خلق الله الإنسان وأعده وأمده بالعديد من النعم التي لا يستطيع عدها أو الوقوف على حدها ليقوم بعبادته والاستخلاف في أرضه قال تعالى: (وَإِن تَعُدُّوا۟ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ لَا تُحۡصُوهَاۤۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورࣱ رَّحِیمࣱ) [النحل 18]
والأصل فيها الدوام والاستمرار وعدم التغير إلا إذا تغيرت نفوس عباده من الخير والفطرة إلى ضدها قال تعالى:
(إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُغَیِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ یُغَیِّرُوا۟ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ وَإِذَاۤ أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوۡمࣲ سُوۤءࣰا فَلَا مَرَدَّ لَهُۥۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَالٍ)
[الرعد 11]
يقول الإمام الطبري في تأويل قوله تعالى: ﴿إن الله لا يغير ما بقوم﴾، من عافية ونعمة، فيزيل ذلك عنهم ويهلكهم
﴿حتى يغيروا ما بأنفسهم﴾ من ذلك بظلم بعضهم بعضًا، واعتداء بعضهم على بعض، فَتَحلَّ بهم حينئذ عقوبته وتغييره.
والنعم الإلهية الممنوحة لعباده تزيد بالشكر وتزول بالكفر وعلى العباد تلمس هذه النعم والشكر عليها قال تعالى:
(وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكُمۡ لَئن شَكَرۡتُمۡ لَأَزِیدَنَّكُمۡۖ وَلَئن كَفَرۡتُمۡ إِنَّ عَذَابِی لَشَدِیدٌ) [إبراهيم 7]
وزوال النعم أو تناقصها هو نوع من المصائب التي تنزل على العباد بذنوبهم ومعاصيهم أو بتقصيرهم عن بلوغ المنازل العليا مع أن عفو الله واسع قال تعالى: (وَمَاۤ أَصَـٰبَكُم مِّن مُّصِیبَةࣲ فَبِمَا كَسَبَتۡ أَیۡدِیكُمۡ وَیَعۡفُوا۟ عَن كَثِیرࣲ)
[الشورى 30]
والمقصود والحكمة المرادة من نزول العذاب والمصائب الدنيوية هو تذكير العباد بالمعاد والآخرة والعودة إلى الله قال تعالى: (وَلَنُذِیقَنَّهُم مِّنَ ٱلۡعَذَابِ ٱلۡأَدۡنَىٰ دُونَ ٱلۡعَذَابِ ٱلۡأَكۡبَرِ لَعَلَّهُمۡ یَرۡجِعُون) [السجدة 21]
والواجب الشرعي على العباد عند نزول العذاب والمصائب هو التوبة والاستغفار والتضرع والاستكانة لله تعالى:
(وَلَقَدۡ أَخَذۡنَـٰهُم بِٱلۡعَذَابِ فَمَا ٱسۡتَكَانُوا۟ لِرَبِّهِمۡ وَمَا یَتَضَرَّعُونَ) [المؤمنون 76]
وقضية حمل الناس على العودة لربهم وتذكيرهم بالله هي من نعم الله تعالى فتارة يذكرهم بالخطاب وتارة بالعقاب والمطارق الإلهية قال تعالى: (وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَاۤ إِلَىٰۤ أُمَمࣲ مِّن قَبۡلِكَ فَأَخَذۡنَـٰهُم بِٱلۡبَأۡسَاۤءِ وَٱلضَّرَّاۤءِ لَعَلَّهُمۡ یَتَضَرَّعُونَ)
[الأنعام 42]
والشريعة نصت في أحكامها على الأخذ بالأسباب والجريان وفق السنن الربانية المعنوية والمادية فمن السنن المعنوية التوبة والاستغفار والحسنات الماحية ومن السنن المادية الأخذ بكافة الإجراءات اللازمة لمحاصرة المصيبة والبلاء بالوقاية والعلاج وغيره والأخذ بالأسباب المنصوبة قدرا لا يتعارض مع التوكل ولا ينافي كمال التوحيد بل إن من كمال التوحيد التعلق بالله والأخذ بأحكامه التي نصبها لعباده قدرا وشرعا.
وإن العبد في حياته كلها يتقلب في أقدار الله ويفر من قدر إلى قدر سواء فر من قدر كوني لآخر أو من قدر كوني لقدر شرعي وفي ذلك سر الخلق والأمر الرباني قال تعالى: (أَلَا لَهُ ٱلۡخَلۡقُ وَٱلۡأَمۡرُۗ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ) [الأعراف56]
وبطبيعة الحال فإن المصائب والابتلاءات فيها نقص في الأنفس والأموال والثمرات والواجب الشرعي في كل ذلك الصبر وعدم الجزع والشكوى المنافي للرضا قال تعالى: (وَلَنَبۡلُوَنَّكُم بِشَیۡءࣲ مِّنَ ٱلۡخَوۡفِ وَٱلۡجُوعِ وَنَقۡصࣲ مِّنَ ٱلۡأَمۡوَ ٰلِ وَٱلۡأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَ ٰتِۗ وَبَشِّرِٱلصَّـٰبِرِین) [البقرة 155] فالله يبتلي عبده؛ ليسمع تضرعه، ودعاءه والشكوى إليه، وانكسار قلبه بين يديه، وتذلُّـله له، وإظهار ضعفه، وفاقته، وعجزه، وقلة حيلته ، فاحذر كل الحذر من إظهار التجلد عليه، وعليك بالتضرُّع، والتمَسْكُن، وإبداء العجز، والفاقة، والذل، والضعف، فرحمته أقرب إلى هذا القلب المكسور من اليد للفم فبادروا بالتوبة والإنابة والتضرع عند المصائب فهو سر العلاقة الإيمانية ومن خلالها تبدو علاقة النعم بالنغم والمنح بالمحن والعبد المؤمن يتقلب في كل ذلك بين الشكر والصبر وهو خير كله كما ثبت في الحديث الصحيح عن صهيب بن سنان الرومي :قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له) [أخرجه مسلم في صحيحه]
يوجد تعليق واحد
محمد صالح إبراهيم
من شكر النعم الإقرار بها إنها من الله وإضافتها إلى الخالق عند التحدث بها فهي منحة من الله وليست من علمك وشطارتك …
وأيضا من شكر النعمة ألا تصرف إلا في طاعة الله وتشمل النعمة المعنوية والحسية وأن يخرج منها حق الله من الزكاة والصدقات …
كما إن المؤمن يدفع قدر الله الكوني بقدر الله الشرعي فقدر الله الأرزاق كونا وقدر الله شرعا السعي لها فهكذا يدفع القدر الكوني يدفع بالقدر الشرعي
وجزاكم الله خيرا