المسيحية والسيف

15 يناير 2024 1001

بقلم/ أ.د.جلال الدين محمد صالح

يعد كتاب ( المسيحية والسيف ) من أهم وثائق إبادة هنود القارة الأمريكية، على أيدى النصارى الإسبان، كتبه المطران برتلومي ديلاس كازاس، وهو شاهد عيان، قص فيه ما رآه ووثقه بأم عينيه، وترجمه سميرة عزمي الزين، ولم يذكر الناشر اللغة التي ترجم منها، وربما كانت الاسبانية، وهو من منشورات المعهد الدولي للدراسات الإنسانية.
وكتب مقدمته الناشر نفسه، وصدرت أول طبعة له بالعربية، عام ١٩٩١م، وهو متوسط الحجم، في حدود خمس وتسعين صفحة.
وحسب مقدمة الناشر، ولد كاتبه – المطران برتلومي – عام ١٤٧٤م، في قشتالة الاسبانية، ومات معزولا في إسبانيا.
وهو من أسرة اشتهرت بالتجارة البحرية، ورافق والده ( كولومبس) في رحلته الثانية إلى العالم الجديد عام ١٤٩٣م، أي في السنة الثانية لسقوط قرناطة.
ونقل لنا ما قاله المؤرخ الفرنسي الشهير مارسيل باتيبون، عن المطران كاتب الكتاب، حيث قال فيه: إنه ” أهم شخصية في تاريخ القارة الأمريكية، بعد مكتشفها كريستوف كولومبوس، وأنه ربما كان الشخصية التاريخية الوحيدة التي تستأهل الاهتمام في عصر اجتياح المسيحيين الاسبان لهذه البلاد “.
وشهادته هذه فريدة من نوعها، ويقول عنها الناشر: ” إنها شهادات هزت أعماق الكثيرين من أبناء أوروبا وأمريكا، حين نشرت، وتركتهم يعيدون النظر في تاريخهم، وأخلاقهم، وديانتهم المسيحية … كانت محاكم التفتيش التي تطارد المسلمين، وتفتك بهم، ورجال التبشير الذين يطاردون الهنود، ويفتكون بهم، من طينة واحدة، تدل على ما وصلت إليه قلوب أولئك المزعومين على المسيح – عليه السلام – من غلظة وقسوة ووحشة”.
وحدثنا فيها عن الابادة الجماعية التي ارتكبها في حق الهنود الحمر، مدعو المسيحية من الاسبان.
وفيها كتب إلى الأمير الاسباني دون فيليب يقول له: ” إني أريد أن أحدثكم يا سمو مولاي عن الشرور والآثام، وعن الدمار والحرب في هذه الممالك الكبيرة، اقصد هذا العالم الجديد الشاسع المسمى ببلاد الهنود التي وهبها الله لملوك قشتالة، وأناطها بهم؛ ليسوسوها ويصلحوا أمرها، ويهدوا أهلها إلى المسيحية، فينعموا عليها بأمل الدنيا والآخرة، وأن المرء لا يستطيع أن يتحمل أبدا أن في قدرة البشر أن يقوموا بمثل هذا التخريب “.
ويصف لنا جزءا من هذا التخريب الكبير، حدث فقط خلال أربعين سنة من سني العبث الاسباني بهذه البلاد وأهلها، إذ يقول: ” وطوال هذه السنوات الأربعين، أبيد أكثر من اثني عشر مليونا من الرجال والنساء والأطفال، ظلما وعدوانا، جراء طغيان المسيحيين وأعمالهم الجهنمية. هذا رقم مؤكد على الرغم من أني أعتقد، مطمئنا إلى اعتقادي أن عدد الضحايا يتجاوز خمسة عشر مليونا “.
ومن هذه الأعمال الجهنمية التي ذكرها ” كانوا يدخلون على القرى فلا يتركون طفلا أو حاملا أو امرأة تلد إلا ويبقرون بطونهم، ويقطعون أوصالهم، كما يقطعون الخراف في الحظيرة … كانوا ينتزعون الرضع من أمهاتهم ويمسكونهم من أقدامهم، ويرطمون رؤوسهم بالصخور أو يلقون بهم في الأنهار ضاحكين ساخرين “.
ويحكي لنا أن الاسبان جاؤوا بزعيم هندي ليشنقوه عقوبة له على منعهم الذهب، ولما علقوه على حبل المشنقة، وقبل أن يشدوه عليه ويتدلى منه، تقدم إليه راهب اسباني يدعوه إلى اعتناق النصرانية، حتى يدخل الجنة، فسأله الزعيم الهندي هل في الجنة نصارى؟ فقال الراهب: نعم، فقال له الزعيم الهندي: أرسلني إلى النار حتى لا أقابلهم في الجنة.
ولا يجد وصفا أبلغ لبشاعة وشناعة الجرائم التي ارتكبها مدعو المسيحية الأسبان في حق الهنود، من أن يقول لنا: ” ليتأمل المرء ما إذا كانت جريمة الأسبان أخف من جريمة الذي صنع عجلين من ذهب؛ ليعبدهما الشعب – يعني اليهود – وليتأمل ما إذا كانت جريمة الاسبان مماثلة لجريمة يهوذا”.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *