أهمية بث الروح الإيجابية عند الأزمات والمحن – الحلقة الأولى

9 يوليو 2020 2156

بقلم الشيخ/ إسماعيل عمار

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن موضوع بث الروح الإيجابية من الأهمية بمكان في حياتنا اليوم نظرًا لما نعيشه من أزمات ومشكلات ومحن على مستوى الفرد والأمة وسوف يتم تناوله من خلال العناصر التالية:
# مدخل في فهم طبيعة الحياة الدنيا
# الأزمات والمحن في سياق صقل شخصية المؤمن
# أثر الكلمة الطيبة والفأل الحسن 
# دور البشريات في قلب المحن إلى منح عند الأزمات
# قصة عن الفأل الحسن والتعلق بالله في جلب الفرج:

مدخل في فهم طبيعة الحياة الدنيا
إن هذه الحياة من خصائصها أنها دار ابتلاء واختبار ولقد خَلَق الله الدنيا في صورة جميلة مَليحة، تستميل الناس بجمالها، وتَغرُّهم بزينتها، وتَخدعهم بشهواتها؛ امتحانًا وابتلاءً، قال تعالى:
﴿إِنَّا جَعَلۡنَا مَا عَلَى ٱلۡأَرۡضِ زِینَةࣰ لَّهَا لِنَبۡلُوَهُمۡ أَیُّهُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلࣰا﴾ [الكهف – 7].

ومع كونها دار بلاء وكدر فهي كذلك محل عمل وتسابق إما بالخيرات التي توصل لمرضات الرحمن أو انشغال باللذات المهلكات، فالمآل إلى الدركات، ومحن الدنيا عند أولي البصيرة لا تشغلهم عن غايتهم وأنهم في سعي للوصول إلى كمالات تقلب ما يواجهونه منحاً وسروراً وهذا ما يشعرهم بأنهم في لذة وسعادة، وهـاك وصف هذا بما ذكره ابن تيمية في سجنه بقوله : “ما يصنع أعدائي بي أنا جنتي في صدري أين رحت فهي معـي لا تفارقني إنّ حبسـي خلوة وقتلي شهادة وإخراجي من بلدي سياحة ” [ذيل طبقات الحنابلة 2/402].

وجاء عنه أيضا قوله : “إنّ في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة ، ويوضح ابن القيم كلام شيخ الإسلام في الوابل الصيب بأنّ جنة الدنيا تتحقق في: الإقبال على الله تعالى والإنابة إليه والرضا به وعنه وامتلاء القلب من محبته واللهج بذكره والفرح والسرور بمعرفته ثواب عاجل وجنة وعيش لا نسبة لعيش الملوك إليه البته “.

الأزمات والمحن في سياق صقل شخصية المؤمن ورفع درجته
عرفنا أن الحياة الدنيا دار إبتلاء وأنها لا تصفوا لأحد كما هي مزرعة المؤمن وجنته العاجلة إن شكر وصبر وهنا حريٌ بنا لنتعرف على الحِكم التي تعود على العبد بما يحقق خيريته ورفع درجته وفضل الله عليه، فمن ذلك:
1- تحقيق العبودية لله ربِّ العالمين:
إنَّ الله  تعالى يربِّي عبدَه على السرَّاء والضرَّاء، والنعمة والبلاء، فيستخرج منه عبوديَّته في جميع الأحوال ، فإن العبد على الحقيقة مَن قام بالعبوديَّة على اختلاف الأحوال ، أما عبد السرَّاء والعافية الذي يَعبد الله على حرفٍ، فإنْ أصابَه خيرٌ اطمأنَّ به، وإنْ أصابتْه فِتنة، انقلَبَ على وجْهه فهذا لم يحقق العبودية وهو خاسر كما قال الله تعالى:
﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن یَعۡبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرۡفࣲۖ فَإِنۡ أَصَابَهُۥ خَیۡرٌ ٱطۡمَأَنَّ بِهِۦۖ وَإِنۡ أَصَابَتۡهُ فِتۡنَةٌ ٱنقَلَبَ عَلَىٰ وَجۡهِهِۦ خَسِرَ ٱلدُّنۡیَا وَٱلۡـَٔاخِرَةَۚ ذَ ٰ⁠لِكَ هُوَ ٱلۡخُسۡرَانُ ٱلۡمُبِینُ﴾ [الحج ١١] .

2- كفارة للذنوب:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يزال البلاءُ بالمؤمن أوالمؤمنة  في جسده وفي ماله وفي ولده حتى يَلْقَى الله وما عليه من خطيئة)) صحيح [مسند أحمد 14/247]
وتعجيل الله العقوبة للعبد في الدنيا فيه الخير له من تأخيرها  ليوم القيامة ، فعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : ((إذا أرادَ الله بعبده الخير عجَّل له العقوبة في الدنيا ، وإذا أرادَ الله بعبده الشرَّ أمْسَكَ عنه بذنبه، حتى يُوافِي به يوم القيامة)) ]صحيح الترمذي 2396[.
وجاء من حديث سعد بن أبي وقاص قوله صلى الله عليه وسلم : (( فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة )) [السلسة الصحيحة 143].

3- حصول الأجر ورفعة الدرجات:
فعن عائشة – رضي الله عنها – قالتْ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((ما يُصِيبُ المؤمن مِن شوكة فما فوْقَها إلا رفعَهُ اللهُ بِها درجة ، أو حَطَّ عنه بها خطِيئة)) رواه مسلم.
وهكذا حال المؤمن من خير لخير في أمره كله ، فانظر إليه يُعجب منه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فعن صهيب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((عجبًا لأمرِ المؤمن  إنَّ أمرَه كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إنْ أصابتْه سرَّاءُ شَكَر، فكانَ خيرًا له، وإنْ أصابتْه ضرَّاءُ صبَرَ، فكان خيرًا له)) رواه مسلم.

فما أجمل تلك اللحظات التي يفرُّ فيها العبدُ إلى ربِّه، ويعلم أنه وحْدَه هو مُفَرِّج الكرب ، وما أعظم الفرحة إذا نزَلَ الفرجُ بعد الشِّدة! ﴿وَبَشِّرِ ٱلصَّـٰبِرِینَ (155) ٱلَّذِینَ إِذَاۤ أَصَـٰبَتۡهُم مُّصِیبَةࣱ قَالُوۤا۟ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّاۤ إِلَیۡهِ رَ ٰ⁠جِعُونَ (155) أُو۟لَـٰۤىِٕكَ عَلَیۡهِمۡ صَلَوَ ٰ⁠تࣱ مِّن رَّبِّهِمۡ وَرَحۡمَةࣱۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُهۡتَدُونَ﴾ [البقرة : 155 – 157].

4- الابتلاء درسٌ من دروس التوحيد والإيمان والتوكُّل:
الإبتلاء يُطلعك عمليًّا على حقيقة نفْسك ؛ لتعلمَ أنَّك عبدٌ ضعيف لا حول لك ولا قوة إلا بربِّك ، فتتوكَّل عليه حقَّ التوكُّل، وتلجأ إليه حقَّ اللجوء، حينها يَسقط الجاه والتِّيه والخُيلاء، والعُجب والغرور والغَفلة، وتَفهم أنَّك مسكين يلوذُ بمولاه ، وضعيف يلجأ إلى القوي العزيز  سبحانه يقول ابن القَيِّم  رحمه الله : “فلولا أنه  سبحانه  يداوي عباده بأدْوِيَة الْمِحَن والابتلاء، لطَغوا وبَغوا وعَتوا، والله  سبحانه  إذا أرادَ بعبد خيرًا سقاه دواءً من الابتلاء والامتحان على قَدْر حاله ، يستفرغ به من الأدواء المهلِكة ، حتى إذا هَذَّبه ونقَّاه وصفَّاه، أهَّله لأشرف مَراتب الدنيا، وهي عبوديَّته، وأرفع ثواب الآخرة، وهو رؤيته وقُربه” [زاد المعاد لإبن القيم 4/179].

5- إظهار حقائق الناس ومعادنهم:
قال تعالى : ﴿الۤمۤ (١) أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن یُتۡرَكُوۤا۟ أَن یَقُولُوۤا۟ ءَامَنَّا وَهُمۡ لَا یُفۡتَنُونَ (٢) وَلَقَدۡ فَتَنَّا ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ فَلَیَعۡلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ صَدَقُوا۟ وَلَیَعۡلَمَنَّ ٱلۡكَـٰذِبِینَ﴾ [العنكبوت 1 – 3].
قال السعدي رحمه الله في تفسيره: “يخبر تعالى عن تمام حكمته وأن حكمته لا تقتضي أن كل من قال : أنه مؤمن وادعى لنفسه الإيمان أن يبقوا في حالة يسلمون فيها من الفتن والمحن ولا يعرض لهم ما يشوش عليهم إيمانهم وفروعه، فإنهم لو كان الأمر كذلك لم يتميز الصادق من الكاذب والحق من المبطل ولكن سنته تعالى وعادته في الأولين وفي هذه الأمة أن يبتليهم بالسراء والضراء والعسر واليسر والمنشط والمكره والغنى والفقر وإدالة الأعداء عليهم في بعض الأحيان ومجاهدة الأعداء بالقول والعمل ونحو ذلك من الفتن التي ترجع كلها إلى فتنة الشبهات المعارضة للعقيدة والشهوات المعارضة للإرادة … إلخ إلى قوله: فنسأل الله تعالى أن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة وأن يثبت قلوبنا على دينه ، فالابتلاء والإمتحان للنفوس بمنزلة الكير يخرج خبثها وطيبها ” أ . هـ.
ورَحِم الله الفُضيل بن عِياض حين قال: ” الناس ما داموا في عافية مستورون، فإذا نزَلَ بهم بلاءٌ صاروا إلى حقائقهم؛ فصار المؤمنُ إلى إيمانه ، وصارَ المنافق إلى نِفَاقه”.

6- الابتلاء يذكرك بذنوبك لتتوب منها:
مِن حِكمة الابتلاء والمصيبة أنَّها تُذَكِّر العبد بذنوبه، وتزيل قَسوة القلب، وتُرْجِع العبد إلى الله ؛ ليقفَ ببابه، ويتضرَّع إليه ويَستكين، وتَقطع قلبَ المؤمن عن الالتفات إلى المخلوقين، والإقبال على الله وحْدَه، وأنَّ المصيبة تُعَرِّف الْمُصاب قَدْرَ نعمة العافية ؛ لأن النِّعم لا تُعْرَف أقدارُها إلا بعد فَقْدها ، فإذا استمرَّتِ الحياة هانئة، فسوف يصِلُ الإنسان إلى مرحلة الغرور والكِبر، ويَظنُّ نفسَه مستغنيًا عن الله ، فمِن رحمته – سبحانه – أن يَبتليَ الإنسان؛ حتى يعودَ إليه.

7- الابتلاء يكشف لك حقيقة الدنيا وزَيفها:
الدنيا متاع الغرور والحياة الصحيحة الكاملة وراءَ هذه الدنيا، هي حياة لا مَرَض فيها ولا تَعَب؛ ﴿وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلۡـَٔاخِرَةَ لَهِیَ ٱلۡحَیَوَانُۚ لَوۡ كَانُوا۟ یَعۡلَمُونَ﴾ [العنكبوت: 64]
أما هذه الدنيا، فنَكَدٌ وتَعب وهَمٌّ؛ ﴿لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ فِی كَبَدٍ﴾ [البلد: 4]. فلو عرَف الإنسان قَدر الدنيا وما طُبِعَتْ عليه من الكَدر والمصائب والأحزان، وعَرَف أنَّ ما فيها مَحضُ خِداع وسراب بقِيعة يَحسبه الظمآن ماءً، حتى إذا جاءه لَم يجدْه شيئًا، واستعان بما وهَبَه الله من نور الدين وقصر أَمَله ، لَمَا أثَّرَتْ فيه المصائب  بإذن الله ؛ لأنَّ قوَّة الإيمان بالله وقضائه وقَدره يُثْمرأن الهدى والطمأنينة والرضا بما قَسَم وقَدَّر.

8- الابتلاء يذكرك بفضل نعمة الله عليك بالصحة والعافية:
المصائب تذكر العبد بالمنعِم والنِّعم، فتكون سببًا في شُكْر الله – سبحانه – على نِعمته وحَمْده ؛ فإنَّ هذه المصيبة تشرح لك  بأبلغِ بيان، وأصْرح بُرهان – معنى العافية التي كنتَ تمتعْتَ بها سنين طويلة ، ولَم تتذوَّقْ حلاوتها، ولَم تُقَدِّرْها حقَّ قَدرها، وصدق مَن قال: “الصحة تاجٌ على رؤوس الأصحاء ، لا يراه إلا المرْضَى”.
يقول شيخ الإسلام ابن تيميَّة – رحمه الله -: “مُصيبة تُقْبِل بها على الله ، خيرٌ لك من نعمة تُنْسيك ذِكْرَ الله”.
[جامع الرسائل 9 / 387].

أثر الكلمة الطيبة والفأل الحسن
في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم : ” كان يُعجبُه الفألَ ويكرَهُ الطِّيرَةَ ”
[حسنه ابن حجر العسقلاني 10/225].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه : ” كانَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ يُعجبُهُ الفَألُ الحسَنُ، ويَكْرَهُ الطِّيرةَ “،
صححه الألباني [صحيح ابن ماجه 3536].

الكَلِمةُ الطَّيِّبةُ الصَّالِحةُ تَبعَثُ الاطْمِئنانَ والرَّاحةَ في النَّفسِ، لا سيَّما في أوقاتِ الكَرْبِ، فتُعْطي الإنسانَ بُشْرى لِرَفعِ الكَرْبِ، وفي هذا الحديثِ يَقولُ أبو هُريرةَ رَضِي اللهُ عنه: “كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يُعجِبُه”، أي: يَستحسِنُ ويُفضِّلُ، “الفأْلَ الحسَنَ”، وقد سأَله الصَّحابةُ رَضِي اللهُ عنهم في الحديثِ المتَّفَقِ عليه مُستفسِرين عن معنى الفَألِ، “فقالوا: وما الفألُ؟ فقال لهم: الكلمةُ الصَّالحةُ يَسمَعُها أحَدُكم”، فتَجعَلُه يُحسِنُ الظنَّ بربِّه، وتشرَحُ صدرَه وتُريحُ فُؤادَه.


اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *