حصائد الألسن

22 يناير 2020 1851

هيئة التحرير
يضع الإسلام اعتبارًا خاصًا للكلمة وأهمية ملاحظتها قبل النطق بها وضرورة مراعاتها وتحري الأحسن من القول وفي ذلك تربية دقيقة في اختيار المفردات ليس بين الحسن والسيئ بل بين الحسن والأحسن لأن الكلمة مدخل من مداخل الشيطان عندما يساء القول بها قال تعالى: (وَقُل لِّعِبَادِی یَقُولُوا۟ ٱلَّتِی هِیَ أَحۡسَنُۚ إِنَّ ٱلشَّیۡطَـٰنَ یَنزَغُ بَیۡنَهُمۡۚ إِنَّ ٱلشَّیۡطَـٰنَ كَانَ لِلۡإِنسَـٰنِ عَدُوࣰّا مُّبِینࣰا) [الإسراء 53] فالشيطان إذن يكمن في القول السيئ وينزغ بين الناس ويوقع بينهم العداوة والبغضاء وهذا مراده ومطلوبه الذي يسعى إليه بشتى الطرق كما جاء في التنزيل الحكيم قوله تعالى: (إِنَّمَا یُرِیدُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ أَن یُوقِعَ بَیۡنَكُمُ ٱلۡعَدَ ٰ⁠وَةَ وَٱلۡبَغۡضَاۤءَ فِی ٱلۡخَمۡرِ وَٱلۡمَیۡسِرِ وَیَصُدَّكُمۡ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلَوٰةِۖ فَهَلۡ أَنتُم مُّنتَهُونَ) [المائدة 91].

ومن هذا الباب قول رسولُ اللهِﷺ: (إنَّ أحدَكم لَيتكلَّمُ بالكلمةِ مِن رضوانِ اللهِ ما يظُنُّ أنْ تبلُغَ ما بلَغَت فيكتُبُ اللهُ له بها رضوانَه إلى يومِ يلقاه وإنَّ أحدَكم لَيتكلَّمُ بالكلمةِ مِن سخَطِ اللهِ ما يظُنُّ أنْ تبلُغَ ما بلَغَت فيكتُبُ اللهُ له بها سخَطَه إلى يومِ القيامةِ) ابن حبان في صحيحه.

وهكذا فإن الكلمة الطيبة أساس في الإيمان وبها يكون الدخول في الإسلام وهي كلمة (لا إله الا الله ) قال تعالى: (أَلَمۡ تَرَ كَیۡفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلࣰا كَلِمَةࣰ طَیِّبَةࣰ كَشَجَرَةࣲ طَیِّبَةٍ أَصۡلُهَا ثَابِتࣱ وَفَرۡعُهَا فِی ٱلسَّمَاۤءِ) [إبراهيم 24] وقد عرف العلماء الإيمان وجعلوا القول من أركانه الأساسية (اعتقاد القلب – إقرار اللسان – عمل الجوارح) ويظهر لنا من ذلك أن الأقوال تشكل أهمية كبيرة في مسمى الإيمان والكلمات الطيبات صدقة من الصدقات ورب كلمة يقولها العبد خالصة من قلبه فيدخل بها الجنة ورب كلمة صادقة يقولها شخص فتحيا بها أمة ميتة ورب كلمة شريرة تحرق الأخضر واليابس وتضرم حربًا لا هوادة فيها ولما سأل الصحابي  الجليل معاذ بن جبل النبي ﷺ قائلًا: 

(يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟)  فقال رسول الله ﷺ: 

(ثكلتك أمك يا مُعاذٍ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم، أو على مناخرهم، إلا حصائد ألسنتهم) سنن الترمذي.

وقد وردت في الشريعة جرائم عديدة وذنوب كثيرة مبناها على القول والكلام وأداتها اللسان كالقول على الله بلا علم والكذب على الله والناس في الشهادات زورًا وبهتانًا  وتحريف آيات الله وتبديلها والفحش في القول والاستهزاء والسخرية والتفاخر والقول بحصرية دخول الجنة لأمة معينة وتبديل وصية الميت والأذى في الصدقات بالحديث بعد التصدق بما يؤذي الفقراء والمساكين وأصحاب الحاجات وتحريم القول بتحليل أو تحريم ما لم يشرعه الله وكذلك تحريم اللغو من الأقوال والأيمان الكاذبة ورمي أهل العفة من المحصنات والمحصنين بالفاحشة  والغيبة والنميمة والسب والشتم والتخذيل عن الجهاد في سبيل الله تعالى ……إلخ ولعل من الآيات التي حذرت من اطلاق اللسان دون علم وبصيرة قوله تعالى: (وَلَا تَقۡفُ مَا لَیۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ كَانَ عَنۡهُ مَسۡـُٔولࣰا) [الإسراء 36]

وقد وجدنا بذات القدر هناك عبادات قولية ولسانية منها بعد الشهادتين الدعاء والذكر وتلاوة القرآن والدعوة إلى الله والنصيحة للخلق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والاستعانة والاستغاثة والتسمية والاستعاذة بالله تعالى …إلخ ومن الآيات الجامعة في حسن القول ومكانته قول الله تعالى: (وَمَنۡ أَحۡسَنُ قَوۡلࣰا مِّمَّن دَعَاۤ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَـٰلِحࣰا وَقَالَ إِنَّنِی مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِینَ) [فصلت 33]

وخلاصة القول فإن كتابنا الذي نقرؤه يوم القيامة بلا واسطة ونحاسب عليه ويحدد مصيرنا للجنة أو النار ما هو إلا محصول الأقوال والأفعال في حياتنا الدنيوية. – فهل من معتبر –

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *