الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
سيتم تناول الموضوع من خلال النقاط الآتية:
◀️ مدخل:
◀️ أصل التعبد الديمومة والاستمرارية:
◀️ غنائم المواسم هدايا عشاق الأجور:
◀️ من علامات قبول الطاعة :
نسأل الله سبحانه أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه ويجعل عملنا في مرضاته ويختم لنا بالقبول والسداد إنه سبحانه خير مسؤول.
▪️مدخل :
إن من رحمة الله تعالى بنا أن مدّ لنا في الأعمار وأكرمنا بحضور شهر رمضان ، موسم الخير والبركات قد عاشه المجتهدون أُنساً وسروراً ، وعاشه المقصرون حرجاً وضيقا ، فمن اجتهد فيه وتزود من فيء ظلاله وتقرب إلى الله فيه بأصناف الطاعات لينال رضى الله سبحانه ويحقق تقواه فليبشر ويسعد ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ، [البقرة – 183]
وهذا الخير العميم يستوجب علينا أن نحمد الله كثيرا على نعمة شهود موسم الرحمة والمغفرة والفرحة ، (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) ، [ يونس- 58] ، روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: ( لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إذَا أفْطَرَ فَرِحَ، وإذَا لَقِي رَبَّهُ فَرِحَ بصَوْمِهِ) متفق عليه.
كما نحمد الله ونشكره على تمام هذه النعمة وتحقق المنة من ربنا الكريم سبحانه 🙁 وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)، [ البقرة – 185]
▪️أصل التعبد: الديمومة والاستمرارية:
قال تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) ، [الذاريات – 56]
وقال تعالى : ( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) ، [الحجر:99] ،
فالله عز وجل خلقنا لنعبده ونوحده في العبادة ، وهذه العبادة لا تقتصر على زمن بعينه أو مكان دون آخر فهي تستمر وتصاحب المكلف حتى يأتيه اليقين ، وهو الموت كما فسره بذلك ابن كثير وغيره في تفسير الآية ، ويخطئ من ذهب إلى أن اليقين هو المعرفة كما عند الملاحدة وبعض المتصوفة الذين يقولون إن من وصل إلى المعرفة سقط عنه التكليف ، يقول ابن كثير رحمه الله : ” هذا كفر وضلال وجهل فإن الأنبياء عليهم السلام كانوا هم وأصحابهم أعلم الناس بالله وأعرفهم بحقوقه وصفاته ، وما يستحق من التعظيم ، وكانوا مع هذا أعبد الناس وأكثر الناس عبادة ومواظبة على فعل الخيرات إلى حين الوفاة”.
وهكذا كان السلف رضوان الله عليهم في ديمومة واستمرار العبادة ومنها ما يتصل بالعلم وطلبه ، وللإمام أحمد قصة همة عالية في هذا الباب ، قال صالح رأى رجل مع أبي محبرة فقال: يا أبا عبدالله أنت قد بلغت هذا المبلغ وأنت إمام المسلمين فقال : مع المحبرة إلى المقبرة ، (المناقب لابن الجوزي) 55. وقال البغوي : سمعت أبا عبدالله أحمد بن حنبل يقول : (أنا أطلب العلم إلى أن أدخل القبر).
▪️غنائم المواسم هدايا عشاق الأجور:
جاء من حديث أبي هريرة رضي الله عنه :
إنَّ لربِّكُمْ في أيامِ دهرِكُمْ نفحاتٌ ألا فتعرَّضوا لها – والحديث وإن أختلف في إسناده ، فإنما هو في الحث على اغتنام الأيام الفاضلة والساعات المباركة ، وهو وإن كان ضعيفًا، إلا أن أدلة الشرع متوافرة على ذلك من الحث على استباق الخيرات وتحين الفرص ، كالدعاء يوم عرفة ، وليلة القدر، وفي الثلث الأخير من الليل ، وساعة يوم الجمعة ، والدعاء حال السفر وفي مواضع السجود.
قال الطوسي رحمه الله : ” ومن رحمة الله بهذه الأمة أن جعلهم في آخر الزمان، وجعل أعمارهم قصيرة ، وضاعف لهم الثواب ” انتهى من ” نزهة المجالس ” [2/ 183] .
فهذه المواسم وما فيها من ثمار يانعة وغنائم ماتعة وأُجور مضاعفة حريٌ بالمؤمن أن يكون فيها من السابقين وشعاره ( وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ) ، [طه-84]
والفوز والمغنم في التجارة الرابحة لمن سعى في طاعة ربه طارقاً بابه تالياً كتابه : (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ ۚ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) ، [فاطر- 29-30].
▪️من علامات قبول الطاعة :
1 – المداومة على فعل الخيرات:
إن المداومة على الأعمال الصالحة تثبت العمل ومن داوم يوفق للقبول بإذن الله ، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملاً أثبته) رواه مسلم ، كما أن أحب الأعمال إلى الله وإلى رسوله عليه الصلاة والسلام أدومها وإن قلَّ ، عن عائشة رضي الله عنها قالت قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل) . متفق عليه.
2 – وصل الأعمال الصالحة بغيرها :
بحيث يستمر الإنسان في الطاعة والخير فلا يخرج من طاعة إلا ويتبعها بأخرى بحسب تنوع العبادات من صلاة وقراءة قرآن وصيام وصلة الرحم والصدقة والذكر وخدمة المحتاج ، فالمؤمن يجعل من شهر رمضان اسلوب حياة لسنته كلها فالصوم عنده لا ينتهي والقرآن لا يهجر ، وقلبه معلق بالمساجد فيها يصلي لربه ويقرأ كتابه ويذكر الله ويدعوه ، ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ) ، [ النور – 36]
3 – صيام الست من شوال :
عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(مَن صامَ رَمَضانَ ثُمَّ أتْبَعَهُ سِتًّا مِن شَوَّالٍ، كانَ كَصِيامِ الدَّهْرَ) رواه مسلم.
فهذه الستة أيام من شوال يسن صومها متتابعة أو متفرقة بحسب ما يتيسر فهي كالنافلة البَعيدة للصلاة يحرص عليها الموفقون ليكون عهدهم بالصيام حاضرا بعد مغادرة شهر رمضان لهم ، وهكذا العبد الحريص يتابع في صيام النفل كيوم عرفات لغير الحاج ، وعاشواء والاثنين والخميس وصيام ثلاثة أيام من كل شهر ، ومثل هذا الصيام يحقق مرضات الله وينال العبد به الجزاء الأوفى ومباعدة وجهه عن النار ، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (مَن صامَ يَوْمًا في سَبيلِ اللَّهِ، بَعَّدَ اللَّهُ وجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا) . رواه البخاري.
اللهم وفقنا لهداك وأجعل عملنا في رضاك ، هديتنا للإسلام فاجعلنا ممن يعبدك على الوجه الذي يرضيك عنّا في كل حين ومكان ، ( رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) ، [آل عمران – 8]
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه / أبو عمار إسماعيل عمار محمد.