بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين.
قال الله تعالى:(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ ۖ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت: 41،42].
القرآن الكريم معجزة الله الخالدة في العالم، نزل بأفصح اللغات وأبلغها، (إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه يعلو ولا يعلى عليه)، له أثر عظيم في النفوس، حين يسمعه الإنسان تخشع له نفسه ويقشعر بدنه، ويهتز قلبه، وتتحرك مشاعره لما فيه من جمال الأسلوب وقوة التعبير ووضوح الحجة والحق، إنه كتاب للإنسانية جمعاء بمختلف أماكنها وأجناسها (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) الفرقان [1].
هو المصدر الديني الأساسي للمسلمين، وأمضى سلاح في الإسلام، الحفاظ عليه والعمل بتوجيهاته يؤدي إلى بقاء الإسلام حيا وقويا بين العالم، وقد علم أعداء الإسلام بهذه الحقائق التي حيرت أفكارهم وأحبطت مخططاتهم لإضعاف الإسلام والحد من انتشاره، وقد عبر عن فشلهم لاكوست (وزير المستعمرات الفرنسي عام 1962) قائلا: “وماذا أصنع إذا كان القرآن أقوى من فرنسا”.
إن أعداء الإسلام ظلوا منذ فجر الدعوة الإسلامية وبعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وحتى اليوم يعملون على محاربة الإسلام بشتى السبل وعلى كل الساحات مركزين على القرآن الكريم الذي يمثل أعظم المقدسات لدى المسلمين وأكثر تعلقا وارتباطا به، وأقوى مؤثر على حياتهم وقيمهم ومعتقداتهم وتوجيه تصرفاتهم.
عمل أعداء الإسلام على الاستهزاء بالقرآن والتشكيك فيه وتحريفه، وإقصائه من المناهج التعليمية والتربوية في البلدان الإسلامية، وإبعاد المسلمين وإلهائهم عنه، وتقليل قيمته في نفوسهم، وفي هذا السياق تتكرر جرائم حرق المصحف الشريف والمساجد من شخصيات عنصرية وجهات مأفونة حاقدة على الإسلام، ظنا منها أن هذه الأفعال القبيحة تخوف أو تنفر الآخرين من التفكير في اعتناق الإسلام أو التعرف عليه.
إنّ ما وقع أخيرا في السويد في يوم عيد الأضحى المبارك، وتحت حماية أمنية رسمية يعتبر عدواناً وقحاً على القرآن الكريم، وهو فعل من أفعال الكراهية الخطيرة، ومظهر من مظاهر “الإسلاموفوبيا” المحرضة على العنف والإساءة للإسلام والمسلمين.
هذا التصرف الأحمق يدل على عجز الأعداء عن مواجهة القرآن بالفكر والحجّة، ويؤكد فشلهم وهزيمتهم أمام تزايد اعتناق العديد من أفرد المجتمعات الغربية للإسلام.
أثبت هذا الجرم زيف ادعائهم الكاذب بأنهم دعاة الحريات والمدافعين عنها، إن هذا الفعل الشنيع لا يمكن أن يعتبر شكلا من أشكال حرية التعبير، بل هو اعتداء على المقدسات الدينية، وتأجيج للكراهية والتعصب والتطرف، وتحريض على الإقصاء والعنصرية وعدم قبول الآخر.
إن حرق المصحف الشريف فعل إجرامي متطرف لا مبرر له، مدان بكل المعايير الإنسانية والحقوقية والدينية والاجتماعية والقيم الأخلاقية، ولا يمكن قبوله مطلقا، ومن غير المقبول السماح بهذه الأعمال المعادية للإسلام بذريعة حرية التعبير.
ويجب على الحكومات الغربية أن تحترم الإسلام وتساويه في الحقوق كالأديان الأخرى، وأن تكفل للمسلمين ممارسة شعائرهم وعباداتهم الدينية بحرية، وأن تمنع الاعتداء على مقدساتهم، وتعاقب وتوقف المعتدين عند حدودهم.
يجب أن لا تمر مثل هذه الأعمال الإجرامية والانتهاكات الخطيرة التي تمس معتقداتنا ومقدساتنا بسوء، فعلى المسلمين حكومات وشعوبا في كل بقاع العالم العمل على مواجهتها والتصدي لها
بالضغط على حكوماتهم بكل السبل والوسائل المتاحة (سياسيا، اقتصاديا، إعلاميا، فكريا، اجتماعيا، حقوقيا، قانونيا…) لمنع تكرار حدوثها، ومن أجل الحفاظ على كرامة المسلمين وحقوقهم.
كما ينبغي على المسلمين أن يُظِهروا بأخلاقهم السامية وتعاملهم الحسن الوَجهَ الإسلامي الحقيقي والمشرف لدين الإسلام، ويستغلوا هذه الأحداث للتعريف بالإسلام وقيمه التي يدعوا إليها، ويبينوا للناس عظمة القرآن وتعاليمه وإعجازه، وأن يدحضوا الأكاذيب التي يختلقها أعداء الإسلام للصد عنه،
نسأل الله عز وجل أن يكتب للإسلام والمسلمين النصر والتمكين، ويخذل الأعداء ويجعل كيدهم في نحورهم، وتدبيرهم في تدميرهم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه..
15/12/1444هـ ـ 3/7/2023م