كن إيجابيا!

12 نوفمبر 2019 2164

بقلم الدكتور/ حسن سلمان
الإنسان كائن مكلف ومخلوق مستخلف في الأرض يعمرها ولا يفسدها ويسعى فيها بهدايات الوحي ودلالات العقل السليم تحقيقا لمراد الله من وجود الإنسان على وجه هذه البسيطة عبادة واستعمارا قال تعالى: (وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ) [هود 61]

ومفهوم التكليف القائم على العبادة والعمران هو مفهوم إيجابي يبتعد بصاحبه عن السلبية القاتلة واليأس المدمر وذلك لأنه يقوم على رؤية واضحة المعالم وغاية سامية تتجاوز بصاحبها حدود المكان والزمان الراهن لمستقبل أبدي تتحقق فيه كافة الأحلام المتعذرة والمتعثرة في الراهن مع التأكيد على أهمية استثمار اللحظة الراهنة فيما ينفع بحسب الإمكان والطاقة  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز) [رواه مسلم].

والمسلم إيجابي في علاقته بالوجود كله يتفاعل معه وفقا للأوامر والنواهي الشرعية فعلاقته بالوجود المادي والطبيعي هي علاقة استكشاف  واستدلال  وانتفاع فيما يحقق له التمكين من خلال معرفة النظم والقوانين الكونية التي سخرها الله لعباده المستخلفين في الأرض فمن أدرك أسرارها وعرف طريقة عملها كان الأقدر على السيطرة والتحكم عليها وبالتالي هو الأكثر حرية لتعدد مساحات الاختيار عنده وهنا ملمح جديد ومهم في طبيعة الحرية وارتباطها بالعلم فالشعوب التي تهتم بالعلوم الطبيعية إنما تساهم في توسيع مساحات حريتها بتعدد خياراتها والخروج من محدودية التفكير النمطي الجاهل بالأسرار  العلمية والحقائق الكونية ومن الإيجابية كذلك النظر والاستدلال بالآيات الكونية على ما وراء المادة من عالم الغيب انطلاقا من عالم الشهادة وبالتالي الخروج من منطق العبثية الوجودية إلى ساحات الغائية الرابطة بين العلم والإيمان بتعاضد العقل والنقل في العلوم والمعارف.

وفي رحاب الإيجابية تنعدم الأخلاق السالبة كاليأس والقنوط وسوء الظن بالله تعالى والكسل والعجز والتواكل وغياب المسؤولية الفردية والمجتمعية .  

والإنسان الإيجابي لا نهاية لأفكاره وإبداعه وكسبه وسعيه فهو في بحث متجدد وعمل متمدد ولا يكون منتهاه إلا ببلوغ رضوان الله ودخول جنته وأما الإنسان السلبي فلا نهاية لأعذاره لأنه ذو عقل كسول ولسان قؤول فلا تجدد في فكره وعلمه ولا تمدد في كسبه وعمله وكل ذلك لعجزه وكسله لضعف قدرته وإرادته وهو ما تعوذ منه النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: (وأعوذ بك من العجز والكسل ) فالعجز ضعف في القدرة والكسل ضعف في الإرادة — فكن إيجابياً تبتسم لك الحياة وتبتسم لها — وتبسمك في وجهها صدقة – لأنها هبة الله فاقبل عليها بابتسامة وأحسن الظن بالله وتوكل عليه قال تعالى: (وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱلْحَيِّ ٱلَّذِى لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِۦ ۚ وَكَفَىٰ بِهِۦ بِذُنُوبِ عِبَادِهِۦ خَبِيرًا) [الفرقان 58]

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *