بسم الله الرحمن الرحيم
تمثل هجرة الشباب الإرتري اللامتناهية من بلاده إلى الغرب ظاهرةً قديمةً ومتجددة منذ الثمانينات من القرن الماضى وتمر كل عام بمنعطفات وتحديات خطيرة مدًا وجزرًا بسبب ممارسات نظام أفورقي القمعي فى أسمرا وسياساته الدكتاتورية ضد شعبنا حيث يعيش هؤلاء الشباب على وجه الخصوص فى بلاد الغرب تحديات جمة تصطدم بحلم الخروج من جحيم أفورقي إلى جنة الأمن ومجتمع الرفاهية كما ظنوه هنالك بعد أن وصلوا إليها بصعوبة بالغة وسط مظاهر الموت عطشًا فى صحاري أفريقيا وغرقًا في البحار والمحيطات ووقوع ضحايا في يد عصابات الاتجار بالبشر ومخاطر إرجاعهم إلى سجون الكبت والإرهاب فى بلادهم وغير ذلك من المخاطر والصعوبات التي لا يمكن التغافل عنها أو إهمال تناولها فى إعلامنا حيث إن هنالك عدة عوامل كثيرة تدفع بهؤلاء الشباب إلى ركوب موجة المخاطر والخروج من البلد على رأس تلك الأسباب الخدمة العسكرية المفتوحة زمانيًا إضافة إلى البطالة وانعدام فرص العمل ووجود تحديات ثقافية واقتصادية واجتماعية الأمر الذي جعلهم بين مطرقة الضغوطات الداخلية وسندان الخارج فى بلاد المهجر بل إن الشاب الإرتري حتى بعد وصوله إلى مهجره بسلام يتعرض لضغوطات وصدمات نفسية تقذف به إلى انفصام الشخصية وتعاطي المخدرات والمسكرات والإقدام على الانتحار كما وقع من عشرات منهم منذ سنين مضت وآخرهم الشاب عثمان أحمد نور الذي انتحر فى بريطانيا بعد وصوله إليها بصعوبة كما تناول ذلك فى شريط فيديو الشاب الإعلامي النابه بكري الذي يُعد من بين شباب اليوم عبقري وسائل التواصل الاجتماعي بتسجيلاته وتحليلاته العميقة لمشكلات المجتمع الإرتري رغم صغر سنه وحداثة تجربته حيث استطاع أن يؤدي رسالته الإعلامية بجدارة ويصحح ويرمم الدمار الذى يحدثه النظام القمعي ضد شعبنا فى الداخل فله التحية والإجلال على جهده الإعلامي الجبار الذي يحتاج إلى الوقوف معه دعمًا وتشجيعًا وتوجيهًا لخلق رأي عام يناهض سياسات القمع والإرهاب فى بلادنا برسالة إعلامية جاذبة ومؤثرة تلامس جراح هذا الشعب وتلبي طموحاته بيسر وسهولة. وحبذا لو تمت الاستفادة من جهود هذا الشاب فى راديو سلام وقناة sbc61 الفضائية الوليدة فى المهجر فإنه قادر عل العطاء بفعالية وهمة شبابية وقادة حسب ظني به، وعودًا إلى الموضوع فإن الشاب الارتري فى الغرب يعيش هنالك رغم توفر المال ووسائل الراحة والرفاهية له القلق الدائم والعزلة الشعورية نتيجة مفارقة أسرته وأحبته مكرهًا وفقد بعضهم فى الحروب مما يجعله مشتت الأفكار لايهدأ له بال بحيث يتطلب التعامل معه أسلوبًا خاصًا يرد له شخصيته الاعتبارية بطريقة وأخرى مع مراعاة نفسياته من خلال عدة أنماط من التربية كمايلى:
1-التربية الإيمانية وذلك بغرس وتعميق مفاهيم الإسلام الصحيحة وتزكية نفسه وتقوية الوازع الديني الذي يعصمه من الفتن فى مجتمع الغرب المنحل.
2_التربية النفسية وذلك لتعويضهم فقد الأهل والوطن ومراتع الصبا والأحبة.
3_التربية العقلية السليمة، بتعويدهم على ما ينفعهم وترك ما يضرهم والتفكير فى المصلحة العامة لشعبنا قبل المصلحة الفردية الخاصة وكيفية تحمل المسؤولية.
4_التربية العاطفية الوجدانية وذلك بضبط النفس والتروي وعدم الانجرار وراء الشهوات والملذات بل الاستفادة بامكاناتهم وعقد الزيجات الشرعية بين الشباب والشابات هنالك.
5_التربية الوطنية وذلك بغرس حب الوطن فى نفوس الشباب والاعتزاز بالانتماء لوطنهم وتراثهم وقيمهم الأخلاقية دون الذوبان فى مجتمعات الآخرين حيث إن الوطن البديل كما قال الروائي حجى جابر: إن الوطن البديل يجعلك أن تعيش ولكن لا يمنحك الحياة.
6_التربية الوقائية وذلك بتحلي الشباب للسلوكيات الحميدة والعلاقات الطيبة والرفقة الصالحة مع العلماء مثل علماء الرابطة الذين همهم الإرشاد والتوجيه لشعبنا أينما وجد بعيدًا عن السياسة ومنعرجاتها وكذلك من التربية الوقائية اجتناب الشباب للمواد الإعلامية المنحرفة والضارة التى تبعدهم عن الالتزام بدينهم، إذ إن كل ما وقع ويقع على شعبنا اليوم من محن ومصايب هو امتحان وابتلاء رباني من أجل التمحيص واختبار مدى تمسكنا بديننا كما قال تعالى:
“أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ“.
وطغيان نظام أفورقي وظلمه فى إرتريا لا يدوم ابدًا بل زائل لا محالة متى ما رجعنا إلى الله وشمر شبابنا سواعد الجد لمقاومة هذا الكابوس كما فعل أسلافهم بثورتهم المسلحة من قبل دون يأس أو فتور أو انزواء وانهزام فهذا نبى الله يوسف -عليه السلام- وهو فى السجن حبيس الجدران لم يكن يحلم بالملك والحكم ولم يكن يعلم ما أعده الله له ولكن مع ذلك بذل جهد الإصلاح والتغيير المنشود بدعوة صاحبيه فى السجن إلى التوحيد ونبذ الشرك كما طلب من الذي ظن أنه ناج أن يذكره عند الملك آخذًا بالأسباب متوكلًا على الله فكان له ما أراد وليس على الله بعزيز أن يزيل كابوس أفورقي عن كاهل شعبنا ويستبدل بكم إن أحسنتم العمل والظن بنصر الله بعد التوبة والفرار إلى الله ومعرفة الطريق الذى يسلك إلى ذلك ثم معرفة عاقبة ونتيجة هذا الطريق الذى هو رضى الله والفوز بجنته ولكن أعظم النكبات أن يكون هذا الشاب الإرتري المهاجر بعيدًا عن الإلتزام بدينه وقيمه الأخلاقية فى مهجره.
وختامًا فعلى رابطة علماء إرتريا وغيرها من الكيانات السياسية ومنظمات المجتمع المدني الإرترية أن يقوموا بواجبهم تجاه هؤلاء الشباب فى المهجر ومستقبلهم وفق النقاط التالية:
أولًا: إعداد ورقة علمية عن مشكلات الشباب الإرتري فى الغرب تتناول أهم تلك المشكلات والمعوقات وطبيعتها وحلولها .
ثانيًا: تسويق مشروع تفريغ عدد من الدعاة الإرتريين للعمل فى أوساط هؤلاء الشباب والجاليات الإرترية فى بلاد الغرب.
ثالثًا: إعداد منهج تربوى لهم فى شكل كتيبات ومطويات دعوية تعينهم على فهم الإسلام ويزيل الشبهات عنهم هنالك.
رابعًا: الاستفادة من خبرات وتجربة المراكز الإسلامية فى الغرب وبناء علاقات معهم وربط هؤلاء الشباب والجاليات الإرترية بهذه المراكز ونشاطاتها الدعوية والتربوية.
خامسًا: غرس حب العمل الجماعي مهما صغر حجمه؛ لأن فقدان الرابطة الأخوية في مجتمع الغرب المادي يكون عاملًا سلبيًا يفقد هؤلاء الشباب والجاليات هويتهم وعاداتهم .
سادسًا: تنظيم برامج ثقافية وفكرية لهم ولو عبر وسائل التواصل الإجتماعى والإعلام حفاظًا على هويتهم الإسلامية وقضيتهم الوطنية من الذوبان فى المحيط الذى يعيشون فيه.
سابعًا: تعميق معاني الوحدة وبناء علاقات اجتماعية مع الشخصيات العلمية للإستفادة منهم فى إقامة الدورات والمحاضرات.
هذا وبالله التوفيق
هارون آدم على
عضو رابطة علماء إرتريا
وباحث فى مركز البحر الأحمر للدراسات والبحوث.