بيان صادر عن رابطة علماء إرتريا بشأن الأحداث في مدينة الفاشر

2 نوفمبر 2025 202

الحمد لله الحكم العدلِ، الكبير المتعال القائل: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ﴾ إبراهيم/42، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين،  القائل “لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ” أخرجه البخاري، وبعد:

في ظل ما يشهده السودان من حروب وأحداث مؤلمة، استمرت طوال السنوات الماضية برزت مدينة الفاشر كإحدى أكثر المناطق تضررًا نتيجة تصاعد العدوان العسكري الوحشي الذي تقوده قوات الدعم السريع، مدعومةً بتدخلات خارجية إقليمية ودولية تُذكي نار الحرب وتُعقّد مسارات الحل وتستهدف هوية السودان ووحدته وموارده .

وإننا في رابطة علماء إرتريا، وبحكم العلاقات الأخوية والجوار والمصير المشترك مع الشعب السوداني الشقيق فقد تابعنا الأوضاع في السودان منذ اندلاع هذه الحرب الجارية بتفاصيلها وما فيها من عدوان وتجاوزات وجرائم فاقت التوقعات في صمت دولي مريب، وتدخلات إقليمية مشبوهة تُسهم في تمزيق السودان، واستغلال معاناة شعبه، ونُؤكد أن هذا التواطؤ الإقليمي والدولي يمثل صورة من صور الظلم والاستكبار المرفوض شرعًا وعقلًا، وهو سبب رئيس في تعقيد المشهد، واستمرار المأساة، وغياب الحلول العادلة.

وبناء على متابعتنا واستشعارا للمسؤولية الشرعية بأننا أمة واحدة يؤلمنا ما يؤلم إخواننا ويؤذينا ما يؤذيهم فإننا نُصدر هذا البيان، ونوضح فيه ما يلي:

أولًا: ندين بشدة العدوان والجرائم المرتكبة ، وما يتعرض له الناس في الفاشر من حصار وتجويع وقتل وترويع، في انتهاك صارخ لكل القيم الشرعية والإنسانية، وهذا من الفساد في الأرض الذي حرمه الله تعالى في كتابه الكريم حيث قال: ﴿… فَأوْفُوا الكَيْلَ والمِيزانَ ولا تَبْخَسُوا النّاسَ أشْياءَهم ولا تُفْسِدُوا في الأرْضِ بَعْدَ إصْلاحِها ذَلِكم خَيْرٌ لَكم إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾  الأعراف/85. ﴿وإذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾ البقرة/205، ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ النساء/ 93، وقال النبي ﷺ: “لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم” النسائي.

ثانيًا: يحرم شرعًا أي دعم مباشر أو غير مباشر يُقدَّم للعدوان على المدنيين العزل، سواء كان تسليحًا أو تمويلًا أو تبريرًا سياسيًا، وتتحمّل الجهات المتورطة في تغذية هذا الصراع المسؤولية الشرعية والتاريخية. وكل من يشارك بأي شكل من الدعم للقتلة فهو شريك لهم في الجرائم النكراء قال الله تعالى: ﴿ولا تعاونوا على الإثم والعدوان﴾ المائدة: 2. وكل من يغذي هذه الحرب يحتمل وزر ما يترتب عليها من دماء وتشريد، وسيحاسبه الله على ذلك.

ثالثًا: نُؤكد على وجوب نصرة المظلومين في الفاشر، ومدّ يد العون لهم بكل الوسائل الممكنة، وفضح المعتدين، قال تعالى: ﴿وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان﴾ النساء: 75.

وقال ﷺ: ” انْصُرْ أخاكَ ظالِمًا أوْ مَظْلُومًا. فقالَ رَجُلٌ: يا رَسولَ اللَّهِ، أنْصُرُهُ إذا كانَ مَظْلُومًا، أفَرَأَيْتَ إذا كانَ ظالِمًا، كيفَ أنْصُرُهُ؟ قالَ: تَحْجُزُهُ -أوْ تَمْنَعُهُ- مِنَ الظُّلْمِ؛ فإنَّ ذلكَ نَصْرُهُ” أخرجه البخاري

وقال أيضًا: “لا تَحاسَدُوا، ولا تَناجَشُوا، ولا تَباغَضُوا، ولا تَدابَرُوا، ولا يَبِعْ بَعْضُكُمْ على بَيْعِ بَعْضٍ، وكُونُوا عِبادَ اللهِ إخْوانًا. المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ، ولا يَخْذُلُهُ، ولا يَحْقِرُهُ. التَّقْوى هاهُنا. ويُشِيرُ إلى صَدْرِهِ ثَلاثَ مَرّاتٍ. بحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أنْ يَحْقِرَ أخاهُ المُسْلِمَ. كُلُّ المُسْلِمِ على المُسْلِمِ حَرامٌ؛ دَمُهُ، ومالُهُ، وعِرْضُهُ” أخرجه مسلم.

فكل من يستطع نصرة أهل الفاشر ماديًا أو إعلاميًا أو سياسيًا أو دعويًا ولم يفعل، فقد قصر في الواجب الشرعي المطلوب.

رابعًا: ندعو كافة العلماء والهيئات الشرعية في العالم الإسلامي إلى القيام بواجبهم في الإنكار العلني لهذه الجرائم، وبيان حكم الله فيها، فإن الساكت عن الحق شيطان أخرس. والعلماء ورثة الأنبياء فمن واجبهم الإنكار العلني لكل عدوان وظلم، وتبيين الحكم الشرعي فيه.

قال الله تعالى: ﴿وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِیثَـٰقَ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ لَتُبَیِّنُنَّهُۥ لِلنَّاسِ وَلَا تَكۡتُمُونَهُۥ فَنَبَذُوهُ وَرَاۤءَ ظُهُورِهِمۡ وَٱشۡتَرَوۡا۟ بِهِۦ ثَمَنا قَلِیلاۖ فَبِئۡسَ مَا یَشۡتَرُونَ﴾ آل عمران: 187، وقال النبي ﷺ: “من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه …” أخرجه مسلم. والصمت عن المجازر جريمة أخلاقية وعلمية، لا يليق بأهل العلم السكوت عنها.

خامسًا: نُناشد الإعلام الإسلامي والحر أن يكون صوتًا للحق، وأن يُبرز معاناة أهل الفاشر، ويُعرّي الجهات المتورطة في دعم هذا العدوان. قال تعالى: ﴿وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾ البقرة:  283، والنبي ﷺ قال: “أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر” أبو داود. ومن هنا، ندعو كل الإعلاميين الشرفاء أن يسلطوا الضوء على مأساة الفاشر ويُسهموا في إيقاظ الضمائر.

سادسا: نُناشدُ الشعب السوداني الكريم بكل أطيافه ومكوناته أن يُدرك أن مفتاحَ الخروج من الأزمة الراهنة لن يكون إلا بإرادة وطنية صادقة و خالصة، تتجاوز التبعية للتدخلات الخارجية التي لا تزيد الأمور إلا تعقيدًا. وإن حلَّ مشكلات السودان لا يكون بإقصاء أحد، ولا بتهميش أي مكون، بل بالحوار الجاد والشامل، والتوافق على مشروع جامع يُقدِّم المصلحة العامة، ويُعيد للسودان أمنه واستقراره ووحدته.

ختامًا:

نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يرفع البلاء عن أهلنا في الفاشر، وأن يُهلك الظالمين المعتدين، وأن يجعل هذا العدوان وبالًا على من أشعلوه ودعموه.

ونسأل الله أن يُبدل الحال أمنًا وعدلًا، وأن يُعجّل بالنصر للمظلومين والمستضعفين في السودان وسائر بلاد المسلمين.

 

رابطة علماء إرتريا

الأمانة العامة

المملكة المتحدة – برمنجهام

2 نوفمبر 2025م

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *