بقلم الدكتور/ حسن سلمان
في الثامن عشر من شهر ديسمبر للعام الواحد والعشرين بعد الألفين كان اليوم العالمي للغة العربية وهي إحدى اللغات المعتمدة لدى الأمم المتحدة لكونها من اللغات التي يتحدث بها قطاع واسع من الشعوب العربية والإسلامية سواء كانت لغة رسمية للدولة أم كانت لغة دين أم ثقافة فالعربية تحتل مكانا متفردا لدى كل مسلم لأنها ترتبط بالقرآن الكريم وبسنة النبي محمد عليه الصلاة والسلام وترتبط بها كافة مصادر الشريعة الإسلامية وأصول علومها الأساسية وهذا محفز كبير لكل مسلم على تعلم العربية والحفاظ عليها وتعليمها الناشئة من أبناء المسلمين لأنها تشكل هويتهم الثقافية والدينية.
واللغات عامة أداة تواصل بين البشر وهي من الآيات الدالة على عظمة الله في خلقه قال تعالى: (وَمِنۡ ءَایَـٰتِهِۦ خَلۡقُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَـٰفُ أَلۡسِنَتِكُمۡ وَأَلۡوَ ٰنِكُمۡۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّلۡعَـٰلِمِینَ) [الروم 22] فالله خالق الألسن واللغات وهي من الآيات الدالة على عظمته وجلاله وعلمه وحكمته واختار اللغة العربية لتكون الوعاء الحامل لكلامه ورسالته الخاتمة للعالمين وقد زاد ذلك من شرف العربية وحافظ عليها واكسبها قدسية وديمومة وطورها كثيرا من خلال الإتيان بمفردات شرعية كثيرة انتقلت بالمفردة العربية من إطارها الخاص المحدود إلى إطار وأفق أوسع فمثلا الصلاة تعني الدعاء والحج يعني القصد والزكاة تعني النماء ولكنها انتقلت بالخطاب القرآني إلى معاني اشتملت على ما كانت معلومة وزادت عليها أبعادا جديدة وواسعة في حمولتها الدلالية والجمالية .
يقول أحمد شوقي:
”إن الذي ملأ اللغاتِ محاسنًا **
جعل الجمال وسره في الضاد”
واللغة العربية هي من أوسع لغات العالم في مفرداتها وأغناها في المعنى وأوضحها في الإبانة وهي تؤثر في العقل المكتسب قال تعالى: (إِنَّاۤ أَنزَلۡنَـٰهُ قُرۡءَ ٰ نًا عَرَبِیࣰّا لَّعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ) [يوسف 2]
ويقول العلامة ابن تيمية رحمه الله مؤكدا تأثير اللغة في العقل والخلق والدين:
“اعتياد اللغة يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيراً قوياً بيناً، ويؤثر أيضاً في مشابهة صدر هذه الأمة..
ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق”.
اقتضاء الصراط المستقيم (٢٠٧)
فعندما نكافح في سبيل العربية واعتبارها جزءا من الهوية فإنما نفعل ذلك بغريزة السيادة التي تتجسد في رمزية اللغة فمن تراجعت لغته تراجعت سيادته كما قال الرافعي في كتاب وحي القلم:
(ما ذلت لغة شعب إلا ذُل.. ولا انحطت إلا كان أمرها في ذهاب وإدبار ..!!)
وقد ظل المسلمون في إرتريا يحرصون على اللغة العربية عبر التاريخ فهي لغتهم الدينية والثقافية ومن أهم عوامل الوحدة والتواصل بينهم داخليا كما أنها تربطهم مع المحيط العربي والإسلامي حضاريا ولهذا قرر البرلمان الإرتري في خمسينيات القرن الماضي اعتبار اللغتين العربية والتقرنية رسميا في الدستور الإرتري في ظل الحكم الفدرالي بعد الاحتلال البريطاني كما كانت العربية منتشرة في العهدين الإيطالي والبريطاني في التعليم والإعلام والثقافة حيث كانت تصدر العديد من الصحف باللغة العربية ونالت العربية ذات الاهتمام لدى العديد من فصائل الثورة الإرترية سواء في ساحات العمل السياسي والعسكري والإعلامي أم في الساحات التعليمية وخاصة في جهاز التعليم الإرتري والذي كان له الأثر الأكبر في المناهج العربية ولكن تراجع دور اللغة العربية بعد التحرير واستقلال الدولة الإرترية في الأطر الرسمية للدولة ولم تأخذ وضعها الطبيعي والتاريخي والدستوري لعوامل عديدة ومن بينها العامل السياسي . وفي ظل هذا التهميش للغة العربية رسميا فإن المطلوب من المسلمين في إرتريا التركيز والاهتمام بتدريس العربية لأبنائهم بمختلف الطرق والأساليب لأنها تشكل جزءا مهما في الهوية الدينية والثقافية وهي الوعاء الجامع بينهم وبطبيعة الحال فتهميش اللغة العربية هو تهميش ثقافي وسياسي في آن واحد ما كان للدولة الوطنية أن تمارسه على مواطنيها.