
المقدمة:
الحمد لله الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم والصلاة والسلام على معلم الناس الخير وهادي البشرية إلى الصراط المستقيم الذي تفضل الله عليه بمنه ورحمته وعَلمّه ما لم يكن يعلم وكان فضل الله عليه عظيما.
حين نزل أول الوحي على النبي ﷺ لم يكن أمرًا بالصلاة ولا بالصيام، بل كان أمرًا إلهيًا يحمل أعظم مفاتيح الهداية:(اقرأ) وهذا التقديم الرباني للقراءة يدل على أنها المدخل الأساس لبناء الإنسان، وتصحيح التصورات، وتزكية السلوك ، ومنطلق النهضة وينبوع الحضارة والعمران.
فإذا كانت القراءة باسم الله، أصبحت عبادة، وطريقًا إلى العلم والمعرفة ، ووسيلة للفهم والإصلاح وسبيلا للفلاح والفوز الأخروي بالجنة والرضوان.
القراءة في القرآن والسنة:
قال تعالى:( اقرأ باسم ربك الذي خلق) العلق/1 ، هذه أول آية نزل بها جبريل على النبي الأمين لتكون بداية الوحي ومنطلق الرسالة الخاتمة ، ما يدل على أن البداية لا تكون إلا بالقراءة، وأن القراءة باسم الله أساس كل بناء سليم ، وعلاقة القراءة في القرآن الكريم بـ مسمى “القرآن” ككتاب هي علاقة جوهرية تُظهر الغاية الأساسية من نزول القرآن، وهي القراءة وما فيها من التلاوة والتدبر والتعليم، وليس مجرد التدوين أو الحفظ، فالقرآن كتاب يُقرأ ويُتلى ويُعمل به، واسم “القرآن” بالهمزة (مقروء.. قرأ .. يقرأ ..قراءة ) نفسه مشتق من القراءة ، وهذا يدل على مركزية القراءة في رسالة الإسلام قال تعالى: ( إنّ علينا جمعه وقرآنه) القيامة /17، أي: جمعه في صدرك وقراءته عليك.
قال تعالى:(وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ) الإسراء/106 ، فالقرآن هو كتاب يُقرأ، وهذا هو سبب تسميته.
ومن الأحاديث النبوية الشريفة التي تتحدّث عن قراءة القرآن الكريم وفضله ومكانة أصحابه ما يأتي:
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإنَّه يَأْتي يَومَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأَصْحابِهِ…) أخرجه مسلم
عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَثَلُ الذي يَقْرَأُ القُرْآنَ وهو حافِظٌ له، مع السَّفَرَةِ الكِرامِ البَرَرَةِ، ومَثَلُ الذي يَقْرَأُ وهو يَتَعاهَدُهُ، وهو عليه شَدِيدٌ؛ فَلَهُ أجْرانِ) أخرجه البخاري
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (منْ قرأَ حرفًا من كتابِ اللهِ فله به حسنةٌ، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها لا أقولُ آلم حرفٌ، ولَكِن ألِفٌ حرفٌ، ولامٌ حرفٌ، وميمٌ حرفٌ) أخرجه الترمذي
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَثَلُ الذي يَقْرَأُ القُرْآنَ كالأُتْرُجَّةِ: طَعْمُها طَيِّبٌ، ورِيحُها طَيِّبٌ، والذي لا يَقْرَأُ القُرْآنَ كالتَّمْرَةِ: طَعْمُها طَيِّبٌ، ولا رِيحَ لَها، ومَثَلُ الفاجِرِ الذي يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ الرَّيْحانَةِ: رِيحُها طَيِّبٌ، وطَعْمُها مُرٌّ، ومَثَلُ الفاجِرِ الذي لا يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ الحَنْظَلَةِ: طَعْمُها مُرٌّ، ولا رِيحَ لَها) أخرجه البخاري
قال -صلى الله عليه وسلم-: (خَيْرُكُمْ مَن تَعَلَّمَ القُرْآنَ وعَلَّمَهُ) أخرجه البخاري .
وقال ﷺ( من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا ، سهّل الله له طريقًا إلى الجنة ) أخرجه مسلم، وقد وردت أحاديث كثيرة تحث على قراءة القرآن، لما فيه من هداية إلى الصراط المستقيم، ولِما يحمله من نور يُصلح به العبد دنياه وآخرته. فالقرآن هو مصدر الهداية، ومنبع العلم، وطريق النجاة. وبما أن القراءة هي مفتاح العلم، والعلم طريق إلى الجنة، فإن من يشرع في القراءة باسم الله، إنما يسلك دربًا يُفضي به إلى رضوان الله تعالى، فطلب العلم سبيل إلى الجنة، والقراءة وسيلته الأساسية.
آفات القراءة التي تُضعف أثرها:
لكي تكون القراءة نافعة، تجنب هذه الأخطاء:
1/ القراءة بلا تأمل:
وتعني معلومات بلا وعي وتجميع بلا تراكم معرفي وتكثير للكم على حساب الكيف.
2/ عدم الحفظ:
ويعني علم يتفلت وغياب لجمع ما هو ضروري مما يتطلب الحفظ.
3/ عدم التقييد والتدوين: ويعني ضياع الأفكار المهمة والنادرة ونسيانها وغياب الحفظ لما يتطلب التقييد
4/ إهمال المراجعة:
ويعني النسيان الدائم وعدم التركيز والتعمق.
5/ قلة التكرار لما هو نافع:
وتتمثل في الانتقال السريع بين الكتب دون تعمق، وغياب التركيز على ما يستحق التأمل والمراجعة. فالإفادة الحقيقية تكمن في تكرار المفيد وترسيخه، لا في السعي وراء الجديد لمجرد كونه جديدًا.
ثمرات القراءة وأثرها:
1/ تزكية الفكر وتصحيح التصورات:
القراءة توسّع مدارك الإنسان وتؤسس لتصوراته عن الله والكون والإنسان والحياة وتجعله يراجع أفكاره الخاطئة، فتبني له تصورًا سليمًا.
2/ ترسيخ الإيمان وتعميق المعرفة بالله تعالى:
الكتب الشرعية والعقائدية تنمّي الإيمان، وتعرّف القارئ بأسماء الله وصفاته، مما يقوي علاقته بربه ولكن كل قراءة للكون والإنسان باسم الرب تعزز وتقوي الإيمان ومن خلال القراءة النافعة يتعرف الإنسان عن شريعة الله المنزلة لهدايته ليعمل بها ويهتدي بها في مختلف مسارات الحياة.
3/ فهم الواقع وبناء الرؤية المتزنة:
من خلال الاطلاع والقراءة ، يفهم القارئ مجريات العالم من حوله، فيتكون لديه رأي ناضج ومتوازن في القضايا المعاصرة ويراها من جميع أطرافها وأبعادها ويتخذ الموقف المناسب لكل حالة.
4/ العيش بعقول وتجارب متعددة:
كما قال العقاد :(القراءة وحدها هي التي تعطي الإنسان الواحد أكثر من حياة واحدة) وقال أيضًا:( من يقرأ يعيش أكثر من عمره ، ومن لا يقرأ يعيش عمرًا واحدًا فقط)
5/ القراءة الواعية تنمي في القاريء حاسة التفكير المستقل بعيدًا عن التلقين والتبعية العمياء بلا برهان فهي عملية بناء للشخصية والعقل والإيمان.
ومسك الختام:
“اقرأ”… طريق النهضة والرفعة:
القراءة ليست مجرد هواية نمارسها وقت الفراغ، بل هي وسيلة للبناء الفردي والنهضة الجماعية. إنها عبادة عقلية وروحية، يبدأ بها إصلاح النفس، ويتحقق بها صلاح الأمة.
فالأمم لا ترتقي بالمال ولا بالعدد، بل بما تحمله من وعي ومعرفة، وكم من أمةٍ أمسكت بزمام الحضارة لأنها قرأت، وفهمت، وعملت، وقد قرن الله تعالى الرفعة بالإيمان والعلم، فقال:
{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} المجادلة: 11
فاجعل القراءة وردك اليومي، لا لأنها نافعة فحسب، بل لأنها عبادة تُقربك من مراتب الفهم والنور.
وابدأ يومك ب(اقرأ) تكن من أهل العلم، وأهل الجنة، وأهل الرفعة بإذن الله تعالى.
اللهم اجعلنا من أهل العلم، وارزقنا لذة القراءة، وبارك لنا في أعمارنا وأوقاتنا، وعلّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علّمتنا، وزدنا علمًا وهُدى.
عبدالله العلوي