بقلم الشيخ/ إسماعيل عمار
دور البشريات في قلب المحن إلى منح عند الأزمات:
إن مواجهة الصعاب والتغلب على التحديات ومن ثم العبور من بوابة المحن إلى أُعطيات المنح لهو مما يحتاج إلى أصحاب الهمم العالية والنفوس المؤمنة الواثقة بموعود الله لها بالنصر والتمكين والفوز برضوان الله سبحانه، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم خير من بشرأصحابه وكان نعم المعين في أشد الأوقات وأصعب الأحوال؛ فمن ذلك وفي مكة يوم كانت الدعوة في بدايتها يمرصلى الله عليه وسلم على آل ياسر وكانوا ممن عُذب أشد العذاب فيقول لهم مبشرًا: “صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة”.
وفي الهجرة من مكة إلى المدينة والنبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبوبكرالصديق رضي الله عنه تلاحقهم قريش من أجل القبض عليهما وإذ بسراقه بن مالك يلحق بهم لكن الله حماهم منه فيتفاوض معهم على أن يُؤمنهم ولا يعترضهم فكان مما بشره به رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف بك إذا لبست سوارَي كسرى وتاجه؟
وبعد خمس عشرة سنة في خلافة عمر رضي الله عنه يَهزم المسلمون في العراق دولة فارس فكان ضمن الغنائم سوارَي كسرى وتاجه فعُرض على عمر فدعى سراقة وألبسه السوارين والتاج وقال ارفع يديك وقل الحمد لله الذي سلبهما كسرى بن هرمز وألبسهما سراقة الأعرابي” [البخاري في المناقب – 7/240]
ومن مواطن البشريات والفأل الحسن وقلب المحن إلى منح ما كان في غزوة الأحزاب وقد أشار سلمان الفارسي بحفر الخندق، وهذه الغزوة كانت فيها صعوبات جمة حيث برودة الجو والريح الشديدة وكثرة الأعداء والجوع لقلة الطعام والخوف لقدوم العدوالمتكالب وانظر للحال وشدته في آيات سورة الأحزاب: ﴿إِذۡ جَاۤءُوكُم مِّن فَوۡقِكُمۡ وَمِنۡ أَسۡفَلَ مِنكُمۡ وَإِذۡ زَاغَتِ ٱلۡأَبۡصَـٰرُ وَبَلَغَتِ ٱلۡقُلُوبُ ٱلۡحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَا۠ (١٠) هُنَالِكَ ٱبۡتُلِیَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَزُلۡزِلُوا۟ زِلۡزَالࣰا شَدِیدࣰا (١١)﴾ [الأحزاب 9–11]
وعندما شرع الصحابة رضي الله عنهم في حفر الخندق عرضت لهم صخرة عجزت عنها معاولهم ((فشكوا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فجاء فأخذ المعول فقال بسم الله فضرب ضربة فكسر ثلثها وقال الله أكبر أُعطيت مفاتيح الشام والله إني لأبصر قصرها الأحمر الساعة ، ثم ضرب الثانية فقطع الثلث الآخر فقال : الله أكبر أعطيت مفاتيح الفرس ، والله أني لأبصر قصر المدائن أبيض ، ثم ضرب الثالثة وقال : بسم الله فقطع بقية الحجر فقال : الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا الساعة ))، حديث حسن [ أحمد والنسائي- فتح الباري 7/397].
قصة عن الفأل الحسن والتعلق بالله في جلب الفرج:
يقول صاحب القصة قبل سنوات أصابه ما أصاب نبي الله يوسف عليه السلام وشاءت إرادة المولى أن يجد نفسه خلف القضبان لسبب أنه يسعى في عمل الخير وما فيه عون المحتاج ما وجد لذلك سبيلا، وهذا لم يكن جُرما ولكن تحولت الأمور ( 180) درجة فأصبح عمل الخير جريمة والسعي فيه تهمة !!
ويذكر أنه مرّعليه في حبسه رمضان والثاني والثالث دون محاكمة أو توجيه تهمة مع عدم توفر من يدافع في أبسط الحقوق كما هو معروف في منطقتنا؛ ومن شدة غموض الحال تعارف من تجدهم في مثل هذا الوضع بقولهم: (الداخل مفقود والخارج مولود)
ويقول صاحبنا أن أصعب ما لاقاه التعامل “مع المجهول” ورُغم ذلك ظل الأمل باقٍ والرجاء غيرمنقطع في طلب يتكرر لكل من يعنيه الامر لعل أن يحدث شيء ولا مجيب ولا مغيث …، يقول ومع استمرار التجاهل وغياب أفق لنهاية النفق المظلم كان لا بد من سلوك ما يحرك الوضع فكان الإضراب عن الطعام الأول بعد مرور سنة ثم كان الثاني مع نهاية عام ثانٍ وهكذا تحققت بعض المطالب وتحركت القضية وظهرت وعود ولكن دون الوصول للمطلوب وهو الخلاص من المحنة والخروح إلى الحرية وما أعظمها من أمنية !!
وهنا يذكر أن الكرب بلغ مبلغه وضاقت النفس وتعلقت بوعود جراء مناشدات ولكن لا مجيب فكان هذا مؤذنا للتوجه بالكلية إلى من حيث بابه مفتوح وعلمه محيط وفرجه قريب ورحمته واسعة سبحانه وتعالى، يقول صاحبنا: مع هذه الحالة والنفسية المحاصرة كانت هناك نقطة تحول تمثلت في اختيار صاحب القصة ليتولى إلقاء خطبة جمعة على إخوانه وما أشقه أن يطلب العلاج من المصاب !!
يقول فتجاسر على ما به وكفكف ونفض وهم النفس كي يُقدم المطلوب فكان حديثًا مشوبًا بمشاعر تضمنت التذكير بمعية الله وإجابته للمضطر: ﴿أَمَّن یُجِیبُ ٱلۡمُضۡطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَیَكۡشِفُ ٱلسُّوۤءَ وَیَجۡعَلُكُمۡ خُلَفَاۤءَ ٱلۡأَرۡضِۗ أَءِلَـٰهࣱ مَّعَ ٱللَّهِۚ قَلِیلࣰا مَّا تَذَكَّرُونَ﴾ [النمل ٦٢].
وتضمن الحديث أن: الفرج قادم لا محالة لكن صدق العبودية تتحقق حين ينتظره المخلوق من الله لا غيره وهنا يكون انتظار الفرج عبادة مع جعل رجاء الرب نصب الأعين وقبلة القلوب فإنه نعم المولى المرتجى لمغفرة الذنوب وكشف الكروب، وما سوى ذلك أسباب لا يعتمد عليها لوحدها إن فقدت سند المسبب وهو الله سبحانه.
كما ذكّر صاحب القصة نفسه واخوانه بالفأل الحسن وأنه كان يُعجب النبي صلى الله عليه وسلم وأنه كان دائم البشر وفي أحلك الأوقات ينشر المسرات بهذه المعاني المبشرة انتهت الخطبة ووصلت رسالتها لصاحبها ولمن سمعها، وجاء رمضان ليكون فيصلاً في صدق التوجه والتعلق بالخالق رجاء الفرج وانتظار المخرج فنعم الشهر هو في التسابق للطاعات واجابة الدعوات وتحقق البشريات وبينما فرحة خاتمته أسعدت بتمامه فما مضى العيد السعيد إلا وجاء منادي الخروج لصاحبنا ليتحقق الفرج فضلاً من الله وكرماً منه سبحانه وقبل الختام يقول صاحبنا إنه كان معهم شيخ فاضل يسأل كل من أكرمه الله بالخروج والفرج عن أرجى عمل انشغل به فذكر له لعل ذلك في القرآن الكريم وختماته بين يوم وثلاث في رمضان شهر القرآن وفضل الله أكبر وجزاؤه أوفى ومن رفع إليه يديه وتضرع له بقلب مُخبت لا يرده صفراً سبحانه من كريم رحيم.
الخاتمة: هكذا نصل لحقيقة إيمانية هي: أن ما نواجهه من مشكلات الحياة وإبتلاءاتها على مستوى الفرد أوالجماعة سبيل الخروج منه إنما هو بصدق اللجوء إلى الله والتوكل عليه وحسن الظن به والصبر والتحمل مع العمل وبذل الأسباب المشروعة عند ذلك تنقلب المحن منحاً والبلايا عطايا والنكبات إلى بشريات من رحمة الله وجوده قال تعالى:
﴿وَلَنَبۡلُوَنَّكُم بِشَیۡءࣲ مِّنَ ٱلۡخَوۡفِ وَٱلۡجُوعِ وَنَقۡصࣲ مِّنَ ٱلۡأَمۡوَ ٰلِ وَٱلۡأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَ ٰتِۗ وَبَشِّرِ ٱلصَّـٰبِرِینَ (155) ٱلَّذِینَ إِذَاۤ أَصَـٰبَتۡهُم مُّصِیبَةࣱ قَالُوۤا۟ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّاۤ إِلَیۡهِ رَ ٰجِعُونَ (156) أُو۟لَـٰۤىِٕكَ عَلَیۡهِمۡ صَلَوَ ٰتࣱ مِّن رَّبِّهِمۡ وَرَحۡمَةࣱۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُهۡتَدُونَ (157)﴾ [البقرة 155- 157].