لَاشَكِّ أَنَّ مَفْهُومَ الْوَحْدَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ مِنْ أَكْثَرِ الْمَفَاهِيمِ تَدَاوُّلًا فِي الْوَسَطِ الْإِسْلَامِيِّ ، وَلَكِنْ بِالرَّغْمِ مِنْ ثَرَاءِ هَذَا الْمَفْهُومِ عَلَى الْمُسْتَوَى التَّصَوُّرِيِّ وَالدَّلَالِيِّ فِي الْمَصَادِرِ الْمَعْرِفِيَّةِ فِي الْإِسْلَامِ = الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، نَجِدُ هِذا الْمَفْهُومَ مِنْ أَكْثَرِ الْمَفَاهِيمِ ارْتِبَاكًا وَقَلَقًا عِنْدَ النُّخْبَةِ الْعَالَمَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ
وَهَذَا يَجْعَلُ سُؤَالًا مِنْ شَاكِلَةٍ هَلْ الْأَصْلُ عِنْدَنَا هُوَ التَّوَحُّدُ أَمْ التَّعَدُّدِ ؟ سُؤَالًا مِلِحًّا.
قَبْلَ الْإِجَابَةِ عَلَى هَذَا السُّؤَالِ يَنْبَغِي أَنْ نُوَضِّحَ أَنَّ مَفْهُومَ الْوَحْدَةِ ذُو طَبِيعَةٍ شَبَكِيَّةٍ مُتَدَاخِلَةٍ مُتَعَدِّدَ الْأَبْعَادِ، وَلَيْسَ مَفْهُومًا آحَادِيَّ الْأَبْعَادِ .
فَهُوَ يَتَمَظْهَرُ فِي ثَلَاثَةِ مُسْتَوَيَاتٍ :
الْأَوَّلُ : الْوَحْدَةُ كَحَالَةٍ شُعُورِيَّةٍ بِجَسَدِهِ مَفْهُومُ الْأُخُوَّةِ فِي الْخِطَابِ الْمُنَزَّلِ ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) وَفِي الْحَدِيثِ ( وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَايَسَلِمْهُ وَلَا يَظْلِمُهُ ….. ) هَذَا الْمَفْهُومُ الْقَائِمُ عَلَى الْوَحْدَةِ الشُّعُورِيَّةِ مُتَجَاوِزًا وَاقِعَ التَّعَدُّدِ فِي التَّكْوِينِ الْبَشَرِيِّ الْقَائِمِ عَلَى الشُّعُوبِ وَالْقَبَائِلِ قَصْدًا لِلتَّعَارُفِ لَا التَّفَاضُلِ .
هَذِهِ الْوَحْدَةُ الشُّعُورِيَّةُ نَجِدُها أَوْضَحَ عِنْدَ الْعَامة الَّذِينَ لَمْ تَكْدُرْ فِطْرَتُهُمْ الْأَيْدِلُوجِيَّةُ .
الثَّانِي : الْوَحْدَةُ كَحَالَةٍ فِكْرِيَّةٍ وَثَقَافِيَّةٍ وَهِيَ تَقُومُ عَلَى مَفْهُومٌ شَرْعِيٌّ مَرْكَزِيٌّ = مَفْهُومُ أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَهُوَ مَفْهُومٌ تَوْحِيدِيٌّ ( مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا ، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا ، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا ، فَذَاكُمْ الْمُسْلِمُ لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ ، وَذِمَّةُ رَسُولِهِ ، فَلَا تُخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ ) فَهَذَا الْمَفْهُومُ الشَّرْعِيُّ الضَّابِطُ لِلْعَلَاقَاتِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَالْمِعْيَارُ الشَّرْعِيِّ الَّذِي تَقُومُ عَلَيْهِ الْحُقُوقُ وَالْوَاجِبَاتُ .
امَا الْمَفَاهِيمُ الْأُخْرَى الَّتِي تُشَكِّلُ دَوَائِرَ دَاخِلَ دَائِرَةِ الْإِسْلَامِ الْجَامِعَةِ ، كَمَفْهُومِ ( أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ ) الْإِشْكَالِيِّ وَالْمُتَنَازَعِ عَلَيْهِ بَيْنَ أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَالَّذِي يُسْتَخْدَمُ لِلتَّصْنِيفِ بَيْنَ أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَفِي الِانْتِصَارِ للمذاهب الْكَلَامِيَّةُ الَّتِي نَشَأَتْ بَعْدَ الْفِتْنَةِ الْكُبْرَى وَمَا تَلَاهَا مَنْ تَكُونُ الْفِرَقُ الْعَقْدِيَّةُ وَالْكَلَامِيَّةُ فَلَا أَظُنُّهُ يَصْلُحُ كَمِعْيَارٍ فِي مَوْضُوعِ الْوَحْدَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ .
لِهَذَا كَانَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ فِي تَمَامِ الْوَعْيِ حِينَ أَلَّفَ كِتَابًا فِي تَشْرِيحِ حَالَةِ الِاخْتِلَافِ وَالتَّنَازُعِ الْعَقْدِيِّ في الأمة الإسلامية فَجَعَلَهُ تَحْتَ عُنْوَانٍ عَبْقَرِيٍّ = ( مَقَالَاتُ الْإِسْلَامِيِّينَ وَاخْتِلَافُ الْمُصَلِّينَ ) . نسبة للإسلام بضابط الصلاة والقبلة
بَلْ مِنَ الْغَرَائِبِ انْ هُنَالِكَ مَنْ يَرْفَعُ شِعَارَ ( أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ ) وَلَكِنَّهُ فِي التَّطْبِيقِ الْعَمَلِيِّ يَنْحُو إِلَى مُمَارَسَةٍ قَائِمَةٍ عَلَى السُّنَّةِ دُونَ جَمَاعَةٍ ، حَيْثُ نَجِدُ خِطَابَهُ الْفِكْرِيَّ وَالثَّقَافِيَّ قَائِمٌ عَلَى مُحَاوَلَةِ جَمْعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى تَفَاصِيلِ الْعَقِيدَةِ ذَاتِ الطَّبِيعَةِ الْخِلَافِيَّةِ وَالِاجْتِهادية ، وَجَعْلَهَا مِعْيَارًا لِلْحَقِيقَةِ وَالْحَقِّ ، سَبَبًا لِلْوَلَاءِ وَالْبَرَاءِ .
الدَّائِرَةُ الِاضِيقُ فِي التَّعَامُلِ مَعَ قَضِيَّةِ الْوَحْدَةِ الْفِكْرِيَّةِ ، هُوَ التَّوْظِيفُ وَالْفِكْرِيُّ السِّيَاسِيُّ لِمَفْهُومَيْ ( الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ ) وَ ( الطَّائِفَةِ الْمَنْصُورَةِ ) وَالِارْتِبَاكِ الْحَقِيقِيِّ فِي التَّعَامُلِ مَعَهَا عَلَى مُسْتَوَى التَّصَوُّرِ وَالتَّنْزِيلِ الْوَاقِعِيِّ مِمَّا أَدَّى إِلَى انْتِشَارِ خِطَابٍ قَائِمٍ عَلَى الطَّهُورِيَّة وَالشُّعُورُ بِالصَّفَوِيَّةِ وَالتَّفَوُّقِ عَلَى الْآخَرِينَ ، وَجَعْلَ التَّصَوُّرَاتِ الْعَقْدِيَّةِ فِي جُزْئِيَّاتِ الْعَقِيدَةِ ، وَبَعْضِ التَّصَوُّرَاتِ الْفِقْهِيَّةِ السِّيَاسِيَّةِ هِيَ = الْإِسْلَامُ الْخَالِصُ الْمُصَفِّي مِنْ شَوَائِبِ الِابْتِدَاعِ .
بينما الْوَحْدَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ فِي بُعْدِهَا الْفِكْرِيِّ / الثَّقَافِيِّ قَائِمَةٌ عَلَى كُلِّيَّاتِ الدِّينِ فِي الِاعْتِقَادِ وَمَقَاصِدِ الدِّينِ الْكُلِّيَّةِ وَمَعَاقِدِ الْإِجْمَاعِ فِي التَّشْرِيعِ ، وَتَبْقَى اجْتِهَادُات الْعُلَمَاءِ الَّذِي هُوَ الْفِقْهُ مَصْدَرُ ثَرَاءٍ وَسَعَةٌ مِنْ اللَّهِ .
وَتَبْقَى جُزْئِيَّاتُ مَسَائِلِ الْعَقِيدَةِ مَجَالًا للتَّدَافُعُ الْفِكْرِيَّ وَالْجِدَالَ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.
وَلَعَلِّ قِرَاءَةُ إِنْتَاجِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تيمية الَّذِي جَمَعَ بَيْنَ الْجِدَالِ وَالْجَدَلِ الْكَلَامِيِّ مَعَ الْفَرَقِ الْإِسْلَامِيَّةِ ، وَوَضْعِ قَوَاعِدِ جَمْعِ كَلِمَةِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْمُسْتَوَى الْعَمَلِيِّ هِيَ خَيْرٌ زَادَ مَعَ الْجُهْدِ الْمُتَرَاكِمِ الْمُتَكَامِلِ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ لِإِثْرَاءِ الْفِكْرِ الْوَحْدَوِيِّ ، بَدَلًا مِمَّا نَرَاهُ مِنْ تَوْظِيفِ الْفِكْرِ التَّيْمِيِّ فِي تَفْرِيقِ كَلِمَةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ اتِّبَاعِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ وَخُصُومِهِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ .
وَفِي الْمُقَابِلِ وَجَدَتْ جَمَاعَةٌ إِسْلَامِيَّةٌ كُبْرَى جَعَلَتْ المَفْهُومَ الشَّرْعِيِّ = الجماعة وَالَّذِي يَدُلُّ على مَفْهُومَ مُتَعَدِّدِ الْمُسْتَوَيَاتِ وَالدَّوَائِرِ كَمَا هُوَ حَاصِلٌ فِي كِتَابِ الِاعْتِصَامِ الشَّاطِبِيِّ ، أَخْتَزَلَتُهُ لِتُصْبِحَ هِيَ جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ ، وَالْجَمَاعَةُ الْأُمُّ ، وَجعلت نَفْسَهَا بَدِيلًا لِمَفْهُومِ الْخِلَافَةِ السِّيَاسِيِّ الْإِشْكَالِيِّ ، وجَعَلَتْ طَبِيعَةَ الْجَمَاعَةِ التَّنْظِيمِيَّةِ اشْبَهَ بِمَرْكَزِيَّةِ الْخِلَافَةِ .
فَشَكَّلَتْ جُيُوبا دَاخِلَ الْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ ، واحتكرت الْعَمَلَ الْوَظِيفِيَّ لِلْمُجْتَمَعِ دَعْوَةً وَنفْعًا عَاما لِلْمُسْلِمِينَ ، هَذَا التَّصَوُّرُ تَمَّ مُنَاقَشَتُهُ مِنْ قِبَلِ قَادَةٍ وَمُفَكِّرِينَ مِنْ دَاخِلِ الْجَمَاعَةِ نَفْسِهَا بالنقد والتحليل وَأَنْ لَمْ يَكُنْ مَقْبُولًا أَوْ مُتَبنى عَلَى الْمُسْتَوَى الرَّسْمِيِّ إِنَّمَا مِنْ باب التَّغْرِيدِ خَارِجَ السِّرْبِ ، وصدر في كتاب من تحرير د. عبد الله النفيسي .
الثَّالِثُ : مَفْهُومُ الْوَحْدَةِ كَحَالَةٍ سِيَاسِيَّةٍ ، وَهَذَا الْمُسْتَوّى اشْكَالِيٌّ ايْضًا ، وَمُرْتَبِطٌ ارْتِبَاطًا وَثِيقًا بِالْمُسْتَوَى السَّابِقِ .
لَوْ تَجَاوَزْنَا إِشْكَالِيَّةَ الْقِرَاءَةِ الْعَقْدِيَّةِ لِلتَّارِيخِ الْإِسْلَامِيِّ وَالْوَاقِعِ السِّيَاسِيِّ ، يُمْكِنُ أَنْ نُلَاحِظَ أَنَّ مُشْكِلَتَنَا السِّيَاسِيَّةَ بَدَأَتْ نَوَاتُهَا مُنْذُ سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ ، وَالَّتِي كَانَتْ اوْلَ اخْتِبَارٍ سِيَاسِيٍّ لِلْمُسْلِمِينَ بَعْدَ الْفَرَاغِ الَّذِي شَكَّلَهُ غِيَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِلَّا إِنَّ الْمُسْلِمِينَ تَجَاوَزَوهَا باخْتِيَارِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ، الَّذِي كَانَ هُوَ الْأُولَى نَظَرًا للْإِشَارَاتِ النبوية باختياره ، وَمَا لَهُ مِنْ سَابِقَةٍ ، وَقُدُرَاتٌ قِيَادِيَّةٍ وَسِيَاسِيَّةٍ اسْتِثْنَائِيَّةٍ ، بِالرَّغْمِ مِنْ أَنَّهُ يَنْتَمِي لِلْحَلْقَةِ الْأَضْعَفِ فِي قُرَيْشٍ مُقَارَنَةً بِبَنِي هَاشِمِ بَنُو أُمَيَّةَ فَرَسِي الرِّهَانُ فِي تَارِيخِنَا السِّيَاسِيِّ = وَكَانَ اخْتِيَارُهُ ( فَلْتَةً وَقَى اللَّهُ شَرَّهَا ) كَمَا هُوَ التَّعْبِيرُ الْعُمَرِيُّ ، ثُمَّ كَانَ انْتِقَالُ السُّلْطَةِ إِلَى عُمَرَ بِالْعَهْدِ مِنْ أَبِي بكر الصديق بِاعْتِبَارِهِ تَرْشِيحًا اخْذَ شَرْعِيَّتِهِ بِمُوَافَقَةِ أَهْلِ الْحِلِّ وَالْعَقْدِ ، وَبَيْعَةِ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا يَقُولُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ ، ثُمَّ كَانَتْ عَبْقَرِيَّةُ عُمَرَ السِّيَاسِيَّةِ الَّتِي ارْتَقَتْ بِالْفِكْرِ السِّيَاسِيِّ الْإِسْلَامِيِّ بِتَطْوِيرِ عَمَلِيَّةِ الِاخْتِيَارِ السياسي عَبْرَ الْمَجْلِسِ السُّدَاسِيِّ وَالِاحْتِياطات الَّتِي صَاحَبَتْهُا مِنْ وُجُودِ مُرَاقِبٍ مُسْتَقِلٍّ = عَبْدِ اللَّهِ بْنْ عُمَرَ ، وَمَدًى زَمَنِيٍّ لِعَمَلِيَّةِ الِانْتِقَالِ السِّيَاسِيِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ تَفَاصِيلُ نَجِدُهَا فِي الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ كُتُبِ التَّارِيخِ .
كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ هُوَ صِمَامُ الْأَمَانِ مِنَ الْفِتْنَةِ لِكَوْنِهِ الْبَابَ الْمُغْلَقَ الَّذِي يُكْسَرُ كُما هُوَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ ، بِالْإِضَافَةِ إِلَى سِيَاسَتِهِ الْحَازِمَةِ الَّتِي مَنَعَتْ أَصْحَابَ رَسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِيَّمَا كِبَارُهُمْ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَدِينَةِ .
بَعْدَ تَوَلِّي عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ طَالَتْ فَتْرَةَ حُكْمِهِ وَكَانَتِ السَّنَوَاتُ السِّتُّ الْأُولَى بِلَا إِشْكَالٍ ثُمَّ كَانَتْ السِّتُّ الْأَخِيرَةُ التي كانت بداية الْفِتْنَةَ وَالْأَزْمَةَ السِّيَاسِيَّةَ ، كَانَ سَبَبُهَا كِبَرَ سِنِّ عُثْمَانَ ، وَوُجُودِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ الَّذِي كَانَ سَبَبًا فِبما أَخْذٍ عَلَى سِيَاسَاتِ عُثْمَانَ كَمَا قَالَ الذَّهَبِيُّ ( وَكَانَ كَاتِبُ ابْنِ عَمِّهِ عُثْمَانَ ، وَإلَيْهِ الْخَاتَمُ ، فَخَانَهُ، وَاجْلِبُوا بِسَبَبِهِ عَلَى عُثْمَانَ، وَ سَارَ مَعَ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ لِلطَّلَبِ بِدَمِ عُثْمَانَ ، فَقُتِلَ طَلْحَةُ يَوْمَ الْجَمَلِ ، وَنَجَا- لَا نَجِيٌّ – ثُمَّ وَلِيَ الْمَدِينَةَ غَيْرَ مَرَّةٍ لِمُعَاوِيَةَ ) والتحول السياسي والمجتمعي الذي صاحب فترة حكم عثمان كما يشرحه العملاق العقاد في كتابه = عبقرية عثمان .
مَقْتَلُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ شَهِيدًا عَلَى يَدَيْ الزَّعَارِ وَالدُّهَمَاءِ، فَتَحَ بَابَ الِاقْتِتَالَ الدَّاخِلِيَّ = الْجَمَلُ وَصِفِّينَ، وانْتِهَاءُ الْخِلَافَةِ الرَّاشِدَةِ بعد مقتل علي والصفقة السياسية بين الحسن بن علي ومعاوية بن أبي سفيان = عام الجماعة
ثم بِدَايَةَ الدُّوَلِ الْإِمْبِرَاطُورِيَّةِ الْوِرَاثِيَّةِ الْقَائِمَةِ عَلَى الْأَثَرَةِ، وَوَظَّفَتْ فِي بَعْضِهَا شِعَارَاتِ الرِّضَى مِنْ آلِ الْبَيْتِ كَمَا فَعَلَ الْعَبَّاسِيُّونَ ، وَرَفَع العلويون
شِعَارَ أَهْلِ الْبَيْتِ فِي ثَوراتهم الَّتِي انْتَهَتْ هِيَ وَمَنْ قَامَ لِنُصْرَتِهَا ، وَلدَفْعَ تَغَوُّلِ بَنُو أُمَيَّةَ عَلَى السُّلْطَةِ تَرْغِيبًا وَتَرْهِيبًا ، إِلَّا ان دَمَوِيَّةَ بَنِي امَيَّةَ فِي التَّعَاملِ مَعَ ثَوْرَاتِ السَّلَفِ الصَّالِحِ فِي الْقَرْنِ الْأَوَّلِ ، وَلَدَتْ فِكْرًا / فِقْهًا سِيَاسِيًّا قَائِما عَلَى فِكْرَةِ التَّغَلُّبِ ، وَالْأَدْهَى مِنْ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْفِكْرَةُ اخَذَتْ طَابَعًا عَقَائِدِيًّا وَتَحَوُّلت
إِلَى مَقُولَاتِ وَمُفْرَدَاتِ للْجَدَلِ الْكَلَامِيِّ . ثُمَّ تَلَتْ بعدهَا الدُّوَلُ الْإِسْلَامِيَّةُ ذَاتُ الْبُعْدِ الْإِمْبِرَاطُورِيِّ فِي حَالَةِ الْقُوَّةِ ، وَالدُّوَيْلَاتِ فِي حَالَةِ الضَّعْفِ ، مِمَّا اثَّرَ عَلَى الْجَدَلِ الْفِقْهِيِّ تَحْتَ مُسَمِّي حُكْمِ تَعَدُّد الْائمَّةِ ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أنها حَالَةٍ سَياسِيَةٍ كَامِنَةٍ فِي تَارِيخِنَا وَلَيْسَتْ مُجَرَّدَ نَتِيجَةِ تَقْسِيمِ سَايْكِسْ – بِيكُو كَمَا يَحْلُو للنخبة الْإِسْلَامِيَّةُ .
مَا حَدَثَ عَقِبَ انْتِهَاءِ الْحِقْبَةِ الِاسْتِعْمَارِيَّةِ وَوَضْعِ الْحُدُودِ السِّيَاسِيَّةِ بَيْنَ الدُّوَلِ وما نُشُوءَ الدَّوْلَةِ الْقَطَرِيَّةِ كَنَتِيجَةٍ لِلتَّطَوُّرِ التَّارِيخِيِّ لِمَفْهُومِ الدَّوْلَةِ ، وَهَذَا التَّقْسِيمُ طَالَ حَتَّى أُورُبَّا الِاسْتِعْمَارِيَّةِ نَفْسِهَا .
وَكَلَامِي هَذَا لَيْسَ تَسْوِيغًا لِلدَّوْلَةِ الْقَطَرِيَّةِ أَوْ رِضًا بِحَالِ الدُّوَيْلَاتِ الْقَطَرِيَّةِ ؛ بِقَدْرٍ مَاهُوٍّ مُحَاوَلَةِ النَّظَرِ الْمَوْضُوعِيِّ ، بَدَلًا مِنْ الْوُقُوعِ فِي شِرْكِ الْعَقْلِ الْمُسْتَقِيلِ / الْمُسْتَرِيحِ الَّذِي يَتَّكَأُ عَلَى نَظَرِيَّةِ الْمُؤَامَرَةِ .
إِذَنْ حَالَةِ التَّعَدُّدِ السِّيَاسِيِّ وَاقِعٌ تَارِيخِيٌّ اخْتَلَفَتْ رُؤَى الْفُقَهَاءِ لَهَا قَبُولًا وَرَفْضًا ، وَهُوَ وَاقِعٌ سِيَاسِيٌّ فِي عَصْرِنَا يَنْبَغِي أَنْ نَنْطَلِقَ مِنْهَ ، لِلِوُصُولِ إِلَى فِكْرَةِ الْوَحْدَةِ السِّيَاسِيَّةِ = كَهَدَفٍ سِيَاسِيٍّ مَشْرُوعٍ لِلْأُمَّةِ السِّيَاسِيَّةِ ، وَلَكِنْ لَيْسَ عَنْ طَرِيقِ التَّصَوُّرِ الِاخْتِزَالِيِّ / السَّاذِجِ لِلْخِلَافَةِ الَّذِي تَتَبَنَّاهَ الْجَمَاعَات الْجِهَادِيَّةُ/ جَمَاعَةُ الْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ فِي الْمَغْرِبِ / حِزْبُ التَّحْرِيرِ / مُؤْتَمَر الأمةٍ بِقِيَادَةِ الدكتور حَاكِمِ الْمُطِيرِي وَغَيْرِهِمْ .
هُنَالِكَ مُحَاوَلَاتٌ تَحْتَاجُ إِلَى دِرَاسَةٍ لِتَصَوُّرِ النَّمَاذِجِ الْوَاقِعِيَّةِ لِفِكْرَةِ الْأُمَّةِ الْجَامِعَةِ عَلَى الْمُسْتَوَى السِّيَاسِيِّ = مثل فِكْرَةُ الْكَمُنْولِثِ عِنْدَ مَالِكِ بْنِ نَبِيٍّ ، وَفِكْرَةُ الْخِلَافَةِ كَعَصَبَةِ أُمَمِ الَّتِي تَبَنَّاهَا الْقَانُونِيُّ الدُّسْتُورِيُّ الضَّلِيعُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ السَّنْهُورِي فِي أُطْرُوحَاتِهِ للدُّكْتُورَاةِ.
الْوَاقِعِيَّةُ السِّيَاسِيَّةُ ضَرُورِيَّةٌ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْمَفْهُومِ التَّارِيخِيِّ الْمُتَخَيِّلِ لِلْخِلَافَةِ وَالَّذِي أَنْتَجَ نَمَاذِجَ كَارِثِيَّةً = دَاعِشُ وَاخِوَاتِهَا .
مَفْهُومُ الْوِلَايَةِ الْقُرْآنِيُّ عَلَى الْمُسْتَوَى الشُّعُورِيِّ الَّذِي بِجَسَدِهِ مَبْدَأُ الْإِخْوَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ ، وَعَلَى الْمُسْتَوَى الْعَقْدِيِّ / الْإِيمَانِيِّ مَبْدَأَ الْوَلَاءِ وَالْبَرَاءِ بِلَاشِكٌ قَائِمٌ عَلَى التَّوَحُّدِ لَا التَّعَدُّدِ لِكَوْنِهِ مَبْنِيًّا عَلَى فِكْرَةٍ تَوْحِيدِيَّةٍ خالصَة قِوَامُهَا = الْمَعْبُودُ الْوَاحِدُ / مُقْتَضَى ( لَا إِلَهَ اللَّهِ ) ، وَالْمَتْبُوعُ الْوَاحِدُ مُقْتَضَى( مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ ) ، وَتَرْمُزُ لِهَذَا التَّوَحُّدِ الشِعَارَاتُ والشَّعَائِرِ الدِينِيَّةٌ والتي تُمَثِّلُ الدِّينَ الْجَامِعَ = الْأَذَانَ/ الْقِبْلَةُ / الصَّلَاةُ / شَعِيرَةُ الْحَجِّ وَغَيْرُهَا .
امًا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْوِلَايَةِ السِّيَاسَةِ وَتَصَوُّرَاتِهَا فَمَبْنَاهَا عَلَى كُلِّيَّاتِ الشَّرِيعَةِ وَمَقَاصِدِهَا وَالِاسَاسِ فِي تَطْبِيقَاتِهَا التَّعَدُّدَ فِي الْفِكْرِ وَالِاجْتِهَادِ ، وَتَنْزِيلُها على مفهوم التَّوْحِيدِ وَالتَّوَحُّدِ هُوَ مَحَلُّ اخْتِلَافِي مَعَ أُسْتَاذِنَا د. حَسَنِ سَلْمَانَ – بارك الله في عمره وعلمه .
اخْتِلَافُنَا فِي مَوْضُوعِ الْوَحْدَةِ تَصَوُّرُهَا وَتَنْزِيلُهَا عَلَى الْوَاقِعِ ، وَقِرَاءَةُ تَارِيخِنَا السِّيَاسِيِّ عَلَى ضَوْئِهَا هُو محل النَظَرٌ وَالاخْتِلَافٌ .
فاخْتِلَافُنَا فِي هَذِهِ النُّقْطَةِ لَا يَجْعَلُنَا نَقُولُ إنْهُ لَا مَعْنَى للْحَدِيثِ عَنْ الْوَحْدَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ لِكَوْنِهَا مِنْ مُعْاقد الاجماع والِاجْتِمَاعِ عَلَى الْمُسْتَوَى الشُّعُورِيِّ والْمُسْتَوَى التَّصَوُّرِيِّ تَحتَ = مَفْهُومِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ كَمَا أَسْلَفَتْ .
مَا يَتَعَلَّقُ بِخَوَارِمِ الْوَحْدَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ فَهِيَ تَرْجِعُ إِلَى أَسْبَابٍ ذَاتِيَّةٍ تَرْجِعُ إِلَى النَّفْسِ الْإِمَارَةِ بِالسُّوءِ = وَهُوَ مَا عَبَّرَ عَنْهُ أُسْتَاذُنَا د. حَسَنُ سَلْمَانَ بِالْأَزْمَةِ الْأَخْلَاقِيَّةِ ، وَأُخْرَى مَوْضُوعِيَّةٍ تَرْجِعُ إِلَى إِشْكَالَاتِ التَّصَوُّرِ الْفِكْرِيِّ وَالْعَقْلِيَّةِ الَّتِي تَحْصُرُ الْإِسْلَامَ فِي مَقَالَاتِهَا الْفِكْرِيَّةِ وَالتَّصَوُّرِيَّةِ ، فَتُصْبِحُ عَامِلَ هَدْمٍ لِلْوَحْدَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ رَغْمَ مَاتَدِعِيهِ مِنْ شِعَارَاتٍ دَاعِيَةٍ لِلْوَحْدَةِ كَمَا تَرَاهُ .
خَاتِمَةُ الْقَوْلِ وَزَبَّدَتُهُ : الْخِطَابُ الْمُنَزَّلُ كِتَابًا وَسُنَّةً فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْوَحْدَةِ الشُّعُورِيَّةِ وَالتَّصَوُّرِيَّةِ مَوْفُورٌ بِدَلَائِلِهَا أَمْرًا بِالِاعْتِصَامِ وَتكليفا بولَايَةُ الْمُسْلِمِينَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا .
امًا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْوَحْدَةِ السِّيَاسِيَّةِ وَتَمَظُّهرَاتِهَا فَهُوَ مِنْ بَابِ الْخِطَابُ التَّأْوِيلِيُّ لِلشَّرْعِ الْمُنَزَّلِ بِنَاءً عَلَى تَصَوُّرَاتٍ ذِهْنِيَّةٍ مُسْبَقَةٍ، وَتَفْسِيرَاتٍ لِلتَّارِيخِ السِّيَاسِيِّ بِأَثَرٍ رَجْعِيٍّ عَلَى النَّصِّ الْمُنَزَّلِ .
حَتَّى الْأَحَادِيثُ الَّتِي تَتَحَدَّثُ ( عَنْ خِلَافَةٍ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ ) ، رَغْمَ الْإِشْكَالَاتِ عَلَيْهَا مِنْ حَيْثُ الصِّنَاعَةُ الْحَدِيثِيَّةُ ، فَهِيَ تَتَحَدَّثُ عَنْ الْعَوْدَةِ إِلَى مِنْهَاجِ الرُّشْدِ السِّيَاسِيِّ الَّذِي تَجَسَّدَ فِي السِّيَاسِيَّةِ النَّبَوِيَّةِ ، وَالتَّطْبِيقُ الْبَشَرِيُّ الرَّاشِدُ عَلَى مُسْتَوَى جَعْلِ الِاخْتِيَارِ وَالرِّضَى أَسَاسَ الْعَقْدِ السِّيَاسِيِّ ، وَجَعْلِ الْأَمَانَةِ وَالْقُوَّةِ = الْقُدْرَةَ السِّيَاسَةَ مِعْيَارًا لِلْوِلَايَةِ السِّيَاسِيَّةِ ، كذلك الْعَدْلُ فِي الْقِسْمِ وَالْحُكْمِ ، وَلَا تَتَحَدَّثُ عَنْ شَكْلِ النِّظَامِ السِّيَاسِيِّ وَطَبِيعَتِهِ .
الْجَانِبُ السِّيَاسِيُّ كَغَيْرِهِ مِنْ جوانب النَّشَاطِ الْبَشَرِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى إِدَارَةِ التَّعَدُّدِ بِاعْتِبَارِهِ طَبِيعَةً بَشَرِيَّةً أَقَرَّهَا الشَّرْعُ الْحَكِيمُ .
هَذِهِ خَوَاطِرُ عَلَى هَامِشِ فَاعِلِيَّةِ الْأَمْسِ انْ أَصَابَتْ فَذَلِكَ التَّوْفِيقُ وَالتَّسْدِيدُ مِنْ اللَّهِ، وَأَنْ اخْطَأْتُ فَمِنْ ضَعْفِي وَجَهْلِي وَقِلَّةِ بِضَاعَتِي، وَالْعُقُولُ الَّتِي تَزْخَرُ هَذِهِ الْمَجْمُوعَةُ خَيْرَ مَنْ يَقُومُ وَيُسَدِّدُ مِنْ بَدْرٍ مِنْ خَطَلٍ.
كتبه/ صالح سعد
21/08/2021