الإنسان هو الكائن المكرم الذي خلقه الله بيده وأسجد له ملائكته وعلمه الأسماء كلها وفضله على كثير من الخلق ليقوم بمهمة الاستخلاف في الأرض قال تعالى: (وَلَقَدۡ كَرَّمۡنَا بَنِیۤ ءَادَمَ وَحَمَلۡنَـٰهُمۡ فِی ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ وَرَزَقۡنَـٰهُم مِّنَ ٱلطَّیِّبَـٰتِ وَفَضَّلۡنَـٰهُمۡ عَلَىٰ كَثِیرࣲ مِّمَّنۡ خَلَقۡنَا تَفۡضِیلࣰا) [الإسراء 70]
ومهمة الاستخلاف في الأرض هي مهمة جماعية لبني آدم وهي الوظيفة التي انتدبهم إليها الخالق جل جلاله وهيأ لهم أسبابها بالتسخير لكل ما في الأرض قال تعالى: (هُوَ ٱلَّذِی خَلَقَ لَكُم مَّا فِی ٱلۡأَرۡضِ جَمِیعࣰا) [البقرة 29] (إِنِّی جَاعِلࣱ فِی ٱلۡأَرۡضِ خَلِیفَةࣰۖ) [البقرة 30] (وَلَكُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ مُسۡتَقَرࣱّ وَمَتَـٰعٌ إِلَىٰ حِینࣲ) [الأعراف 24] وهذا هو الاستخلاف العام في الأرض الذي يكون لجميع البشر ويكون لهم جميعا حق الحياة والبقاء والعيش المشترك.
وتقوم الرؤية الدينية على المساواة في الخلق لأن الناس جميعا من آدم وآدم من تراب وعلى أساس المساواة في الخلق يكون المساواة في التكليف والقيام بواجبات الرسالة الربانية ومهمة الاستخلاف في الأرض وأي نوع من التعالي والتفاخر والتميز على الناس لا يقوم على حقيقة علمية أو دينية بل يقوم على الأوهام والطغيان والجاهلية وحميتها ومفارقة الفطرة السوية التي فطر الله الناس عليها قبل أن تجتالهم الشياطين أو تتنازعهم الأهواء أو تتلبسهم العوائد المفروضة من البيئات الجاهلية .
كما تقوم الرؤية الدينية على احترام التنوع في الألسن والألوان والأشكال لأنه من آيات الله في الخلق فهو محل تدبر واعتبار ودلالة على الخالق ولا يجب أن يتحول لنوع من التعالي والتباغض والتناحر بين البشر قال تعالى: (وَمِنۡ ءَایَـٰتِهِۦ خَلۡقُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَـٰفُ أَلۡسِنَتِكُمۡ وَأَلۡوَ ٰنِكُمۡۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّلۡعَـٰلِمِینَ) [الروم 22] فقرن في الآيات بين التنوع في خلق الكون والإنسان وجعلها آية لأهل العلم ولكن أهل الجهل لا يعلمون حقيقة ذلك
والخروج عن الرؤية القائمة على المساواة بين الناس هو عنصرية بغيضة وعصبية ممقوتة تقوم على مجموعة من الأفكار والمعتقدات والقناعات والتصرفات الخاطئة و لا تقوم على العلمية والموضوعية وهي تعلى من شأن مجموعة أو فئة على الآخرين وتناصر الظالم على ظلمه وهي العصبية وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن العصبية فقال (أن تعين قومك على الظلم ) أخرجه أبوداود في سننه وفي رواية (أمن العصبية أن يحب الرجل قومه قال : لا ولكن من العصبية أن ينصر الرجل قومه على الظلم) أخرجه أحمد
والعنصرية تقوم على اللون أو العرق أو الثقافة أو السكن أو الوضع الاجتماعي أو اللغة أو المذهب وربما أعطت بناء على زعم التفوق الوهمي الحق لنفسها في الحكم والاستئثار بالموارد وسلب الحقوق وتجاوز الحدود وفي الواقع العملي تأخذ ثلاثة أشكال هي :
1/ التمييز الفردي وذلك بعدم التكافؤ في المعاملة وتستند غالبا لمفهوم اجتماعي محدد مثل امتناع بعض المجموعات من التزاوج مع الآخرين أو الامتناع عن ممارسة بعض الأعمال لكونها لا تليق بها مع مطالبة الآخرين القيام بذلك .
2/ التمييز القانوني وهو التأطير القانوني والشرعنة للتصرفات العنصرية بين الفئات اجتماعيا أو اقتصاديا أو سياسيا والحرمان من المساواة .
3/ التمييز المؤسسي بإقرار الطبقية والتفاوت بين الناس وقد عرف التاريخ البشري هذا النوع مبكرا سواء من خلال فكرة السادة والعبيد أو المواطنين وغيرهم من السكان أو التفاوت من خلال الجنس والنوع .
وقد عانت البشرية من انتهاك الإنسان لحرمات أخيه الإنسان تطاولا وتفاخرا واستعلاءً وتصفية واستعبادا ولا زالت البشرية رغم تقدمها وتطورها المادي والعلمي إلا أنها تعاني من التخلف الإنساني والقيمي والأخلاقي لأن هذه القيم الرسالية تقوم وتؤسس على منظور ديني متعالي ومتجاوز وقد نأت البشرية عن الدين بحجة الاستغناء عنه بالعلم والعقل وهو لن يجيب عن تلك القيم الدينية والأخلاقية والإنسانية لأن مدارات العقول لا يدخل فيها هذا النوع من القيم المتعالية.
وقد ظهرت أنماط من العبودية في التاريخ البشري وكانت الرسالات كلها تعمل على تحرير الإنسان وتجريد الطغيان من خلال التشريعات والأحكام التي تؤكد أن الإنسان عبوديته لله وحده وليس عبدا لغيره وقد عالجت ظاهرة العبودية المتفشية بشكل متدرج لينتهي بالإنسان للحرية الكاملة غير المنقوصة ولهذا قال العلماء: (الشارع متشوف إلى الحرية) أي من خلال تشريعاته.
مقولات خالدة عن الحرية ونبذ العنصرية:
* يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا).
*ويقول الدكتور عبدالوهاب المسيري: (الدولة التي لا يمكنها البقاء إلا من خلال قوانين عنصرية لا تستحق البقاء)
*ويقول الداعية الأمريكي المسلم مالكوم أكس ( 1925-1965م): (إن أمريكا في حاجة الى فهم الاسلام لأنه الدين الوحيد الذى يملك حل مشاكل العنصرية فيها) *ويقول الزعيم الأفريقي نيسلون مانديلا: (أنا أمقت العنصرية، لأنني أعتبرها شيئا من الهمجية، سواء جاءت من رجل أسود أو رجل أبيض)