بقلم الدكتور/ حسن سلمان
الإنسان ومنذ هبوطه إلى الأرض ظلت تحوطه العناية الإلهية بالوحي المنزل الحامل للهدايات الربانية ضابطة لبوصلة العقل ومعززة لمعاني الفطرة السليمة والعميقة في النفس البشرية كما أن مسيرة الشيطان المصاحبة للإنسان منذ الوهلة الأولى لخلقه وهبوطه قائمة على حرف الإنسان عن الصراط المستقيم والبعد عن الاستجابة لنداءات الحق جل جلاله كما في قوله تعالى: (قَالَ فَبِمَاۤ أَغۡوَیۡتَنِی لَأَقۡعُدَنَّ لَهُمۡ صِرَ ٰطَكَ ٱلۡمُسۡتَقِیمَ) الأعراف/١٦ وكل مشروع منحرف عن الدين وهداياته هو تعبير عن مشروع الشيطان في الأرض المقاوم لمشروع الرحمن جل جلاله.
ومن أكثر المشاريع المناهضة للدين في واقعنا المعاصر هو المشروع الغربي الذي حسم صراعه الطويل مع الدين لصالح العقل ابتداء ثم لصالح الرغبات الجامحة انتهاء بعيدا عن منطق العقل وضوابط الأخلاق وهو بعيش حالة انفلات تام عن كل قيد ديني وأخلاقي بحجة الحرية الفردية ( الفردانية) وهو مأزق حقيقي تعيشه الحضارة الغربية حينما تعاملت مع الحرية باعتبارها مرجعا لا قيمة كما هو الحال في التصورات الإسلامية التي ترى أن الوحي والعقل والعلم هي مرجعيات مقيدة لقيمة الحرية وإلا تحولت إلى فوضى وعبث كما هو الحال مع ظاهرة المثلية والتي تؤسس للخروج عن ثوابت الدين والفطرة تحقيقا للوعد الشيطاني بإضلال بني آدم وإخراجهم عن الصراط المستقيم.
والإسلام من مقاصده الشرعية العليا استمرار النسل البشري مع حفظ الفروج وذلك بترك العلاقات الغريزية غير الشرعية بين الرجال والنساء أو الرجال والرجال أو النساء والنساء ومن تعدى الحدود في ذلك فقد وقع في الحرام والذي يسمى بالفاحشة قال تعالى( والذين هم لفروجهم حافظون ) ( ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ) ومفهوم الفاحشة في الشرع يشمل الزنا (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة) واللواط (ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون) كما يشمل نكاح ما نكح الآباء (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا ) وكذلك السحاق وهو علاقة غير شرعية بين المرأة والمرأة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (السحاق بين النساء زنا بينهن) كما منعت الشريعة السفاح و اتخاذ الأخدان (محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان) . قالَ أكْثَرُ المُفَسِّرِينَ: المُسافِحَةُ هي الَّتِي تُؤاجِرُ نَفْسَها مَعَ أيِّ رَجُلٍ أرادَها، والَّتِي تَتَّخِذُ الخِدْنَ فَهي الَّتِي تَتَّخِذُ خِدْنًا مُعَيَّنًا، أي تمارس الفاحشة مع فرد بعينه دون تعميم كم حرمت الشريعة كافة العلاقات غير الشرعية في قضاء الأوطار حفاظا على الفروج من منكرات الفواحش و حفظ الفروج وترك الفواحش يكون بالإحصان ويعني في اللغة المنع والمراد هنا المنع من الفاحشة ويتحقق ذلك بالعفة وهي إرادة ذاتية بالامتناع عن الفاحشة كما وصف الله مريم عليها السلام: (ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها) كما يتحقق بالزواج فهو إحصان قال تعالى: (والمحصنات من النساء) وهي ذات الزوج ويتأكد حفظ الفروج من خلال تعاظم الحفاظ على رعاية المحارم وهن النساء اللاتي لا يجوز الارتباط بهن بعقد الزوجية بحال ويمثلن الدائرة النسبية الأقرب كالأمهات والبنات والأخوات قال تعالى: (حُرِّمَتۡ عَلَیۡكُمۡ أُمَّهَـٰتُكُمۡ وَبَنَاتُكُمۡ وَأَخَوَ ٰتُكُمۡ وَعَمَّـٰتُكُمۡ وَخَـٰلَـٰتُكُمۡ وَبَنَاتُ ٱلۡأَخِ وَبَنَاتُ ٱلۡأُخۡتِ وَأُمَّهَـٰتُكُمُ ٱلَّـٰتِیۤ أَرۡضَعۡنَكُمۡ وَأَخَوَ ٰتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَـٰعَةِ وَأُمَّهَـٰتُ نِسَاۤىِٕكُمۡ وَرَبَـٰۤىِٕبُكُمُ ٱلَّـٰتِی فِی حُجُورِكُم مِّن نِّسَاۤىِٕكُمُ ٱلَّـٰتِی دَخَلۡتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمۡ تَكُونُوا۟ دَخَلۡتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَیۡكُمۡ وَحَلَـٰۤىِٕلُ أَبۡنَاۤىِٕكُمُ ٱلَّذِینَ مِنۡ أَصۡلَـٰبِكُمۡ وَأَن تَجۡمَعُوا۟ بَیۡنَ ٱلۡأُخۡتَیۡنِ إِلَّا مَا قَدۡ سَلَفَۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورࣰا رَّحِیمࣰا ) النساء/23 وبالإضافة للمحرمات من النسب فقد اشتملت الآية الكريمة المحرمات بالسبب أي المصاهرة ويضاف لما ورد في الآية من المحرمات المحصنات من النساء أي المتزوجات فزواجها من رجل يجعلها محرمة على جميع الرجال لأن زوجها حصن لها .
ومنهج الإسلام في حفظ الفروج واستمرار النسل لبقاء النوع الإنساني هو عن طريق الرباط الشرعي بعقد الزوجية بين الرجل والمرأة وليس بطريق آخر فلا رباط في الشريعة بين الرجال والرجال والنساء والنساء كما تروج له الحضارة الغربية المعاصرة ومن خلال الرباط الشرعي تنشأ الأسرة المحدودة والممتدة نسبا ومصاهرة والتي هي نواة المجتمع المسلم ومن خلال بناء الأسرة الشرعية التي أساسها الرجل والمرأة تنشأ العلاقات الأسرية حقوقا وواجبات من نسب ورعاية وقوامة وولاية ومعاشرة وتوارث بعد الموت وضمن منظور إيماني يربط الدنيا بالآخرة برباط مقدس منتهاه إلى الجنة بإذن الله تعالى
ولما كانت الأسرة هي نواة المجتمع المسلم الأولى وفيها يتم غرس القيم الفاضلة وتنشئة الجيل الصاعد وتتكامل مع مؤسسات التربية والتعليم والإعلام في حراسة الفضيلة فقد كانت محل استهداف الجاهلية المعاصرة بتفكيكها وتدميرها والتشكيك في دورها المقدس وبدعم ومساندة المؤسسات الدولية وتشريعاتها.
وعلي الدعاة والعلماء والمفكرين بيان خطورة محاولات تفكيك الأسرة من خلال تمرير التشريعات والقوانين الخاصة بذلك عبر البرلمانات بحجة تحسين وضعية الطفولة والأمومة وما هي في الحقيقة إلا تمرير مخططات التدمير والتفكيك الأسري في سياق معولم كما يتطلب التنبيه لمخاطر الإعلام ومناهج التربية والتعليم والتي تروج لمفاهيم غريبة عن هويتنا وقيمنا وثقافتنا وتعاليم ديننا ظنا منهم مواكبة تطورات العصر ومطلوباته وفي الحقيقة فإن الأمر هو اندماج في الجاهلية المعاصرة في تصوراتها وسلوكها وأنماط حياتها الساعية لتحقيق اللذة والمتعة بعيدا عن منطق الحلال والحرام والقيود الدينية والأخلاقية.
والله الهادي إلى سواء السبيل.