بقلم الدكتور/ حسن سلمان
قصة موسى عليه السلام وبني اسرائيل مع فرعون وقومه هي قصة الاستبداد والتعبيد لغير الله وكيفية تحقيق التحرير والحرية من خلال التوحيد بمعنى تحقيق الحرية في أبهى صورها وعندما يمتن فرعون على موسى بأنه رباه لسنوات وهو غافل ومتجاهل عن أن ذلك حرمان لموسى من حقه الطبيعي في أن يتربى مع أسرته وبين قومه دون ملاحقة واستعباد قال تعالى حاكيا ً ذلك المشهد ﴿قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِين َ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ [الشعراء 17-22] إنه صراع التحرير عبر الإيمان من كل طاغية في الأرض، وتشكل قصة موسى من أكثر القصص ذكرًا وورودًا في القرآن لأن أزمة الأمة في مسيرتها هي الطغيان والفرعونية وأن العلاج هو الحرية والتحرير عبر بوابة الإيمان ومواجهة الحق بالباطل قال تعالى: ﴿وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ﴾ [الشعراء 10-11]
ومن المهم في مسيرة التحرير التعرف على السنن التي تحكم الحالة النفسية والعقلية للمستضعفين فيم يفكرون؟ وكيف يناقشون قضاياهم ومشكلاتهم؟ وكيف ينظرون لمستقبلهم ويقيمون واقعهم؟ وما هي القيم الحاكمة للمستضعفين؟ كلها أسئلة مهمة عن واقع الشعب المستضعف الذي ينتج الفكر المهزوم ليدور في الحلقة المأزومة قال تعالى حكاية عن بني اسرائيل وهم نموذج للشعب المأزوم والمهزوم وهم يخاطبون نبيهم موسى عليه السلام وهو يجاهد لتحريرهم من العبودية: ﴿قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف 129] إنه الهروب من تبعات وثمن الحرية والتخاذل عن المواجهة تحت ذرائع عديدة ولكن في حقيقة الأمر هو الانكسار النفسي النابع من منظومة القيم السائدة في المجتمع المأزوم المستضعف الذي لا يثق في قدراته الذاتية ولو كانت هناك ضمانات كافية لتحقيق النصر كما ورد في قوله تعالى: ﴿ٱدۡخُلُواْ عَلَيۡهِمُ ٱلۡبَابَ فَإِذَا دَخَلۡتُمُوهُ فَإِنَّكُمۡ غَٰلِبُونَۚ﴾ والرد ﴿قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ [المائدة 24] وهكذا يفكر الجيل المأزوم وتأتي مرحلة التيه التي يغيب الموت فيها قائد الحرية والتحرير عبر الإيمان والتوحيد رسول الله وكليمه موسى عليه السلام دون أن يحقق الهدف المنشود وهو الدخول للأرض المقدسة ثم تتغير منظومة القيم في أجيال لاحقة فيتم الدخول تحت قيادة جديدة وجيل جديد . ولا شك أن هدايات القرآن فيها الزاد العقدي والفكري والنفسي وهي عبرة لكل دعاة الحرية وعشاق التحرير في مسيرة الشعوب المستضعفة والمتشوفة للمستقبل الواعد.