقَوۡا۟ فَوۡقَهُمۡ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِۗ وَٱللَّهُ یَرۡزُقُ مَن یَشَاۤءُ بِغَیۡرِ حِسَابࣲ ) [البقرة 212] (زُیِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَ ٰتِ مِنَ ٱلنِّسَاۤءِ وَٱلۡبَنِینَ وَٱلۡقَنَـٰطِیرِ ٱلۡمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلۡفِضَّةِ وَٱلۡخَیۡلِ ٱلۡمُسَوَّمَةِ وَٱلۡأَنۡعَـٰمِ وَٱلۡحَرۡثِۗ ذَ ٰلِكَ مَتَـٰعُ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَاۖ وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسۡنُ ٱلۡمَـَٔابِ ) [آل عمران 14] (وَزَیَّنَ لَهُمُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ مَا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ) [الأنعام 43] فغالبا الفتنة تعبر عبر بوابة التزيين والتحسين الشكلي والظاهري خلافا للحقيقة الموضوعية فيحصل الضلال والغواية للإنسان بذلك عبر تزيين الشهوات والشبهات ومفارقة الهدى والرشد.
ووفقا لما سبق نتحدث عن مسألة الفتنة بالنسبة للمرأة كيف يمكن للمرأة ان تكون فتنة وقد تقدم بأن مفهوم الفتنة مفهوم متبادل بين الرجل والمرأة فكلاهما فتنة لبعضهم ولكن بما أن المرأة محل للزينة فهي أكثر فتنة أو أكثر زينة وأكثر جاذبية من جاذبية الرجل للمرأة فليست كل امرأة تنجذب لأي رجل باعتبار أن الرجال ليسوا مكانا للزينة في الأصل مع أن الطرفين يميلان لبعضهما من ناحية الغريزة الانسانية ولكن جعل الله سبحانه وتعالى المرأة مكان للزين أكثر من الرجل وبالتالي فهي أكثر فتنة بالنسبة للرجل ولهذا نجد القرآن الكريم يكثر من توجيهات النساء في اللباس والقرار في البيوت وضبط الكلام وتجنب الخلوات بالرجال وترك التبرج والسفور وغيرها من الأحكام لأن المرأة ساحة ابتلاء وهي محل للزينة والزينة مدخل للفتنة وربما تصدرت فتنة النساء بقية الفتن بالنسبة للرجال كما ورد في الحديث عن عن أسامة بن زيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (ما تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أضَرَّ على الرِّجالِ مِنَ النِّساءِ) أخرجه البخاري في صحيحه.
متى تكون المرأة فتنة للرجل؟
تكون المرأة فتنة للرجل إذا كانت هذه المرأة غير منضبطة بضوابط الشريعة في اللباس والتواصل وفي الكلام والمعبر عنه بالخضوع بالقول وهو الذي يكون فيه الغزل أو الفحش في القول بكل ما هو مثير للغريزة وكذلك الخلوة في المجالسة والتجاوز في طبيعة الحركة بما يثير ويلفت الأنظار ليعلم ما تخفي من الزينة بقصد الإثارة وغير ذلك مما فيه خروج عن الحياء المطلوب شرعا والذي يتسبب بالفتنة والطمع لمن في قلبه مرض كما عبر بذلك القرآن الكريم وعليه يجب لتجنب الفتنة ضبط العلاقات بين الرجال والنساء فلا تكون علاقات مفتوحة بلا ضوابط حارسة وحامية للطرفين.
وأما إذا أردنا أن نقيم طبيعة الخطاب الإسلامي في هذه اللحظات التاريخية من عمر الأمة فإننا نجد الأمة تمر بأكثر من خطاب فهناك الخطاب المندفع الذي يريد للمرأة أن تنطلق دون ضوابط ودون رقابة تحت حجة أن المرأة حرة في نفسها تفعل ما تشاء وهذا هو خطاب الحداثة السائد وهو في الحقيقة خطاب مستلب وتقليدي للخطاب الغربي الذي انتهى بالمرأة لتكون سلعة من السلع معروضة في ساحات الدعاية والترويج للشركات مدفوعة الثمن وتحول جسد المرأة لبضاعة تباع وتشترى وهذه حالة عامة للخطاب الحداثي التغريبي.
والخطاب الثاني هو خطاب ينطلق من المرجعية الدينية ولكنه لا يتقيد بضوابط الشريعة الاسلامية كما جاءت في الكتاب والسنة النبوية الصحيحة بل يسود في هذا الخطاب منطق الأعراف التقاليد والغرائز الخاصة بالإنسان وأهوائه بعيدا عن حكم الله تعالى وقد يصل الأمر بهذا الخطاب وكأنه خطاب ممنوح من الرجال للنساء وليس خطابا شرعيا متعاليا يحدد العلاقات بين الطرفين من موقع الحاكمية الإلهية والعدل الرباني بعيدا عن الذكورة والأنوثة والتحيزات المتعلقة بالمخلوق وهذا الخطاب يوجد نمطا من الوصاية غير الشرعية للرجال على النساء مسنودا بالأعراف والتقاليد ووضعية الرجال الخاصة بالقوامة والتي يحصل معها في واقع الأمر تعسفا في استعمال وممارسة الحق فيحصل التجاوز للمشروع ويتم العدوان والبغي والظلم وهذا الاعتبار نجد خطابا قلقا بشأن مسألة المرأة ومشاركتها في الحياة العامة في السياسة و الدعوة والتعليم والعمل الانساني وكافة التكاليف الشرعية التي كفلتها الشريعة للطرفين بضوابطها دون تعسف من أحد الطرفين على الآخر وهذه هي الوسطية التي جاءت في كتاب الله تبارك وتعالى وسنة النبي صلى الله عليه وسلم في العلاقة بين الرجال والنساء فكل يقوم بواجباته الشرعية بضوابطها المعتبرة دون إفراط أو تفريط أو تحكم أو تعسف تحقيقا لقول الله تعالى (وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَـٰتُ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ یَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَیَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَیُقِیمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَیُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَیُطِیعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۤۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ سَیَرۡحَمُهُمُ ٱللَّهُۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِیزٌ حَكِیمࣱ) [التوبة 71].
هذه بعض المقدمات والمداخل للقضية المسؤول والأمر قابل لمزيد من التفصيل.
والحمد لله رب العالمين.