جدلية التميز والجاذبية

25 ديسمبر 2019 1636

بقلم الدكتور/ حسن سلمان
التميز خاصية يسعى لها أصحاب الهمم والإرادات القوية فهم لا يريدون التوقف عند نقطة واحدة بل يسعون دومًا للكمال المعنوي والمادي والسبب في ذلك أن التميز هو شرط الجاذبية والإنسان مولع بالجاذبية والكل يبحث عنها بطريقته فمنهم من يبحث عنها بالجاه أو بالمال أو بالعلم أو بالقوة أو بالتجمل والزينة وهكذا وهذه سنة الله في الأفراد والجماعات والمنافسة فيها مكفولة كل بحسب طاقته وما يملك وهي من قضايا الفطرة التي تعمل الشريعة على توجيهها وتهذيبها فنجد الشريعة تحث الناس على السباق والمنافسة والتميز في ما يصلح الإنسان من أمور دينه وآخرته وفي دنياه بما يخدم ذلك قال تعالى: (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون) [المطففين 26] وأن يقصد الله بمراده وهو المعبر عنه شرعيًا بالإخلاص.

والناظر في التاريخ عامة وفي تاريخنا الإسلامي خاصة يجد أن الرموز البارزة التي نالت القبول والشهرة والأتباع حتى يومنا هذا كان العامل الأساس في ذلك هو التميز والتفوق علميًا وعمليًا فانظر للأئمة الأربعة في الفقه ولأصحاب المصنفات الحديثية المشهورة ولعلماء التفسير ولأبطال الجهاد كلهم تفوقوا في مجال اختصاصهم وكان ذلك سر الجاذبية والقبول حتى يومنا هذا.

ومن التأثير عبر التميز المحقق للجاذبية انتشار الإسلام عبر التجار في بلاد كثيرة لا يعرفون لغتها ولا عاداتها ولكنهم تميزوا بالأخلاق الفاضلة والقيم النبيلة فكان ذلك سببًا لدخول الناس في الدين طواعيةً واختيارًا.

ومن حكمة الله تعالى أن جعل الناس متفاوتين في مواهبهم وقدراتهم وميولهم وتتفاوت لذلك حالات تميزهم فكل ميسر لما خلق له علميًا وعمليًا والساحة مفتوحة للسباق والعمل الجاد والبقاء فيها للأصلح بعيدًا عن المنافسات غير المشروعة والمشحونة بالضغائن والبغضاء والتطاول على الآخرين وتسفيههم  ورميهم بكل نقيصة وممارسة كافة أساليب الحرق والنسف والتدمير وإشباع الرغبات العدوانية التي تشعر بالتفوق والتميز وتضخيم الذات دون امتلاك التميز حقيقة ولكن بناءً على الروح المتعالية والذات المنتفخة وهما وغرورا  و الخطاب المبني على  الأماني والأحلام والانجازات العاجلة فتكون النهاية الاحباط والانزواء والتواري من ساحة العمل ليضاف إلى قائمة المتفرجين في أحسن الأحوال أو يبدأ في مشوار جلد الذات بعد جلد الآخر وهكذا دواليك .

والعدالة الإلهية لا تظلم العاملين والجادين والمميزين قال تعالى: (إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيمًا) [النساء 40]

ومما يحبه الله من الإنسان اتقان عمله والاتقان هو مدخل التميز وقد جاء في الأثر عن عائشة -رضي الله عنها- (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه) السلسلة الصحيحة للألباني 1113

وخلاصة القول فإن الجاذبية لأي مشروع يجب البحث عنها في التميز الحقيقي وتقديم صورة مثالية مقنعة لأن الجاذبية هي الصفات المميزة لأي شخص أو كيان وتمنحه قدرة التأثير على الآخرين وامتلاك قلوبهم طواعية ولا يمكن تحقيق الجاذبية بهدم مشاريع الآخرين أو أشخاصهم من خلال التشويه والكذب والدعاية المغرضة .

يوجد تعليق واحد

  1. صحيح ما تفضلت به أستاذنا حسن، أحسن الله إليك. لكن اﻹشكالية أحيانا في أن المبالغة في البحث عن التميز تغذي في اﻹنسان روح التمرد على الموجود المتاح، والقفز على الواقع. هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، فإن اﻻهتمام بالقشور دون الجوهر أو التميز ﻷغراض دنيوية يتحول من كونه وسيلة لخدمة الناس وإرضاء رب الناس، إلى غاية يتقاتل الناس فيها ويضحون بأمور أهم وأولى، بغية الحصول عليها، أو أحيانا تجد بعض اﻷفراد المثاليين يضيعون فرصا كان اﻷولى اسثمارها، و يرفضون اﻻنخراط في عمل ما وتبريرهم: إما التميز والحصول على كذا وكذا وإما البقاء بدون عمل/دراسة.. الخ.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *