الإنسان والمكان والزمان عوامل ثلاثة لبناء الحضارة وتحقيق العمران سعيا نحو المطلوب التكليفي الأعظم وهو عبادة الله والاستخلاف في الأرض وفق منهج الله وهداياته الكونية والشرعية المبثوثة في كتاب الأنفس و الآفاق المنظور وكتاب الله وآياته المسطورة المتلوة .
وقد جعل الله تعالى تفاضلا بين خلقه زمانا ومكانا وإنسانا اصطفاءً منه واختيارا قال تعالى: (وربك يخلق ما يشاء ويختار) وفي ذلك حكمة بالغة شرعا وقدرا حيث تتفاوت التكاليف في أجرها وثوابها في زمان دون زمان ومكان دون مكان ويجد الإنسان في ذلك اختلافا محفزا للسعي الجاد في مواسم النفحات والخير والبركات وهي متجددة طوال العام بحسب المواسم التعبدية فمن شهر رمضان وصيامه وقيامه إلى موسم الحج ونسكه وشعائره ليجمع المكلف كافة أنواع التعبد المالي والبدني والمشترك بينهما.
وهذه الأيام هي بداية العشر الأول من ذي الحجة وهي من أفضل أيام الله تعالى التي جعلها محلا للقربات والعبادات وخاصة شعيرة ونسك الحج وهي الأيام المعلومات الواردة في قول الله تعالى: (ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) [الحج 28] وعن جابر بن عبدالله: (أفضلُ أيامِ الدنيا أيامُ العشْرِ) أي العشر الأول من ذي الحجة [الألباني – صحيح الجامع].
والأيام العشر كلها فاضلة ليلها ونهارها ولكن بالمقارنة بين العشر الأول من ذي الحجة والعشر الأواخر من رمضان فإن فضل الأولى يكون أكبر وأكثر في نهارها لما فيها من يوم عرفة وفضل العشر من رمضان في لياليها لما فيها من ليلة القدر وذلك محض فضل الله لعباده .
وعلى المسلم اغتنام هذه الأيام كافة في الأعمال الصالحة ونشير لبعض منها في الفقرات التالية :
1/ على المسلم أن يستقبل هذه الأيام مستعدا لها بالتوبة والاستغفار والنية الحسنة الخالصة والتحلل من كافة المظالم لينال رضوان الله تعالى ويتعرض لنفحاته .
2/ تلاوة القرآن الكريم وتدبره وتلمس هداياته فلا شي أنفع للقلب والعقل والنفس من ذلك ولو استطاع المكلف ختم القرآن في هذه العشر فذلك خير له في دينه ودنياه .
3/ أعمال الحج كافة من طواف وسعي ووقوف بعرفة ورمي الجمرات وغيرها وكما هو معلوم فإن الحج من أركان الإسلام الجامعة للأعمال المالية والبدنية.
4/ ومن لم يتمكن من الحج فهناك الكثير من الأعمال الصالحة التي يقوم بها المكلف من صيام خلال العشر كلها وتخصيص يوم التاسع من ذي الحجة وهو يوم عرفة فهو يكفر سنة سابقة وأكثر يوم يعتق الله فيه عباده من النار.
5/ ذكر الله تعالي تسبيحا وتحميدا وتكبيرا وخاصة يوم عرفة وأعظم ذكر فيها قول (لا إله إلا الله) لما ثبت في النصوص الصحيحة
6/ إخراج الزكوات والصدقات وتفقد الفقراء والمساكين والأرامل والأيتام والمرضى فإن كل ذلك من أعمال البر والإحسان.
7/ صلة الأرحام وترك القطيعة بين الناس وخاصة ذوي القرابة والقيام بالعفو والصفح والتسامح وترك الفساد والإفساد في الأرض فهو أمر عظيم ويتضاعف الذنب في هذه الأيام كما تتضاعف الحسنات.
8/ وفي أيام ذي الحجة يستذكر المسلم قصة إبراهيم وإسماعيل وما فيها من دروس وعبر حول التسليم لله والانقياد لأمره والتضحية في سبيله ولو كان في ذلك ذهاب النفوس وفقد الأرواح.
9/ ومن الإحكام الشرعية في العشر الأول من ذي الحجة لمن أراد أن يضحي ألا يأخذ شيئا من شعره ولا أظفاره ولا بشرته وذلك من بداية دخول الشهر وحتى يضحي أضحيته وفي ذلك تشبه بالحجاج وختاما على المسلم الحذر من ضياع الأوقات الفاضلة في هذه الأيام فهي محددة ومعلومة فإن فاتت فقد فات فضلها وأجرها وكانت حسرة على صاحبها يوم القيامة