مصداقية العداء الإيراني للكيان الصهيوني

4 أكتوبر 2024 650
مقال عن مصداقية العداء الإيراني للكيان الصهيوني

يصعب أن نصدق دعوى وجود انسجام كلي بين إيران والكيان الصهيوني في المنطقة، وتوافق بينهما لا تنافر، وأن كل ما نراه بينهما من حرب إعلامية عالية النغمة والحدة، تتخللها اغتيالات لقيادات إيرانية، من الوزن الثقيل، لا يعدوا إلا أن يكون شكلا من أشكال المؤامرة المحبوكة.

ويصعب أن نصدق بأن رد النظام الإيراني المحدود، عبر قواته الدفاعية، وقنواته الإخبارية، وأجهزته الاستخباراتية، ومليشياته العاملة في لبنان واليمن وسوريا والعراق، كله نوع من التضليل والتغطية للعلاقات الودية بينهما!.

ولكن في الوقت نفسه من المنطق أن نتساءل أيضا إلى أي حد تعادي إيران الصهاينة المحتلين ويعادونها، هل يعمل كل منهما لإنهاء وجود الآخر من صفحة الوجود، أم للضغط عليه والوصول إلى توازن مصلحي، يجعل من كل منهما قويا فيما يخدم استراتيجيته الأمنية، ويقوي من نفوذه السياسي؟.

وربما لا تنافق إيران الأمة، في معاداة الدولة الصهيونية، والعمل على ربك استقرارها، بيد أنها توقن تماما بتفوق الصهاينة عليها، وأنهم لا يقاتلونها إلا من وراء جُدُرٍ من التحالف القوي، على رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، وإيران لا قبل لها بهم، ومن ثم ليس خيار القضاء على دولتهم المزروعة في أوليات استراتيجيتها، وإنما سياسة الصفح الجميل، بمغازلتهم تارة، ومناكفتهم تارة أخرى، وهو الأنسب لها في تقديرها.

والذي يستمع إلى مقابلة وزير خارجية بريطانيا الأسبق، جاك استراو Jack Straw بشأن علاقة إيران بإسرائيل، يشك أن لدى إيران نوايا تدمير إسرائيل، ومحوها من الوجود، من الناحية الاستراتيجية، على المدى البعيد أو المتوسط، ويستبعد ذلك كليا، فقد أفاد أنه كشف في كتابه The English Job Understundin Iranما يؤكد عمق العلاقات التعاونية بين الدولتين، إذ قال:”إن أهم المعلومات  التي كشفتُ عنها في كتابي هذا، أنه خلال حرب إيران والعراق، بين أعوام 1980 – 1988م، كانت إسرائيل هي المورد والمزود الغربي الوحيد والموثوق للأسلحة إلى إيران، الناس لا يكادون يصدقون ذلك، ولكن أنا وثَّقتُ كل الأدلة على ذلك، وفي عام 1982 م، كان دنيس ونستون هيلي Denis Healey وزير خارجية حكومة الظل العمالية، في بريطانيا، يشكو داخل مجلس العموم البريطاني، من أن أريل شارون، وزير الدفاع الإسرائيلي، أبلغه أن دولته تجهز إيران بالأسلحة، وأنه رد على شارون بضرورة التوقف[1]“.

ويمضي استراو في شهادته قائلا: ” وإسرائيل فعلت ذلك من منطلق أن عدوها المستقبلي ليس هو إيران، وإنما العراق … والجانبان تعاونا على تدمير جزء من القوات العراقية، الإيرانيون منحو إسرائيل معلومات عن مواقع عسكرية، في غربي العراق … ثم فيما يتعلق بالمفاعل النووية في العراق، فقد زودت إيران إسرائيل بالكثير من الصور الجوية، وإسرائيل بدورها دمرت هذه المفاعل، وآية الله خامنئي وافق على هجرة الراغبين من يهود إيران إلى إسرائيل، مقابل الحصول على الأسلحة الإسرائيلية، وخمسين ألفا منهم انتقلوا للعيش في إسرائيل، وهذا أفاد الموساد لاحقا في الاستفادة من هؤلاء اليهود، في كل ما يتعلق بإيران؛ لكونهم يجيدون الفارسية [2].

وبالتأكيد أن منهم من سيكون في خدمة إيران لا محالة، ليس في سبيل تدمير إسرائيل، ولكن في سبيل حماية إيران، وتعزيز التعاون بين الدولتين، بما يخدم مصلحتيهما، بالرغم من حالات التوتر التي تشهدها علاقتهما.

وهنا من المنطق والعقلانية، تساؤل المرء: كيف يكون من يغذي الكيان الصهيوني، بطاقة بشرية، تزيد من عدد سكانه، وقوة جيشه، وتفوقه العسكري، والاقتصادي، والأمني، ويمده بكفاءات يوظفها في خدمته، هو نفسه من يعمل في تدميره، وكما هو معلوم من المقاصد السياسية للهجرة عن دار الكفر إلى دار الإسلام، إضعاف دار الكفر بتفريغها من كفاءاتها وقدراتها البشرية، وتقوية دار الإيمان بها؟!.

وأيا كانت التحليلات والمواقف المتباينة، من شهادة جاك استراو هذه، ومن تصرف إيران، في تحديد طبيعة علاقتها بالكيان الصهيوني، هل هي علاقة عداء استراتيجي، أم هي علاقة تنافس، تتخللها حالة من التنافر والتصادم تارة، وحالة من التنسيق والتعاون تارة أخرى، فإن الذي يهمنا هنا هو أن نعلم أربعة أمور مهمة، في فهم ثوابت سياسة إيران في المنطقة، وهي:

أولا: أن كل ما يهم إيران هو أن تكون هي القوة النافذة والمهيمنة في المنطقة، بقدر كبير ومؤثر، ولا أحد غيرها، وفي سبيل ذلك لا مانع لديها من التعاون مع الشيطان الأكبر، الامبريالية الأمريكية، وحلفائها الصهاينة، إن لزم ذلك، دون أن يعني هذا أنها على ود كامل معهما، لا تكدره أدنى شكوك وهواجس مخيفة، أو يعكره تنافس حقيقي.

ثانيا: أن كل العرب في حسابات إيران هم العراق، في عهد صدام حسين، هم الأمويون في عهد معاوية بن أبي سفيان، هم العثمانيون في مواجهة الصفويين، هم العروبيون في مواجهة الشعوبيين، وهم النواصب أعداء أهل البيت، في تصنيف تشيعها السبئي، هم الكافرون بدولة المهدي القائمة، وولاية فقيهه، يشكلون خطرا عليها، ويجب أن يظلوا ضعفاء مفككين، كما هم، تحت رحمتها، وتفوقها العسكري.

ثالثا: أن حركة الإخوان المسلمين، والحركة الوهابية، هما جزء من هذا النسيج، فكرا وانتماءً، يعملون لنهضته، واسترداد مجده، وكلاهما وجهان لعملة واحدة، يمثلان عدوا أيديولوجيا، للتشيع السبئي، ومفاهيمه العقدية، وتطلعاته السياسية، وأن العلاقة معهما تكتيكية، حسب مقتضيات الظروف ومتطلباتها.  

وكتبه/ الأستاذ الدكتور جلال الدين محمد صالح

٣/ ١٠ / ٢٠٢٤ م لندن


[1] – مقابلة جاك استراو مع قناة العربي، في اليوتيوب، حقيقة التعاون الإيراني الإسرائيلي ضد العراق، روجع بتاريخ 15 / 4 / 2024 م، على الرابط: https://www.youtube.com/watch?v=QuE1hDe7OPI&ab_channel

[2] – المصدر نفسه

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *