تعقيب الشيخ محمد خير عمر على ندوة “الوحدة الاسلامية بين الثراء المفاهيمي والعجز التطبيقي”

9 سبتمبر 2021 333

أقامت أمانة الشئون التعليمية لرابطة علماء إرتريا في يوم الجمعة 12 محرم 1443هـ الموافق 20 أغسطس 2021م، ندوة بعنوان: (الوحدة الإسلامية بين الثراء المفاهيمي والعجز التطبيقي)

 

الشيخ محمد خير عمر:

 

أكثر الأشياء إرهاقا للنفس هو كتمان ما نحن بحاجة إلى قوله ، والنقد هو بيان القيمة ، سواء كانت خافضة أو رافعة ، ويحز في نفسي حالنا بين شتات جغرافي واختلاف مجتمعي وحزبي ؛ ولكن الكلام لا منقادة له إلا من الواقع ، قال تعالى: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾. آل عمران: 103.

ما نأمله ونرجوه نحن اليوم هو وحدة الأمة ذات الرسالة الواحدة في الوطن الواحد ، ورغم ما يحاك بها فإنها عاجزة برغبة منها:

(تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا       وإذا افترقن تكسرت آحادا)

وغياب الأمر عند حضور الحاجة إليه عجز تأثم الأمة لعجزها عنه ، ونحن واقعون تحت هذا العجز الذي دونه الإثم. والأمة الآن تمر بلحظة مفصلية: كن أولا تكن ، والوقت ليس في صالحنا:

(كالسيف إن لاينته لان متنه    وحدَّاه إن خاشنته خشنان) بشار بن برد

ـــــــ

قال تعالى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) الشورى: 13.

فإقامة الدين كلمة التوحيد وعدم التفرق فيه ، وهما شرطان لقيام الأمة بأمر الدين والدنيا ، وهو ما جعل علماء الأمة في صدر الإسلام يرضخون لشرعية القوة لوجود رافعة  الوحدة ولوازمها.

ـــــــ

في الحديث ( والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أدلكم على أمر إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم ) أخرجه أبو داود وصححه الألباني ، والحب يعني النصرة .  والباطل والفساد لا ينشطان عادة إلا في حالة الخذلان وعدم المناصرة والمناصحة  وتخلف شرط الخيرية ، بل هذا إيذان بفساد كبير وفتن كقطع الليل المظلم، يعسعس فيها المجتمع بلا بوصلة ولا خارطة طريق، قال تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ)، الأنفال:73.

فلا بد من التعاضد والتناصر والتكتل، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، ويد الله مع الجماعة، والوحدة من أسباب تنزلات النصر والتأييد ، والكلام عن الوحدة الإسلامية بمفهومها الأكبر ودلالاتها الكلية أمر جيد ، وهو من المباحث العامة.

ــــــ

ولكن نحن في الوطن بحاجة إلى وحدة خاصة في مكان جغرافي خاص لأمة خاصة تعيش ظرف خاص، وقد نحتاج إلى اجتهاد خاص ينتهي بنهاية الضرورة الخاصة، نحن بحاجة إلى قفز فوق العجز التطبيقي للوحدة لحاجتنا الشديدة والملحة والتي لا تحتمل التسويف أو التأجيل.

وأرى في المرحلة الأولى السعي إلى الوحدة المجتمعية والتي تتوفر عندنا دواعيها ومسبباتها؛ كالهوية والثقافة المشتركة والمصلحة المشتركة، وأيضا المصير الواحد، مع وجود المرجعية الواحدة، إضافة إلى المهددات الوجودية والثقافية، وهذا الإحساس بهذه المشتركات والمهددات أكبر محفز للوحدة المجتمعية:

(ولم ارى في عيوب الناس عيبا        كنقص القادرين على التمام) المتنبئ

وفي المشهد الوطني نحن تواجهنا تحديات داخلية شديدة التعقيد وشديدة الخطورة وذلك للحفاظ على وحدة المجتمع المسلم.

ومن المؤكد الآن لمن ألقى السمع وهو شهيد أن الوحدة المجتمعية هي فريضة الوقت والحال، والمجتمع الموحد القوي هو من يجبر الأجسام السياسية والحزبية على مراجعة سلوكها ومنطلقاتها في مسيرتها القاصدة، بما يتوافق مع الرؤية المجتمعية، ويخدم المصلحة الوطنية العليا.

ــــــــ

وإن لم نسع حادبين وجادين على الوحدة المجتمعية لاحقا ومستقبلا فقد توحد شركاء الوطن على أكل قصعتنا مسبقا، من بادئ الوقت زمن (اندنت)، وأقترح أن تكون ضربة البداية للوحدة المجتمعية من بوابة أمانة الدعوة التي تضم كوكبة من الدعاة والمشايخ، وذلك من خلال القوافل الدعوية والزيارات الميدانية المشتركة، وأن تضع من أولوياتها إرساء فكرة الوحدة المجتمعية وتعويذه من التفرق والشتات، وغرس مفاهيم جديدة في عضويتنا تصب في نفس السياق، بأن نجعل في ذلك رضا الله سبحانه وتعالى نصب أعيننا، ومن ثم تبرئة ذمتنا أمام شعبنا في الحاضر والمستقبل، وتوثيق تاريخنا بهذه القيمة العظيمة، فالتاريخ شاهد لا يكذب، ومبلغ لا يهاب ولا يجامل، نفعل ذلك بطريقة شجاعة تعلو فيها المصلحة العامة، وبطريقة عملية تفضي في المحصلة النهائية إلى إزالة كل المعيقات والعقبات، وأن الأصل في المجتمع المسلم هو وحدة المشاعر التي ينتج عنها الحب والنصرة.

ــــــــ

أما بالنسبة للأجسام السياسية مثل الأحزاب والجماعات فهذا قد يكفي فيها التنسيق كحد أدنى، ومن زاد واستزاد زاده الله عزة ومجدا وأورثه ثناء سلفه فيه الحسن بن علي رضي الله عنه وعن أبيه، في عام نعت بعام الجماعة.

ـــــــ

ولأن من أسباب الفرقة أحيانا الحرص المبالغ فيه، على الوحدة وبالذات بين الجماعات والأحزاب، وهنا تحضرني مقولة للدكتور القرضاوي أوردها لكم نصا: (من أسباب الفرقة أحيانا الحرص المبالغ على الوحدة فمن أداه اجتهاده في العمل أسلوبا مغايرا اتهم بالانشقاق أو الخروج عن الصف وتمزيق الوحدة، وهذا لا يترتب عليه إلا مزيدا من الفرقة في الصفوف وتباعد وتباغض القلوب) انتهى.

ـــــــ

خاتمة:

الآن شركاء الوطن يتمددون في فراغاتنا السياسية، ويقضمون أرضنا التاريخية، ويغيرون معالمها ببناء الكنائس على شرفات الوطن، ويشيطنون إثنياتنا، ويسجنون علماءنا ومشايخنا بلا جريرة إلا جريرة آل ياسر وبلال تحت الصخر، جاسر الآن الوقت للعمل، ليس هناك مساحة للتراجع، الجدار خلف ظهرنا، إما ينطلق السهم أو ينكسر القوس لا ثالثة.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *