بقلم / محمد رمضان سعد
لاشك بأن اللغة العربية في إرتريا وجودها ضارب في الِقدم ومُمتد لعصور، فهي ضمن العُمق العربي جُغرافيةً وترتبط بوشائج قوية تاريخية وسياسية بالمنطقة وامتلاك إرتريا لأطول ساحل على البحر الأحمر يُبرهن لما ذهبنا إليه ، كما أنها كانت ضمن الفتوحات الإسلامية كشاهد تاريخي على ارتباطها بالهجرات السكانية وما صاحب ذلك من انتشار اللغة العربية والدين.
يتكون الشعب الإرتري من أعراق مُتعددة يعود بعضها للجزيرة العربية وعلى الرُغم من وجود لهجات محلية إلا أنها تجد في ثناياها مُفردات عربية فُصحى كدليلٍ بوجود ارتباط لصيق باللغة العربية تغير مع الزمن وتحولات التاريخ وحلت محله لهجات محلية بفعل الانصهار، ولكن ظلت اللغة العربية هي لغة التواصل بين المسلمين الذين يُشكلون غالبية سُكان إرتريا ويقطنون مُعظم أقاليمها .
اللغة العربية ظلت حاضرة في الدواوين الرسمية حتى في العُهود الاستعمارية التي تعاقبت على إرتريا وكانت هنالك صُحف يتم إصدارها باللغة العربية والتجرينية ولغات المُستعمر وإليكم جدولاً يوضح إصدارات الصُحف في إرتريا
( أسفل المقال ).
فاللغة العربية إذاً حاضرة ومُتجذرة في وجدان شعبنا ولعل الهجرات الخارجية القادمة من الجزيرة العربية عبر النشاط التجاري لعبت دوراً في رسُوخها وسط المجتمع الإرتري.
بدأت رسمية اللغة العربية ببداية تكوين الأحزاب السياسية في ظل الاستعمار فأصبحت هي اللغة الرسمية في تلك الكيانات كحزب الرابطة الإسلامية التي تأسست 1946م بقيادة الشيخ / إبراهيم سُلطان، وحركة تحرير إرتريا التي تأسست في نوفمبر 1958 م بقيادة الراحل والأديب / محمد سعيد ناود ، وجبهة التحرير الإرترية التي انطلقت عام 1961م بقيادة الزعيم/ حامد إدريس عواتي ، وبدأ صراع اللغة يشغل حيزاً بعد دخول أعداد كبيرة من المناضلين الذين يتحدثون لغة التجرينية في منتصف سبعينيات القرن الماضي للثورة وسُرعان ما استغل ذلك أصحاب الغرض والطموح الشخصي لهذه الإشكالات ليحققوا تطلعاتهم الشخصية دون أي اعتبار للوطن ومصالح مجتمعاته .
عمل النظام الحاكم في إرتريا وبشكل مُمنهج للقضاء على العربية ومحَو وجُودها في الخارطة الوطنية وطَمْسها ووضع برامج تتسق وهذا الهدف كالتغيير الديمغرافي للسُكان، واعتماد التجرينية فقط في مؤسسات الدولة ، وعدم إيمان قيادة الحزب الحاكم برسمية اللغة العربية بجانب التجرينية رغم أنهما لُغتان رسميتان قبل استقلال إرتريا بمراحل وتم تضمنيها في دستور 1952م
اللغة وانتشارها عادةً مرتبط بعامل القوة والضعف فإقصاء المكونات الإرترية ذات البعد الثقافي العربي عن المشاركة في الحُكم وصياغة الحياة العامة في البلاد أثر وبشكل واضح على اللغة العربية في إرتريا ولن تعود مكانة العربية إلا بمشاركتهم الفاعلة في الحُكم وإقامة حُكمٍ رشيد في إرتريا تكون فيه العدالة أساساً للحُكم ، ومهما كان الواقع اليوم في ظل النظام فإرتريا لن يستقر حالها باستمرار سياسة التهميش والإقصاء والظلم التي يتبعها النظام.
العوامل التاريخية التي تستند إليها اللغة العربية مُتوفرة في إرتريا فالتركيبة السُكانية ذات البُعد العربي الإسلامي عميقة ومُتجذرة إضافة للمحيط العربي الذى يُحيط بالمنطقة وما يتميز به من قوة وموارد وتأثير كل هذا يُعزز مُستقبل اللغة العربية في إرتريا وأن محاولات التغييب والتضييق وإنهاء دور اللغة العربية في إرتريا ضربُ من الوَهم لن ينجح ، ولعل هَرولة النظام تجاه دُول المنطقة العربية في الفترة الأخيرة دليل دامغ على بَوَار رؤية النظام وضحالة فكرته فالأنظمة الواعية تضع حسابات المحيط وارتباطاته الثقافية والاجتماعية بعين الاعتبار حتى في تعاطيها مع قضاياها الداخلية . وجود لغتين في إرتريا هو واقع مُعقد ينبغي التعامل معه بواقعية والبحث عن حلولٍ ناجعة لها فالقضايا الوطنية وتوحيد الشعور الوطني يحتاج إلى مشتركات واللغة هي الطريق لبناء تلك المشتركات ، لهذا ينبغي دراسة المُشكلة بدقة ووضع حلول ناجعة لها تراعى الجميع بعيداً عن الإقصاء.