الإسلام رسالة الله للناس كافة قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاس) وهو رسالة هداية ومشروع ولاية وبالهداية والولاية يكون صلاح الدنيا والآخرة والهداية مبناها على توحيد الله والإيمان به وتحقيق العبودية لله وكل ما يؤدي للخلاص في المعاد والدار الآخرة وأما مشروع الولاية فمبناه على التزام الشرع في إصلاح الحياة الدنيا والنظر للغايات والمقاصد المرادة من هذه الحياة العاجلة وهو ما يسمى بفقه المعاش وصلاح العمران وتحقيق الولاية السياسية تأسيسا على الولاية الإيمانية وهنا تظهر جدلية أو علاقة أو تداخل الدعوي بالسياسي سواء في الوسط المسلم أو غير المسلم وما أريد الإشارة إليه هنا هو دعوة غير المسلمين باعتبارهم ساحة للخطاب الديني ومحلا للرسالة ببعديها الهداية والولاية وخاصة في المجتمعات المتداخلة والأقطار ذات التعدد الديني والقومي حيث نلاحظ أن دعوة غير المسلمين تواجهها مشكلات عديدة في ظل تداخل الدعوي والسياسي لأن الواقع هنا أشبه بحالة بني إسرائيل وقوم فرعون (قوى مستكبرة متنفذة وقوى مستضعفة ذليلة وخاضعة) فموسى عليه السلام داعية توحيد وهداية وفي ذات الوقت محرر بني إسرائيل من الاستعباد وهنا التداخل خيطه رفيع جدا لأن الطرف الآخر ينظر للمسالة بأنها صراع سلطة ونزع سيادة باسم الدين (قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ).
وهنا نلاحظ أن مشروع الهداية متداخل مع مشروع الولاية وهو تحرير بني إسرائيل من العبودية لفرعون وقومه وبالرغم من البينات والبصائر التي جاء بها موسى لهداية الناس والخضوع للخطاب الدعوي في مشروع الهداية
إلا أن نظرة فرعون وقومه للأمر كانت تغلب الجانب السياسي وهو سحب البساط وهيمنة بني إسرائيل على الولاية وهو المعبر عنه بالكبرياء وقد أعماهم ذلك عن الحقائق الدينية الساطعة حتى الهلاك ونجد ذات الإشكالية مع بداية الدعوة الإسلامية وبعثة النبي صلى الله عليه وسلم حيث كانت بعض فروع قريش تنظر لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم من زاوية الصراع مع بني هاشم وأنهم سيكون لهم النفوذ السياسي بالمدخل الديني وكان ذلك عامل عنادهم وقد راينا كيف أن عمرو بن هشام (أبو جهل) يعترف بصدق النبي ولكنه يقول( تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف، أطعَموا فأطعمنا، وحمَلوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاثينا على الركب، وكنا كفرسي رِهان، قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك هذه؟
والله لا نؤمن به أبدًا ولا نصدقه) ويقول أيضًا (والله إني لأعلم أنه نبي ولكن متى كنا لبني عبد مناف تبعا)
ولهذا قال تعالى: (فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ)
وقال عن فرعون وقومه (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ۚ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) فبالرغم من اليقين الحاصل ببينات الرسول إلا أن الظلم وإرادة العلو ظلت مانعة لهم من الهداية.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدرك تلك العقلية في خصوم الدعوة فكانت كل سياساته العملية مبناها على نفي ذلك وإبراز وجه الدعوة الخالص بعيدا عن ملابسات الصراع والنفوذ لبني هاشم وكان العباس عم النبي -صلى الله عليه وسلم- يدرك ذلك أيضًا ولهذا لما قبض على أبي سفيان يوم فتح مكة حماه من عمر بن الخطاب الذي كان يريد قتله كيلا يتحول الأمر ثأرا مع بني هاشم وكانت اللفتة البارعة لإدراك العباس لما ذكرت عندما قال له أبو سفيان وقد عرضت عليه كتائب المسلمين ( لقد عظم ملك ابن اخيك ) فقال العباس -رضي الله عنهم أجمعين- ( إنها النبوة) نفيًا لشبهة السيطرة والنفوذ والملك لبني هاشم ولهذا كان آل البيت أكثر الناس عطاءا وتضحية وأقلهم حظوة في الشأن الدنيوي وحتى لا تلتبس الدعوة بذلك منعت الشريعة التوريث المالي لمال النبي صلى الله عليه وسلم كما لم يترك النبي -صلى الله عليه وسلم- وصية لآل البيت في التوريث السياسى نفيا لشبهة إرادة العلو لقومه من بني هاشم خاصة خلافا لما كان في شرع من قبلنا من التوريث ونظام الملك وهذا لم يدركه البعض ممن يزعم بأنهم من شيعة آل البيت وهو أحد مقتضيات العالمية في الرسالة الخاتمة.
وهذه الإشكالية ستظل قائمة دعويا ما دام هناك صراع بين مكونات المجتمع من الناحية السياسية والقومية ومن الضروري التخفيف منها ومن مسبباتها ونزع فتيل الصراع وتحقيق السلم المجتمعي بكافة صوره تحقيقا لمقصود الدعوة وتحقيق الهداية للجميع والعمل على تأسيس مشروع الولاية على الشورى والاختيار بعيدا عن منطق الإكراه.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (أفشوا السلام كي تعلو) ( أفشوا السلام تسلموا)
وعن أبي هريرة: لا تَدخُلونَ الجنَّةَ حتَّى تُؤمِنوا، ولا تؤمِنوا حتَّى تَحابُّوا، أوَلا أدلُّكُم علَى شيءٍ إذا فعلتُموهُ تحابَبتُم؟ أفشُوا السَّلامَ بينَكُم) وإفشاء السلام هي عملية نزع كافة عوامل التوتر والاحتراب في المجتمع تحقيقًا لمقصود الرسالة بسماعها في أجواء بعيدة عن المؤثرات المانعة من الوصول للحق والقبول به وهو ما كان سببا لقبول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصلح الحديبية والذي سماه القرآن فتحا حيث دخل في الإسلام خلال العامين من تحقيق السلام والتزام الصلح ضعف من دخل في الإسلام في الفترة قبلها.
د.حسن سلمان
يوجد تعليق واحد
إبراهيم مجمد إدريس
وفقنا الله لما فيه الخير وبارك الله فيكم دكتور