جاذبية المكان وتأثيره على الإنسان

7 أكتوبر 2019 33747

بقلم/ محمد خير عمر
قال تعالى: (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ…)
فالمكان يصنع المشاعر والعواطف ويشكل كل مكونات الإنسان النافذة إلى الكون، والتاريخ لا يعيد نفسه ولكن معطيات الجغرافية تبقى ثابتة وراسخة فتأثير الأمكنة في الإنسان هائل وجاذبية المكان وتأثيرها على الإنسان إيجابا وسلبا يكون سببها سعة المكان أو ضيقه ونظافة المكان او قذارته وهدوء المكان او صخبه فهنا يكون المكان جاذب يصنع ويصيغ المشاعر الايجابية فالدار الواسعة من مقومات ومكونات السعادة أما عندما يكون المكان ضيق مزدحم يصنع فينا المشاعر السالبة من ضيق وملل وعدوانية وهذا ملاحظ في المشاعر المقدسة في منى في موسم الحج فالزحام الذي سببه ضيق المكان يهيج مشاعر العدوانية والنتيجة هياج ومداوسة وقتلى وهي مشاعر لا مبرر لها سوى ضيق المكان.
والزحمة يتولد عنها  فقدان المنطقة الجغرافية الحميمية للفرد ومن هنا يتصرف الإنسان بنوع من العدوانية وربما المكان الواسع هو الذي ساهم في حيازة العرب لكثير من القيم الإنسانية كالكرم والنجدة والوفاء فآثرتهم السماء بآخر الرسالات، وحكاية علي بن الجهم الشاعر عندما قدم على المتوكل ووقف بين يديه مادحا وهو شاعر بدوي فيه قساوة الصحراء وخشونة البيئة البدوية فامتاح من بيئته وقال يمدح المتوكل أنت كالكلب في حفاظك للود وكالتيس في قراع الخطوب أنت كالدلوي لا عدمناك دلوا من كبار الدلا كبير الذنوب هنا وقعت الدهشة من جلساء الخليفة يارجل حرام عليك كيف تشبه الخليفة بكلب وتيس ودلو ولكن الغريب في الأمر المتوكل لم يغضب فهو يدرك بلاغة الشاعر ونبل مقصده ويعرف تأثير البيئة البدوية عليه فكانت هذه الصور والتراكيب ثم أمر للشاعر بدار جميلة تحفها شقائق النعمان وتحيط بها البرك تطل على دجلة ويمسي ويصبح بتلك الحسان من الجواري فيهن بياض الموالي من الفرس والروم أقام الشاعر هنا مدة من الزمن بين الرصافة والجسر وفي يوم يدعوه المتوكل إلى مجلسه ويقول له أنشدني فينشده قصيدته ذائعة الصيت (عيون المها)
عـيــون المــهــا بيـن الرصافـة والجـســـر
جلبن ليا الهوى من حيث أدري ولا أدري

فقال المتوكل خشيت عليه أن يذوب رقة، فالأماكن تصنع المشاعر والعواطف ولها تأثير بليغ في سلوك الإنسان وهذا يكون في البيت وفي مكان العمل فإما يكون جاذب أو طارد.
فالوطن مثلًا:
هل يشترط أن يكون جاذبا بما أسلفنا من الصفات أم يكفي أن يُقال عنه وطن ليكون جاذبا فالوطن مثل الوالد غير متهم وليس بحاجة الى شهادة حسن سير وسلوك من أحد وهو فوق المساءلة والاستجواب والتحري قال الشاعر: (بلادي وإن جارت عليَّ عزيزةٌ وأهلي وإن ضنوا على كرام)


قال تعالى: (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ…)
فالمكان يصنع المشاعر والعواطف ويشكل كل مكونات الإنسان النافذة إلى الكون، والتاريخ لا يعيد نفسه ولكن معطيات الجغرافية تبقى ثابتة وراسخة فتأثير الأمكنة في الإنسان هائل وجاذبية المكان وتأثيرها على الإنسان إيجابا وسلبا يكون سببها سعة المكان أو ضيقه ونظافة المكان او قذارته وهدوء المكان او صخبه فهنا يكون المكان جاذب يصنع ويصيغ المشاعر الايجابية فالدار الواسعة من مقومات ومكونات السعادة أما عندما يكون المكان ضيق مزدحم يصنع فينا المشاعر السالبة من ضيق وملل وعدوانية وهذا ملاحظ في المشاعر المقدسة في منى في موسم الحج فالزحام الذي سببه ضيق المكان يهيج مشاعر العدوانية والنتيجة هياج ومداوسة وقتلى وهي مشاعر لا مبرر لها سوى ضيق المكان.
والزحمة يتولد عنها  فقدان المنطقة الجغرافية الحميمية للفرد ومن هنا يتصرف الإنسان بنوع من العدوانية وربما المكان الواسع هو الذي ساهم في حيازة العرب لكثير من القيم الإنسانية كالكرم والنجدة والوفاء فآثرتهم السماء بآخر الرسالات، وحكاية علي بن الجهم الشاعر عندما قدم على المتوكل ووقف بين يديه مادحا وهو شاعر بدوي فيه قساوة الصحراء وخشونة البيئة البدوية فامتاح من بيئته وقال يمدح المتوكل أنت كالكلب في حفاظك للود وكالتيس في قراع الخطوب أنت كالدلوي لا عدمناك دلوا من كبار الدلا كبير الذنوب هنا وقعت الدهشة من جلساء الخليفة يارجل حرام عليك كيف تشبه الخليفة بكلب وتيس ودلو ولكن الغريب في الأمر المتوكل لم يغضب فهو يدرك بلاغة الشاعر ونبل مقصده ويعرف تأثير البيئة البدوية عليه فكانت هذه الصور والتراكيب ثم أمر للشاعر بدار جميلة تحفها شقائق النعمان وتحيط بها البرك تطل على دجلة ويمسي ويصبح بتلك الحسان من الجواري فيهن بياض الموالي من الفرس والروم أقام الشاعر هنا مدة من الزمن بين الرصافة والجسر وفي يوم يدعوه المتوكل إلى مجلسه ويقول له أنشدني فينشده قصيدته ذائعة الصيت (عيون المها)
عـيــون المــهــا بيـن الرصافـة والجـســـر
جلبن ليا الهوى من حيث أدري ولا أدري

فقال المتوكل خشيت عليه أن يذوب رقة، فالأماكن تصنع المشاعر والعواطف ولها تأثير بليغ في سلوك الإنسان وهذا يكون في البيت وفي مكان العمل فإما يكون جاذب أو طارد.
فالوطن مثلًا:
هل يشترط أن يكون جاذبا بما أسلفنا من الصفات أم يكفي أن يُقال عنه وطن ليكون جاذبا فالوطن مثل الوالد غير متهم وليس بحاجة الى شهادة حسن سير وسلوك من أحد وهو فوق المساءلة والاستجواب والتحري قال الشاعر: (بلادي وإن جارت عليَّ عزيزةٌ وأهلي وإن ضنوا على كرام)

وقال آخر: (كم منزل بالغه الفتى وحنينه ابدا لأول منزل)
وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسف على مفارقة مكة ووقف يبثها حنينه وحبه لها حتى طمأنه الباري بالعودة قال تعالى: (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ)، فهل الوطن قيمة مجردة في ذاته؟
يقول شوقي:
(وطني لو شغلت بالخلد  عنه *** نازعتني إليه في الخلد نفسي)
أم أن الوطن أيضًا ينبغي أن يكون جاذبًا فيه عدالة التعامل والشراكة في الموارد كحد أدنى وإلا (وكل امرئ يولي الجميل محبب وكل مكان ينبت العزة طيب) ولكن يبدو بالنظرة الفاحصة أن الوطن الذي احتفى وتغنى به الشعراء وبالغوا في مدحه واستمداحه هو لا يعدو أن يكون مكان الميلاد والمنشأ مواضع النجعة الشرعة لاتتجاوز مرعاها وكلأها أما بيت شوقي فجاء في سياق المقاومة والتحرر من الاستعمار واستنهاض الهمم أما مكة المكرمة فلها امتياز وظيفي وخصوصية مرعية، أما الدولة بمفهومها القائم الآن والتي نتيجة لرؤية سايكس بيكو ليست هي من تغنى بها الشعراء أم أن الوطن هو كل مكان يجد فيه الإنسان إنسانيته وتصان فيه كرامته وما عدى ذلك مجرد ترف وتكلف أما الوطن الذي وضع خارطته المستعمر حسب مصالحه وعلى مقاسه وأقام فيه دكتاتور لا يعدو أن يكون حارسًا لأملاك وضيعة سيده واستنهض فيه مشاعرنا الوطنية البائسة المحرومة من أبسط الحقوق كشعوب بالنشيد الوطني كأكبر كذبة في تاريخ الدول وبرقعة قماش تسمى العلم هي مجرد علامات ودلائل يهتدي بها السيد المستعمر للعودة لنهب خيرات البلاد وقتل العباد أما حاكمها لا يعدو أن يكون مجرد عميل يعمل لمصالح أسياده مقابل البقاء والصمت على جرائمه بل والدفاع عنه أمام الرأي العام وإجهاض العدالة بحق النقض (الفيتو) وهذا الوطن الذي نجره المستعمر هو مجرد حظيرة أو مسلخ تمتهن فيه كرامة الإنسان وفق القانون الدولي تحت بند عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى وهي عملية انتقائية وحتى لو هرب أحد يعاد إلى الحظيرة وفق القانون الدولي بما يسمى البوليس الدولي أو الإنتربول وهناك يكون القتل الممنهج ثم الدفن في مقابر جماعية وهو الحق الوحيد المتاح للمواطن في وطنه أم أن إرتريا لها خصوصية وامتياز وظيفي لكونها كما يقال إنها من الأمكنة التي تقوم عليها الأمة الوسطية الخيرية وهذه الأرض هي مكة حيث مهبط الوحي والمدينة المنورة مكان هجرة النبي صلى ألله عليه وسلم والأرض المباركة حيث مسراه وأرض الهجرة الأولى إرتريا فهي من السابقين الأولين و ثانية إثنين في أسلمة المكان وهي أيضا أرض الصدق وهذا يجعلها جاذبة دوما وهي المكان الذي اختاره النبي صلى ألله عليه وسلم لحفظ عينة من الإسلام فيها فأوعت وحفظت الأمانة وهي لاتزال فيها عينة من الإسلام الصحيح أليس كذلك ؟

وعمومًا مهما بلغ بالناس من سوء الأوطان وطغيان السلطان فلا يجب عليهم الاستسلام والهروب من الواقع والبحث عن ملاذات آمنة وتحقيق الخلاص الشخصي بل على الإنسان المقاومة وبذل الجهد في سبيل إقامة الحق والعدل واسترداد الوطن المسلوب والحق المغصوب .

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *