بقلم الشيخ/ محمد صالح أرها
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وبعد:
فإن أعداء الإسلام والمسلمين يدركون أثر الجماعة والاجتماع، والوحدة والاتحاد، ولهذا يعملون على تقويضها لدى المسلمين، ويسعون في سبيل ذلك سعياً حثيثاً. وإن من وسائل الأعداءالخبيثة في حرب المسلمين؛ ضرب وحدتهم وتفتيت جماعتهم، وذلك ببعث نوازع الفرقة بينهم؛ من اختلافات اجتهادية أومذهبية أوعرقية أوقومية أوتاريخية أوجهوية أوغيرها. وإن الفرقة من دعاوى الجاهلية والحذر الحذر من تحقيق مقاصد الأعداء في تفريق كلمة المسلمين، فيتم ذلك بأيدٍ مسلمة، كما يقال إن الشجرة يقطعها أحد أغصانها، فنكون كالذين يُخربون بيوتهم بأيديهم، وننوب عن أعدائنا في مهمتهم.
إن الاعتصام والاجتماع منّة من الله تعالى على عباده تتحقق بطاعته وطاعة رسوله والتمسك بحبله المتين، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وإن اختلاف الأجناس والألوان والأوطان واللغات والطبقات والثقافات ليس بالضرورة عامل تفريق وتنازع بقدر ما هو عامل تعارف وتكامل وتكافل وإثراء، فالله لم ينهنا عن الانتساب لقبائلنا أومناطقنا ونحو ذلك، وإنما نهانا عن التعصب لها، وأن تكون هي معيار الصواب والخطأ، وأساس الولاء والبراء، وأساس ذلك الإيمان والعمل الصالح: “إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ” الحجرات: 13.
من أبشع أنواع الافتراق، الافتراق بعد معرفة الحق، وهذه علامة الهوى، ودلالة العجب، وإشارة البطر
وإن التنازع يُشغل الأمة بنفسها عن مهمتها الرسالية في الدعوة إلى الخير، (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير..)ويترتب على التفرق والافتراق آثار مدمرة ومنها :
1- الفشل وذهاب القوة: ويشمل هذا الفشل لجميع مناحي الحياة، وهذا يعني ضعف المسلمين أمام أعدائهم، وهو ما عبر عنه القرآن الكريم بذهاب الريح، حتى أصبحنا أعداداً بلا عدة، وأرقاماً بلا معنى، أي الحالة الغثائية التي لا تحافظ على موجود ولا تلوي على مطلوب، فتتداعى الأكلة إلى قصعتنا، فيطمع فينا كل قوي وضعيف، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
2- زعزعة الثقة بالعلماء والدعاة والرموز، بل بالإسلام ومناهج العاملين والداعين إليه،
3- إتاحة الفرص لاحتواء البعض ومساندته ضد الآخر من قِبل أعداء المسلمين والانفراد به إغراء وإغواء، على نحو ما حدث في محنة كعب بن مالك.
4- انتزاع البركة من الأفراد والجماعة وتركها لنفسها، تصديقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يجمع أمتي أو قال أمة محمد صلى الله عليه وسلم على ضلالة، ويد الله مع الجماعة ومن شذ شذ إلى النار).
7- الافتراق والتعادي يحرم المسلمين من محاسن الاختلاف، وهو ما يعبر عنه باختلاف التنوع، وهو ثروة علمية ضخمة تميز بها التراث الفقهي الإسلامي، تدل على قوة إبداع، وعمق تفكير، وتوفر مساحة واسعة ومتنوعة من الآراء والاجتهادات تستفيد منها الأمة في مواجهة مستجدات الحياة المعاصرة، وتنوعها، وتفاوتها من بلد إلى بلد، ومن بيئة إلى بيئة، ولقد اشتهر عن الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قوله: “ما يسرني أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا، لأنهم لو لم يختلفوا لكان الناس في شدة، فلما اختلفوا كان الناس في سعة”.
8- التنازع والتفرق يصيب البعض بالإحباط والتثبيط فينزوي بعيدا، وينكفئ على نفسه مؤثراً السلامة كما تزيِّن له نفسه، فيحرم المسلمين من خيره وجهده وإضافاته، وربما كان أسوة سيئة، ونموذجاً سلبياً لغيره، فيقوى تيار الانعزال والانزواء، ويضعف رصيد المسلمين في مجال الإبداع والتقدم.
9- لولا التنازع والتمزق (بعد قضاء الله وقدره) لما تسنى لأحد أن يملي ويفرض علينا خيارات تخالف ديننا ومصالحنا ومستقبلنا، ولكن ما حيلة الضعيف إلا أن يخضع لإرادة الأقوياء،
10- التنازع والتفرق يُشغل المسلمون عن همومهم العظام، وتحدياتهم الجسام، ويستمرئون خلافاتهم ومشاحناتهم ويوفرون فرص لأعدائهم.
11- التنازع والتفرق يُفقد المسلمون الشعور بوحدة الجسد ووحدة الهم ووحدة المصير، مما يحدو بكل جماعة أن تتصرف بمفردها بمعزل عن الآخرين، وربما أدى ذلك التصرف الانفرادي إلى مآس تعود على المسلمين جميعا بآثارها وتبعاتها..
12- إشاعة روح التفرق والتمزق، وبروز المزيد من الجماعات والأحزاب المتدابرة، بل جرت العادة أن التيار الواحد ينقسم على نفسه مرات ومرات، فإن اختلف ثلاثة مع جماعة شكلوا جماعة أخرى.
13- تعميق الغرور والإعجاب بالرأي. وتعميق الهوى. وسوء الظن بالآخرين، واتهام النوايا والعصبية للرأي والزعيم والإقليم والحزب والجماعة وتناكر القلوب واحتقان النفوس بالبغضاء. والانشغال عن معالي الأمور ومتطلبات الريادة والسيادة. وتتبع عثرات الآخرين. وضياع كثير من الواجبات الدينية. وتثبيط العزائم.
الخروج من هذا الواقع
أولا : نشر ثقافة الاعتصام بحبل الله ووحدة الصف والتعاون على البر والتقوى وأدب الخلاف وفقه الخلاف وقواعده ولاسيما في وسط الدعاة .
ثانيا : التبصير بمكائد أعداء الأمة ومرادهم من نشر الخلاف بين العاملين لله .
ثالثا: إقناع المختلفين إلى أن يدور خلافهم في حدود العلم والمادة العلمية بأصولها وألا يتعدى ذلك إلى إتباع الهوى ورغبات النفس فيغروا بذلك بعض الأعوام من أتباعهم وتتضخم الأمور.
رابعا : العمل على بناء جدر الثقة بين الدعاة والعلماء وإعادة روح المحبة والألفة .
خامسا : دفعهم للعمل على وقوفهم وحدة واحدة أمام تيارات التعصب والجهل وأفكار التكفير والإفساد في مجتمعاتنا وجعلهم جميعا مرجعية قوية لأهل السنة يدعون إلى الإصلاح والهدى والبناء والإنجاز والفلاح كما أمرتهم آيات الله وسنن نبيه صلى الله عليه وسلم ولنا أمل كبير في رابطتنا.
سادسا : العمل على عقد ميثاق شرف بين الدعاة والعلماء بعضهم بعضا يعملون في حدوده ويلتزمون بمواثيقه المستمدة من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والله وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.