الهوى (أسبابه – خطره – علاجه)

2 سبتمبر 2020 4421
صورة توضيحية تعبر عن تأثير الهوى على العقل والروح وكيفية علاجها في ضوء القرآن والسنة.

بقلم الشيخ الدكتور/
حسن سلمان

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .

خلق الله الخلق لغاية عظيمة وهي عبادته ورعاية أمره ونهيه والدخول تحت سلطانه اختيارا واضطرارا وجعل منهم خلقا مسخرا لا يخرج عن أمره ونظامه وسننه وجعل لأخرين مشيئة واختيارا للدخول تحت حكمه الشرعي مع تحمل التبعة والمسؤولية الناتجة عن كل اختيار في الدار الآخرة وجعل الإنسان كائنا مكلفا تكليفا اختياريا وليس مسخرا تسخيرا اضطراريا كما هو حال الكثير من الخلق بل جعل الخلق المسخر تحت خدمته ليؤدي واجب العبادة والاستخلاف التي اصطفاه الله لها مخلوقا مكرما عاقلا قادرا على الاستفادة من القدرات الممنوحة له ذاتيا وموضوعيا.

وتعهد الله لهذا الكائن المكلف الرعاية المستمرة إيجادا وإعدادا وإمدادا (خلقا وأمرا ) ومن ذلك تعهده بالهدايات الرسالية التي ترشده وتدله على مراد الله من خلقه ووجوده والطريقة المثلى للقيام بمراد الله في خلق الإنسان على وجه هذه الأرض فمن التزم تلك الهدايات السماوية فلا يضل ولا يشقى ولا يتعرض لعاديات الحزن والخوف بل تسوده السكينة والطمأنينة قال تعالى (فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) البقرة/38 (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى) طه/123 ومع كل ذلك فإن الإنسان تتقاذفه الأهواء ذات اليمين وذات الشمال ويخرج من الهدى المنزل _ كفرا وفسوقا وعصيانا – بحسب حال المخالفة وحال المخالف بالرغم من قيام البينات وتوالي الآيات الساطعات وكل ذلك بسبب الهوى وسيطرة الظنون والأوهام .

وعندما يتحكم الهوى لا تجدي الحقائق والبينات لأن الهوى لا غاية له وهو نقيض الهدى

قال تعالى ﴿وَلَئِن أَتَيتَ الَّذينَ أوتُوا الكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعوا قِبلَتَكَ َ﴾ البقرة/ ١٤٥

والرسل و الأنبياء جاؤوا بالهدى من ربهم وهم معصومون في تبليغه ومستعصمون في الالتزام بأحكامه ولا يتطرق إليهم الهوى بحال( وَمَا یَنطِقُ عَنِ ٱلۡهَوَىٰۤ* إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡیࣱ یُوحَىٰ)النجم/3/4

وقد أمر الله باتباع الحق والهدى ونهى عن الضلال والهوى قال تعالى : (یَـٰدَاوُۥدُ إِنَّا جَعَلۡنَـٰكَ خَلِیفَةࣰ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَٱحۡكُم بَیۡنَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ ٱلۡهَوَىٰ فَیُضِلَّكَ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِۚ) ص/ 26

وتكون مفارقة الهدى بأمرين أحدهما الجهل واتباع الظنون والأوهام المفارقة للحقائق وهي الشبهات العقدية والعقلية والفكرية  وثانيهما أهواء النفوس ومسالك الشيطان ودروب النفس الأمارة بالسوء وهي الشهوات وهذان الأمران هما سبب الغواية البشرية ومفارقة الهدي الإلهي قال تعالى ( إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى) النجم/23

وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم  أن اتباع الهوى من عوامل وأسباب الهلاك في الدارين : عن عبدالله بن عمر قال: (ثلاثٌ مُهلِكاتٌ: شُحٌّ مُطاعٌ، وهوًى مُتَّبَعٌ، وإعجابُ المرءِ بنفسِه)السلسلة الصحيحة للألباني

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( جهاد النفس والهوى أصل جهاد الكفار والمنافقين فإنه لا يقدر على جهادهم حتى يجاهد نفسه وهواه أولا ) روضة المحبين /475

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية : ( قوى الإنسان ثلاث : قوة العقل والغضب والشهوة فالكفر فساد في القوة العقلية وقتل النفس فساد في القوة الغضبية والزنا فساد في القوة الشهوانية ) مجموع الفتاوى /15/428

مخاطر اتباع الأهواء :
1/ أن الأهواء سبب فساد الكون والحياة والخروج عن حد الصلاح والاستقامة الذي هو مقصود الشارع من الخلق والأمر قال تعالى : ( وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ) المؤمنون: 71

كم تقدم في الآيات . 2/ أن الهوى سبب الضلال والشقاء والخوف والحزن في الدارين

3/ أن الأهواء سبب للتفرق والاختلاف والنزاع والشقاق قال تعالى ( وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة ) البينة/4

ويقول الإمام ابن بطة : «أعاذنا الله وإياكم من الآراء المخترعة والأهواء المتبعة والمذاهب المبتدعة، فإن أهلها خرجوا عن اجتماع إلى شتات وعن نظام إلى تفرق، وعن أنس إلى وحشة، وعن ائتلاف إلى اختلاف، وعن محبة إلى بغضة، وعن نصيحة وموالاة إلى غش ومعاداة، وعصمنا وإياكم من الانتماء إلى كل اسم خالف الإسلام والسنة) (الإبانة لابن بطة)

4/ أن الهوى  سبب فساد الرأي والفكر والوقوع في التناقض، ولهذا حذرنا – سبحانه وتعالى – من طاعة صاحب الهوى لأنه يتكلم بغير هدى ويقع في الغفلة والعمى ، قال تعالى الكهف: 28 ” وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا

5/أن الهوى موجب للعقوبة من الله لأنه يؤدي بصاحبه إلى تزيين الباطل والزهد في الحق وتأليه الهوى فيطبع على قلبه ويختم على سمعه، ويجعل على بصره غشاوة، قال تعالى

(أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) الجاثية/ 23

(وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّه) القصص/ 50 

علاج اتباع الهوى:
1/ التذكير بعواقب اتباع الهوى الدينية والدنيوية -كما تقدم-  فإنه يخلص النفس من الهوى والشرور والسعي خلف الشهوات والملذات.

2/ العلم بالله وكتابه ورسوله لأن ذلك هو الهدى ودين الحق المناقض للهوى والضلال .

3/ مراقبة النفس ومحاسبتها وعدم مجاراتها في شهواتها بل العمل على ترويضها في اتباع الحق والهدى .

4/ مصاحبة الأخيار وملازمتهم واجتناب أهل الأهواء لأنه كما قيل ( الصاحب ساحب ) .

5/ معرفة حقيقة الدنيا وأنها دار ابتلاء واختبار ومحل للسعي الجاد والعمل الصالح .

6/ الوقوف على سير أهل الأهواء وسوء عاقبتهم في الدنيا والآخرة فهو من أعظم عوامل التذكير للنفس الأمارة بالسوء . 7/ اليقين التام بأن السعادة والطمأنينة والسكينة وراحة النفس وصلاح البال ورضا الرحمن في التزام الهدى ودين الحق ومفارقة الهوى والعصيان .

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *