المسلمون في إثيوبيا واستعادة الحقوق قراءة في انتخابات المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية

18 سبتمبر 2025 326

المقدمة:
عرفت إثيوبيا حضورًا إسلاميًا ضاربًا في عمق التاريخ، إذ تعود بداياته إلى الهجرة الأولى من مكة إلى الحبشة في صدر الإسلام ورغم هذا الامتداد الحضاري، فقد عانى المسلمون في إثيوبيا من تهميش ديني وسياسي وثقافي استمر لعقود، تحت أنظمة حكم متعاقبة ذات توجهات علمانية أو مسيحية، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت حراكًا متزايدًا في الأوساط الإسلامية، انعكس بشكل واضح في انتخابات المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية التي جرت في أغسطس 2025م، ما يعكس تطلعًا نحو استعادة الحقوق الدينية والمدنية ، وتعزيز الحضور المؤسسي للمسلمين في الحياة العامة
أولًا: الخلفية العامة للمسلمين في إثيوبيا:
التركيبة السكانية:
يتجاوز عدد المسلمين في إثيوبيا حالياً أكثر من نصف السكان وبالتالي فهم ليسوا أقلية سكانية كما يتم الترويج له في العديد من الدوائر ، مع توزيع سكاني ملحوظ في العديد من الأقاليم وتفاوت في نسب الحضور والفاعلية.
الإقصاء التاريخي:
خلال حقب الاستعمار والحكم الإمبراطوري، ثم في ظل نظام منغستو الاشتراكي، حُرم المسلمون من التمثيل في المناصب السيادية، وقُمعت مؤسساتهم الدينية، ولم يُعترف بالإسلام رسميًا إلا في مراحل متأخرة، ما عمّق شعور التهميش لدى قطاعات واسعة من المسلمين ولكن خلال العقود الثلاثة الأخيرة وبحسب النظام السياسي المعتمد على فكرة الديموقراطية الإثنية وحق كل إقليم في أن يحكم نفسه ويشارك في السلطة المركزية في حدود معينة فقد استعاد المسلمون بعض الحقوق الدينية والمدنية والسياسية ومع تصاعد وعي الشباب المسلم، وظهور تيارات إسلامية معتدلة، برزت جهود لتأطير العمل الإسلامي، وكان من أبرز تجلياته دور المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية كمنصة تنظيمية وتعبيرية عن هموم المسلمين وتطلعاتهم.
ثانيًا: المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية – نشأته وأهميته الوظيفية:
يُعدّ المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الجهة الرسمية التي تمثل المسلمين أمام الدولة وخارجها في الشأن الديني ، وهو المسؤول عن تنظيم شؤون المساجد ومواقيت الصلاة والأئمة والمؤذنين والدعاة والإعلان عن الصيام والفطر في شهر رمضان وتنظيم شؤون الحج، وإصدار الفتاوى، والإشراف على التعليم الديني، وإدارة الأوقاف الإسلامية والمساهمة في فض النزاعات المجتمعية وتعزيز الاستقرار والتعايش بين المكونات المختلفة.
وتعود نشأة المجلس الإسلامي الأعلى في إثيوبيا إلى عام 1976م، خلال فترة النظام الاشتراكي تحت حكم منغستو هيلي مريام وقد جاء تأسيسه ضمن محاولة من الحكومة آنذاك لتنظيم الأديان تحت مظلة واحدة، وللحد من النشاطات الدينية المستقلة خارج إطار الدولة، وقبل تأسيس المجلس كانت شؤون المسلمين تُدار عبر هيئات محلية تقليدية ومجالس شيوخ، دون تمثيل رسمي على مستوى الدولة وكانت فترات العهد الإمبراطوري من أسوأ الفترات التاريخية على مسلمي إثيوبيا .
وخلاصة القول فالمجلس الإسلامي الأعلى في إثيوبيا مؤسسة مركزية في حياة المسلمين هناك ويقوم بدور بالغ الأهمية في حفظ الهوية الإسلامية وتنظيم الشؤون الدينية، ورغم التحديات الكبيرة يبقى المجلس أداة ضرورية لتحقيق الاستقرار الديني والتماسك المجتمعي داخل إثيوبيا، خصوصًا في ظل التعددية الدينية والعرقية التي تتميز بها البلاد.
ثالثًا: الانتخابات الأخيرة وتحولاتها:
عملية الانتخابات:
شهدت إثيوبيا في شهر أغسطس 2025م حدثًا دينيًا وتنظيميًا بارزًا تمثل في إجراء الانتخابات العامة للمجلس الإسلامي الأعلى، وذلك ضمن جهود إصلاح وتحديث البنية المؤسسية للمسلمين في البلاد، وقد حظيت هذه الانتخابات باهتمام واسع داخل إثيوبيا وخارجها، نظرًا لأهميتها في تمثيل أكثر من نصف سكان البلاد من المسلمين وقد شارك فيها أكثر من (13) مليون ناخب وأكثر من (49) ألف مسجد استخدمت كمراكز اقتراع مع تخصيص 35% من المقاعد للشباب والنساء وقد أسفرت الانتخابات عن تشكيل مجلس إسلامي أعلى جديد مكوّن من (217) عضوًا، يمثلون كافة أقاليم ومديريات إثيوبيا، وقد انتخب الأعضاء بناءً على معايير تمثيلية تشمل العلماء (العلماء والفقهاء)، والدعاة، والقيادات المجتمعية.
أبرز التعيينات في القيادة الجديدة:
1- الشيخ الحاج إبراهيم توفا رئيس المجلس (أُعيد انتخابه)
2. الشيخ عبد الكريم بدر الدين. ( النائب الأول )
3. الأستاذ تمكين عبد الله – الأمين العام
ونؤكد بأن انتخابات أغسطس 2025م تشكل نقطة تحول في مسيرة المجلس الإسلامي الأعلى في إثيوبيا، سواء من حيث الحجم التمثيلي (217 عضوًا)، أو من حيث مستوى المشاركة والمهنية في الإعداد والتنفيذ. وهي تعكس رغبة المسلمين في البلاد في بناء مؤسسة قوية، جامعة، وفاعلة، تعبّر عن طموحاتهم الدينية والثقافية والاجتماعية ضمن إطار الدولة الإثيوبية.
دلالات الحدث المستقبلية:
تُعد هذه الانتخابات محطة مفصلية في تاريخ العمل الإسلامي المؤسسي في إثيوبيا، وستكون لها دلالات مستقبلية مهمة نجملها في الآتي :
1. تعزيز الشرعية الشعبية لقيادة المجلس وأنها تعبر عن المسلمين تعبيرا صادقا بعيدا عن تدخلات السلطة وفرضها لقيادات غير منتخبة ولا مقبولة شعبيا.
2. إرساء مبدأ الشورى في الاختيار والممارسة العملية والرقابة على الأداء والشفافية والمساءلة في بناء المؤسسات الإسلامية.
3. فتح المجال أمام التجديد والإصلاح الديني والإداري ومواكبة متطلبات الواقع المعاصر.
4. توسيع قاعدة المشاركة لتشمل فئات الشباب والنساء وهذه تعزز التلاحم المجتمعي بين الأجيال المختلفة وبطبيعة الحال ستبرز قيادات شبابية قادرة على التجديد والإبداع دعويا وإداريًا.
5. معرفة الوزن الحقيقي للمسلمين في إثيوبيا والخروج من دوائر التهميش إلى الفاعلية والتأثير.
6. تحقيق التوازن في التمثيل الرسمي لأهل الأديان بدلا من احتكار ذلك لفئة واحدة وتهميش بقية الفئات كما كان سابقا.
7. تعزيز التواصل مع الخارج من خلال جهة رسمية واحدة تمثل المسلمين وتعبر عن تطلعاتهم.
8. تطوير المشاريع الدينية وضمان استدامتها
من خلال توفير الدعم اللازم داخليا وخارجيا.
رابعًا: التحديات والعقبات:
1. من أهم التحديات التي تواجه المجلس قدرته على الحفاظ على مكوناته المختلفة فكريا وتنظيميا وتحقيق الاعتصام المنشود ورعاية الحد الأدنى من المشتركات الجامعة لعموم المسلمين في إثيوبيا وهذا يتطلب عمق شرعي وتجرد عن الهوى وتقديم المصالح العليا للمسلمين على المصالح الضيقة والمحدودة. 2. يواجه المسلمون في إثيوبيا تحديات عديدة مزاحمة لهم في الساحة متمثلة في النشاط التبشيري المسيحي، أو التغريب الثقافي، ويتطلب ذلك خطابًا واعيا يعزز اليقظة الفكرية ويحافظ على الهوية الإسلامية والتعايش الوطني .
3. ومن التحديات التاريخية التي واجهت المسلمين في إثيوبيا تدخل السلطات الحاكمة والتحكم في المؤسسات الدينية وتوجيه مساراتها لأغراض لا تخدم المسلمين بل تعمل على تعطيلهم أو توظيفهم لأجندات سياسية وهذه يتطلب علاقات متوازنة وذات استقلالية مع السلطات الحاكمة حتى لا تفقد مصداقيتها أمام قاعدتها الشعبية وجمهورها العام.
4. تعاني كثير من المؤسسات الدينية في عالمنا الإسلامي من التدخلات والضغوط الخارجية ومحاولات التأثير على القرار داخل هذه المؤسسات سواء بدوافع سياسية أم مذهبية أم فكرية ويستخدم التمويل كوسيلة ضغط في ذلك مما يفرض الحاجة إلى تعزيز الاستقلال المالي والمؤسسي.
خامسًا: توصيات ختامية:
1. تعزيز استقلالية المجلس الإسلامي عن التدخلات الخارجية والداخلية مع الإبقاء على شراكة تعاونية مسؤولة مع الدولة والمؤسسات الخارجية.
2. بناء كيان تنسيقي موحد يضم مختلف المدارس والتيارات الإسلامية لتوجيه الجهود نحو أولويات المسلمين.
3. التركيز على التعليم الشرعي واللغوي، وربط الشباب بالهوية الإسلامية لمواجهة التغريب والتنصير.
4. تنمية الكوادر الشبابية المؤهلة علميًا وإداريًا لقيادة المؤسسات الإسلامية بفاعلية.
5. تطوير خطاب دعوي معتدل يجمع بين الثوابت الشرعية ومتطلبات الواقع الاجتماعي والسياسي.
6. تفعيل الشراكات الإفريقية الإسلامية، لتبادل الخبرات وتوسيع آفاق العمل الإسلامي في الإقليم.
7. تقنين وتنظيم الأوقاف الإسلامية لضمان استدامة المشاريع بعيدًا عن التأثيرات المختلفة.
8. رصد التحديات القانونية والتشريعية والتفاعل معها بأساليب مؤسسية تحفظ الحقوق وتواجه التمييز.
إن هذه التوصيات تمثل خطوات عملية نحو تمكين مسلمي إثيوبيا من أداء دورهم الحضاري والديني في وطنهم، ضمن إطار قانوني وسلمي يحفظ التوازن ويحقق المصالح العليا.
والحمد لله رب العالمين

وكتبه:
عبدالله العلوي

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *