
مداخل تعريفية / منهجية:
مدخل تعريفي بالمؤلف: من حيث المسار العلمي والفكري، والمسيرة الدعوية الحركية أو محيط النموذج كما يسميه الباحث إبراهيم السكران، الشيخ فريد الأنصاري ممن رزقوا عُمُرَاً عَرِيْضَاً، بالرغم من قصر عُمُرِهِ بحساب السنيين 49) عاما) إلا أَنَّهُ كان غزير الإنتاج العلمي والأدبي، ويمكن تقسيم حياة د. فريد الأنصاري وإنتاجه العلمي وعطاءه الفكري والدعوي / الحركي إلى أربعة محاور ومسارات كما هو موضح في الجدول أدناه:
م | المسار | الكتب والمؤلفات |
1 | المحور العلمي الأكاديمي (تخصص أصول الفقه) الملاحظ أنّ د. فريد الأنصاري له اهتمامٌ خاصٌ بالإمام الشاطبي والدرس المقاصدي، مع اهتمامٍ زائدٍ بالبعد المصطلحي متأثراً فيها بشيخه د. الشاهد البوشيخي رائد الدراسات المصطلحية في الحقل الشرعي والأدبي. | الأصول والأصوليون المغاربة: بحث ببليوغرافي – مصطلحات أصولية في كتاب الموافقات المصطلح الأصولي عند الشاطبي 0 أطروحة الدكتوراةأبجديات البحث في العلوم الشرعية: محاولة في التأصيل المنهجي |
2 | محور الكتابة التزكوية: تجديد الخطاب الديني الإيماني ، وتحريك الوجدان، وإذكاء جذوة التدين ، وإعادة معايشة الشعائر بكسر الممارسة النمطية المعروفة ويعتمد في ذلك على بعدين : 1/ استحضار البعد الجمالي. 2/ مركزية الفطرة والقرآن. في هذا المحور واضحٌ جداً تأثر د. فريد الأنصاري ببديع الزمان النورسي وفكره، وواضح لمن يتتبع انتاج الأنصاري أنَّهُ من الداعين لاتخاذ موقف ايجابي من التصوف، واستثمار الجانب الايجابي من الموروث الصوفي. | جمالية الدين قناديل الصلاة: مشاهدات في منازل الجمال بلاغ الرسالة القرآنية ميثاق العهد في مسالك التعرف على الله كاشف الأحزان ومسالح الأمان مفهوم العَالِمية من الكتاب إلى الربانية سيمياء المرأة في الإسلام بين النفس والصورة سلسلة مجالس القرآن مفاتح النور في مفاهيم رسائل النور |
3 | محور العمل الإسلامي الدعوي / الحركي: التجربة العملية في الحركة الإسلامية في المغرب = حركة التوحيد والإصلاح. الحركة الاسلامية المغاربية تأثرت في الجانب العقدي / التربوي بالمنهج السلفي حيث تأثرت بشخصيات مهمة منها الشيخ أبي شعيب الدَّكالي، والإصلاحي السلفي علال الفاسي، د. تقي الدين الهلالي. كما تأثرت على المستوى الحركي بكل من الاستاذ حسن البنا والأستاذ سيد قطب وغيرهما من أعلام الحركة الإسلامية | |
4 | محور الكتابة النقدية والتأصيلية في الفكر الدعوي / الحركي: يعتبر د. فريد الأنصاري من أكثر المفكرين انتاجاً في مناقشة علاقة السياسة بالعمل الدعوي وذلك في خماسية تتعلق بالنقد والتأصيل للعمل الدعوي | التوحيد والوساطة في التربية الدعوية الفجور السياسي والحركة الإسلامية بالمغرب البيان الدعوي وظاهرة التضخم السياسي الأخطاء الستة للحركة الإسلامية بالمغرب الفطرية بعثة التجديد المقبلة |
- ولقد أثارت هذه الكتب سيما البيان الدعوي / الأخطاء الستة / الفجور السياسي ردود أفعال كبيرة في الوسط العلمي والدعوي في المغرب.
- لاحظ د. فريد الأنصاري أن الحركات ذات الميول الحركية التنظيمية تميل إلى التعصب والمبالغة في التشبث بهياكلها التنظيمية ومتونها الحركية، وفي المقابل الحركات ذات النزعة الصوفية تبالغ في الروح المريدية، تجاه مؤسسها، فحاول اشتقاق مفهوم كلي جامع يصب الفكرة فيه، فتوصل إلى تمييز مفهومي بين التوحيد والوساطة، فاستمرار حيوية ومركزية ( المنهج النبوي ) مع الاستفادة من الوسائل يكون نتاجه = تربية توحيدية، وأما تجاوز الوسائل لحدودها والتعصب لها والتشبث بها = على مستوى الأشخاص , والحركات , والكتب فلاشك أنَّ نتاجه يعبر عن = التربية الوساطية.
- كتاب التوحيد والواسطة هو أول كتاب في مشروع النقد والتأصيل للفكر الدعوي الذي بناه د. فريد في خماسيته آنفة الذكر.
- قد لا نتفق مع كل مخرجات هذه الخماسية سيما مع لغتها الحادة الصارمة، وما فيها من تعميمية الأحكام على الحركات السياسية عامة والتجربة المغربية خاصة، ولكن يبقى الإطار التأسيسي لمشروع د. فريد الأنصاري مهم للغاية، وقائم على أساس علمي وبعد مقاصدي متين.
ملاحظة:
استفدت كثيرا في هذه الخلاصات مما ذكره الباحث السعودي الأستاذ إبراهيم السكران في كتابه الماجريات=( 225 -312)
تمهيد وتقديم:
- مجموعة من أمراض العمل الإسلامي مرجعها إلى اختلال في المسألة التربوية من حيث التصور أو الممارسة أو منهما معاً.
- التربية هي الإطار الأساس لصناعة القيادات والكوادر في العمل الدعوي، وهي صمام الأمان الذي يضبط مسيرة العمل الدعوي اصطفاءً واستيعاباً، ثُمَّ ترقيةً وتزكيةً ، ثُمَّ تخريجاً وتأهيلاً.
- الكتاب محاولةٌ لدراسة أصول التربية الإسلامية وتحديد منطلقاته وأصوله، وضبط قواعده ومقاصده، وكيفيات تنزيل مقتضياته العملية.
- الاعتماد في هذا التأصيل والتأسيس إنَّما هو على القرآن الكريم والسنة والسيرة النبوية.
- محاولة استقراء التصورات والممارسات المندرجة في فقه التربية عبر أجيال الأمة الإسلامية استقراءً نقدياً = مع التركيز على أعلام الفكر التربوي، وأهم مدارسه القديمة والحديثة مع تبين التشكل التربوي الاجتهادي.
- بالرغم من كثرة التصورات والمناهج التربوية المقترحة والممارسة إلا أنَّها لا تخرج عن اتجاهين تربويين:
- اتجاه توحيدي: يسعى إلى الربط المباشر بالله عزوجل عبر مفاهيم الوحي.
- اتجاه وساطي: قائم على أساس وجود الوسيط التربوي = شيخ في مدرسة سلوكية صوفية، شيخ في مدرسة فكرية عقلية.
التحديد المصطلحي: يدور هذا البحث على ثلاثة مصطلحات مركزية وهي:
م | المصطلح | الدلالات اللغوية | الدلالات الاصطلاحية |
1 | التربية | مادة ربب: ترجع إلى معاني النمو الإنماء والعلو والكثرة والجمع والسيادة، وهذه كلها أصل واحد يدل على الإنماء يقول الراغب الأصفهاني: (الرب في الأصل التربية: وهو إنشاء الشيء حالاً فحالاً، إلى حدِّ التمام يقال: ربَّه، وربَّاه، وربَّبه) | في التداول الاصطلاحي الدعوي: تعهد الفرد المسلم بالتكوين المنتظم، بما يرقيه في مراتب التدين، تصوراً وممارسة ً |
2 | التوحيد | مادة وحد: في اللغة تدور على معنى الانفراد والافراد | في سياق الاصطلاح العقدي: هو إفراد الله تعالى في ربوبيته، وألوهيته، وإثبات صفاته |
3 | الوساطة | مادة وسط: تدل على الشيء الواقع بين طرفين، والوساطة مصدر الفعل وسط | التربية الوساطية= ترقية الفرد في مراتب التدين لا من خلال النصوص الشرعية، ولكن من خلال ذات الوسيط. |
- التربية بهذا المعنى عملية شمولية معقدة ترتبط بالتدين وتتجاوز فيه اختزال مفهوم العبادة والتعبد وحصره في الجانب الشعائري والعبادات المحضة، ليشمل المعاملات والعادات، وصولاً إلى تمثل الإسلام في الحياة البشرية، وعدم قصر معنى التربية على جانب التزكية الروحية فقط.
- التربية التوحيدية = عملية تقوم على جعل التوحيد العقدي، شعوراً حاضراً عند المتدين، فهماً وتنزيلاً، فالفهم لا يكون إلا عن الله وكما أراد الله، والعمل لا يكون إلا كما أمر الله، ولا يقصد به غير وجه الله تعالى.
- التربية المبنية على أساس التوحيد = هي ترقية الفرد المسلم في مراتب التدين من خلال تعميق التزامه بمبادئ الإسلام ومقتضياته العملية، وتكون النصوص الشرعية بذاتها هي مادة التربية الأساسية، ويكون المتربي حينئذِ متعلقاً قلبه وعقله بالله وحده = وهذا هو عين التوحيد دون الحاجة إلى وسيطٍ تربويٍّ.
- الوساطة في المجال التربوي الإسلامي نوعان:
- الوساطة الروحية: التربية القائمة على أساس الوسيط الروحي= (الشيخ الكامل / القطب الرباني) الذي يتدين المريدون على أوراده وأحواله.
- الوساطة الفكرية: التربية القائمة على أساس الوسيط الفكري=
(المفكر / الأستاذ) فهماً للدين وتنزيلاً، تقليداً يقوم على التقديس الشعوري واللاشعوري.
التربية الدعوية بين التوحيد والوساطة: التوحيد والوساطة مقارنات ومقابلات

المقارنة | التربية التوحيدية | التربية الوساطية |
المصدرية والمرجعية | مادته التربوية تقوم على الكتاب والسنة النبوية بقواعد فهمهما وتفسيرهما = عمق التأثير ودوامه | مادته التربوية تعتمد على الفكر البشري باعتباره المنبع الأول سواء كان ذوقاً صوفياً أو فهماً عقلياً، والنصوص الشرعية في نسقها القرآني أو الحديثي لا تقدم إلى المتربي إلا عبر فهم الوسيط التربوي = محدودية التأثير |
المربي والوسيط | المربي = هو الذي يقوم بتنمية الفرد وترقيته في مراتب التدين، والتشكيل البنيوي لشخصيته على أساس التجرد والاستقلال | الوسيط: الذي يعطيك المفاهيم الجاهزة من كتبه أو أوراده أو أحواله دون أن يكون لك فرصة في التفكير والنقد والمراجعة |
التكوين والتلقين | تنتج العقلية المبادرة والقيادية تنتج عقلاً منهجياًتنتج طاقات مختلفة باختلاف المواهب الذاتية والمؤهلات الفطرية | تنتج عقلية استهلاكية اتكاليةتنتج عقلاً يفتقر إلى أسياسيات التفكير المنهجي ومبادئ العقل العلمي لا تراعي الفوارق النفسية والتخصصات الجبلية، وتطبع الجميع بطابع واحد |
- لابد من اعتماد منابع أخرى تساعد على فهم النصوص الشرعية، وفهم النفس البشرية ولكن ليس باعتبارها مصادر إنِّما باعتبارها مراجعَ تساعد على تنزيل الحقائق الإسلامية المستفادة من النصوص الشرعية في النفس والمجتمع.
- في حالة التربية القائمة على المرجعية لا المصدرية الانتاج التربوي لا يكون مضموناً من حيث الاستمرار وعمق التأثير وذلك لأن الفرد المرتبط بالمفاهيم الإسلامية في نسقها المصدري تعتبر لبنات في تكوين شخصيته عميقة في تكوينها وتأثيرها، وأما عداها فهي مساعدة تفيد في التأسي والاتعاظ الدافع إلى التزام النصوص = المصادر الحقيقية للتربية، بينما الاقتصار على المصادر المرجعية يعني الربط بمصادر بشرية نسبية غير ثابتة محتملة للخطأ والصواب، ومحتملة للتغير السلبي = التحلل من التزام الإسلامي كلياً أو جزئياً.
- عدم ضمان سلامة السير في طريق الالتزام فهماً وتنزيلاً في التربية المرجعية لا تسلم من الفهم والتنزيل التجزيئيين بخلاف التربية المصدرية ذات النسق الكلي الشمولي.
- التأكيد على المصدرية والتذكير بها لا يعني إلغاء المراجع التي هي فهوم النَّاس للتدين تصوراً وممارسةً، ولكنها تعني الإبقاء عليها في إطارها في سياقها المرجعي.
- ذكر المؤلف كتب الأستاذ سيد قطب سيما كتابه معالم في الطريق = نموذجا للوساطة الفكرية، وكتب الأستاذ سعيد حوى نموذجاً للوساطة الروحية.
المربي في التربية التوحيدية =عبارة عن أداة اجرائية بالقصد الأصلي، تساعد على تنزيل العملية التربوية على أحسن حالٍ، في القرآن الكريم نجد فعل الأمر ( قُلْ ) إذا كان الأمر متعلق بمسألةٍ تعليمية يرتبط فيها وجود المعلم الشارح، ولكن إذا ارتبط الأمر بمسألة تربوية تعبدية حذف شخص النبي صلى الله عليه وسلم، ووجب الربط المباشر بالله (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) .
- فالمربي هنا موجود بالقصد التبعي لا بالقصد الأصلي، لأنَّ السياق يقصد بالأصالة ربط العباد بربهم ربطاً مباشراً، ووجود المربي خادم للقصد الأصلي لا هادماً له، متمم ومكمل له وفي هذا السياق يمكن إيراد القاعدة المقاصدية عند الشاطبي (كُلُّ تكملةٍ فلها من حيث هي تكملة شرط، وهو ألّا يعود اعتبارها على الأصل بالإبطال).
- كذلك يختلف المربي عن الوسيط في منهج الاستيعاب الخارجي، فالمربي يستقطب على أساس المبادئ والبرامج لا على أساس الأسماء والرموز.
- العَالِمية ليست مطلباً للبرامج التربوية، ولكن المطلوب هو العِلْمية والتفكير المنهجي لأنَّها ليست حكراً على العلماء والمثقفين.
المدرسة النبوية: نموذج التربية التوحيدية
- نزل القرآن في مكة على مدى ثلاث عشرة سنة مؤسساً لعقيدة التوحيد، ومدبراً لحركة الدعوة على محورها , تأسيساً للجماعة الإسلامية الأولى استيعابا وتربية على عقيدة
( لا إله إلا الله ) بكُلِّ دلالاتها التصورية والسلوكية .
- العهد المدني في الحقيقة ليس إلا استمراراً للمنهج العقدي التوحيدي بالرغم من الطابع التشريعي للسور المدنية , وبالرغم من استجابة القرآن لحاجيات المجتمع الجديد التشريعية , فإنَ العمق التربوي للخطاب القرآني لم يتغير من حيثُ المقاصد رغم تغير الوسائل .

الخصائص التوحيدية للتربية النبوية
- دأب الرسول صلى الله عليه وسلم على ترسيخ الارتباط بالقرآن = المصدرية القرآنية باعتباره ً مصدراً وحيداً للتربية .
- حضور النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن إلا حضور المربي الذي يعمق الاتجاه التوحيدي , ولم يكن حضور الوسيط الذي يعلق النَّاس بشخصه = ( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم , فإنَّما أنا عبد فقولوا اعبد الله ورسوله ) .
- اعتماد التربية على منهجية التكوين دون منهجية التلقين وشواهده متواترة المعنى , حيث كان عليه السلام يوجه الصحابة إلى اكتشاف قدراتهم الذاتية ومواهبهم الفطرية
( اعملوا فكلٌّ ميسٌر لما خُلِقَ له ) , محارب للعقلية لاستهلاكية التواكلية حيث كان يقر أصحابه على الاجتهاد كما في حادثة بني قريظة ( لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة )
- استخدام أسلوب السؤال فإن أجابوا يقرهم إذا أصابوا , ويصحح لهم إن أخطأوا وفي ذلك تدريب على التفكير والاستقلال العقلي والفهم ولاستنباط .
- مراعاة الخصائص الذاتية والفروق الشخصية والمواهب والقدرات لذا تختلف الإجابة على سؤال ( أيُّ الأعمال أفضل ؟ ) .
المراحل المنهجية للتربية النبوية :

م | المرحلة | المميزات |
1 | المرحلة الأرقمية = الاعتماد على أسلوب الجلسة | المرحلة الأرقمية تعبر عن المنهج التربوي النبوي مع الجيل الأول الصحابة وهي تعنى بصناعة القيادات وتشكيلها على منتهى صفتي القوة والأمانة .المادة التربوية المعتمدة في هذه الفترة هي القرآن المكي = القائم على كليات ابتدائية وعزائم التكليف .كان الأرقميون من الصحابة هم القادة والعلماء هم القدوة العظمى في أهل الشريعة , بينما الأنصار كانت لهم الجندية والاتباع في الغالب الأعم = مستوى المساعدة والوزارة .كان القرآن هو المادة التربوية للاستيعاب الداخلي والخارجي .الاعتماد على الاصطفائية والتتبع الدقيق على مستوى الأفراد . |
2 | المرحلة المنبرية = الاعتماد على أسلوب الخطبة ولو في غير الجمعة أو إشارات خطابية من غير خطب ( جوامع الكلم ) | المرحلة المنبرية هو المنهج الذي يقصد به صناعة الرأي الإسلامي العام دون القصد إلى تخريج الطاقات القيادية .التربية المنبرية تربية توحيدية في جوهرها تقوم على القرآن , ومايفسره ويبينه النبي صلى الله عليه وسلم = خطاب عام على المنبر .الجمع بين التربية الأرقمية للقلائل الذين تبينت ملامحهم القيادية , والخطاب العام المنبري الساعي إلى تشكيل الرأي العام الشعبي .خطاب عام مطلق يهدف إلى تصحيح الخطأ , أو إبلاغ المفهوم الصحيح إلى عموم الناس لتصحيح السلوك الاجتماعي العام . |
3 | المرحلة العِلْمِية = القائمة على العلم والتعليم ( مفهوم التبليغ ) | التربية في هذه المرحلة تقوم على تبليغ النصوص قرآناً وسنةً , فصارت عملية تبليغ نصوص الدين , وتربية الناس عليها تسمى = علما .مفهوم العلم لا يقتصر على نقل النصوص فقط ولكن يتعداه إلى فقهها وفهمها , فالعلم في هذه المرحلة ينحصر في القرآن والسنة والفقه منهما دون الرأي المحض .اقتران مفهوم العلم بالعمل = الذي له ثمرة تربوية .العلم تعلماً وتعليماً قضية أساسية في المنهجية الإسلامية لأنَّهُ المنهج الأضبط لاستمرارية التدين السليم في الفكر والتصور ,وفي العمل والسلوك . |
- عرف المنهج التوحيدي في زمان النبوة تجليات مختلفة , حسب مراحل الدعوة , فالمرحلة المكية تختلف عن المدنية , والمرحلة المدنية الأولى تختلف عن المرحلة المدنية الثانية = ولكن المنهج التربوي النبوي واحدٌ غير متعدد , لكنه اتخذ أشكالاً مختلفة من حيثُ التنزيل .
- للإمام الشاطبي في بيان سمات المرحلة المكية كلامٌ نفيسٌ عالٍ ( وهذا كلُّه ظاهرٌ لمن نظر في الأحكام المكية , مع الأحكام المدنية .فإنَّ الأحكام المكية مبنية على الإنصاف من النَّفس , وبذل المجهود في الامتثال , بالنسبة لحقوق الله أو حقوق الآدميين , أما الأحكام المدنية فمُنزلة في الغالب على وقائع , لم تكن فيما تقدم , من بعض المنازعات والمشاحَّات , والرخص والتخفيفات , وتقرير العقوبات في الجزئيات لا الكليات , فإنَّ الكليات كانت مقررة محكمة في مكة ) .
ثم قال ( كان المسلمون قبل الهجرة , آخذين بمقتضى التنزيل المكي , على ما أدَّاهم إليه اجتهادهم , واحتياطهم , فسبقوا غاية السبق , حتى سموا السابقين باطلاقٍ , ثُمَّ لما هاجروا إلى المدينة , ولحقهم في ذلك السبق من شاء من الأنصار , وكملت لهم بها شعب الإيمان ومكارم الأخلاق , وصادفوا ذلك وقد رسخت في أصولها أقدامهم فكانت المتممات أسهل عليهم , فصاروا بذلك نوراً, حتى نزل مدحهم والثناء عليهم , في مواضع من كتاب الله , وجعلهم في الدين أئمة , فكانوا القدوة العظمى في أهل الشريعة ).
- في أواخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم حصل تراكمٌ من جهتين :
- تراكم النصوص القرآنية والحديثية , مما يجعل استثمار النصوص وتنزيلها على الواقع , يزداد عمقاً وتعقيداً ويحتاج بصيرة واجتهاداً, فهنالك القرآن المكي والمدني , والناسخ والمنسوخ من القرآن والسنة معاً , والتفصيلات السنية المبينة لمجملات القرآن ….. الخ
- تراكم الأفواج البشرية التي دخلت الإسلام بعد الفتح مما يجعل الاستيعاب التربوي عبر المنهج الأرقمي والمنبري غير ممكن .
- هذه التراكمات استدعت تغيير الشكل التنزيلي للمنهج التوحيدي , فأغلب النَّاس لم تتح لهم الفرصة للتربية على المنهجين السابقين فشرع النبي صلى الله عليهم ينتدب فقهاء الصحابة لتعليم الناس الإسلام نصاً وفقهاً .
- كان المنهج التربوي توحيدياً , في كل مراحله الثلاث فلم يتعد مصدريته , أي كتاب الله وبيانه النبوي , فالقرآن كان هو الينبوع الصافي الذي لم يَشُبْهُ توجيه فلسفي , ولا قصص اسرائيلي , ولا حِكَم هندية أو اغريقية , به تربى صلى الله عليه وسلم وعليه ربَّى أصحابه , سواء أكان مُؤسِسَاُ للنُخبة الأولى بدار الأرقم , أم صانعاً للجندية الأنصارية منبر المدينة , أم معلماً للآفاق فقه الدين والتدين , عبر رسله وتلامذته .
تطور المنهج التربوي النبوي بعد وفاته صلى الله عليه وسلم :
- تحمل الصحابة المسؤولية التربوية وتنزيل المضمون التوحيدي للتربية في الإطار التعليمي على العموم , وع مراعاة الأهداف والوسائل الأرقمية والمنبرية , قال الحسن البصري ( أدركنا الصدر الأول , يعلمون صغيرنا وكبيرنا , بَرَّنا وفاجرنا , وصالحنا وطالحنا , ونحن نريد أن نؤديه كذلك ) .
- استمر هذا المنهج التربوي التوحيدي في القرون الثلاثة , ثم بدأت المناهج الوساطية الناتجة من دخول الثقافات الأجنبية تزاحم المصدرية القرآنية والحديثية .
- حمل التابعون = تلاميذ الصحابة راية التربية التوحيدية , وبقي مفهوم العلم حصراً على النصوص الشرعية وفقهها في عصر التابعين واتباعهم , وفي أواخر هذه المرحلة بدأت تتبلور المعاني الجديدة للمصطلحات العلمية والقواعد والمناهج .
- كان العلم حينئذ يخدم عدة أغراض :
- وسيلة لنقل نصوص الدين
- وسيلة لتكوين المتدينين
- وسيلة لانتاج الدعاة إلى التدين
- المنهج الفقهي في هذه المرحلة كان قائماً على المنهج التوحيدي وبعيد عن المنهج الوساطي = فهي مرحلة الانتاج والإبداع والتجديد , قائم على النص الشرعي وكل ما يذكر عنهم من قياس أو غيره , إنَّما هي مناهج لا مصادر حقيقية , مهمتها توسيع دائرة الخطاب الشرعي , ليشمل ما ليس ظاهراً فيه , وإن كان يشمله ضمناً .
- التأكيد على توحيدية المنهج التديني عند فقهاء الأمصار تعلماً وتعليماً , واستنباطاً وإفتاءً, ولذلك قرر الإمام الغزالي = بعد وحدانية المصدرية القرآنية , مُبْعِداً مصدرية العقل = الذي هو مرجع منهجي فحسب ( وأما العقل فلا يدل على الأحكام الشرعية ……. فتسمية العقل أصلاً تجوُّزٌ ) .
- لزوم التدين على منهج القرون الثلاثة المشهود لها بالخيرية = الفترة الذهبية التي فيه تأسس المنهج التربوي التوحيدي , وفيها تطور عبر مراحله , وفيها طبق أحسن تطبيق , فكان من نتائجه تخرج أفضل الأجيال الإسلامية على الاطلاق .
نماذج التربية الوساطية :
مدخل :
- القرن الثالث الهجري كان بداية دخول الثقافات الأجنبية المنافسة للثقافة الإسلامية , حيثُ نشطتْ حركة الترجمة لنقل كتب المنطق والفلسفة اليونانية , مما أدى إلى ظهور وساطات فكرية وعقدية في فهم الإسلام , حيث ظهرت بدعة المساواة بين الحقيقة القرآنية والحقيقة الفلسفية , فشرع الفلاسفة الإسلاميون في بناء المشروع التلفيقي بين الدين والفلسفة .
- أول فليسوف مشاء كان هو = أبو يوسف الكندي 260هجرية .
- تأثرت العلوم الإسلامية بالثقافة المنطقية اليونانية كعلم العقائد ( الكلام ) , وعلم أصول الفقه , مما كان له أثر في انحراف التدين الشعبي , إلا أنَّ السيطرة الواسعة للمنهج الوساطي لم يكن إلا في ابتداء القرن الرابع .
- صارت المناهج الوساطية هي التي تقود تدين الجماهير تصوراً وممارسةً, وصار التفكير التربوي مرتبطاً بالوسائط الفكرية والروحية على السواء , وتقوى المنهج الفلسفي مع أبي نصر الفارابي 339هجرية ’ فالتدين صار من الناحية العقدية يؤخذ عبر وسائط العقائد الكلامية , معتزلية كانت أو أشعرية أو غيرها , ولم يبقى الاستمداد المباشر من القرآن والسنة في عرضهما البسيط للعقيدة الإسلامية , إنَّما صار التكلف في التصورات الفقهية هو المسيطر على التدين العام , سيما بعد تبني الكثير من الفقهاء للعقيدة الأشعرية .
- صارت الأمة في القرن الرابع الهجري لا تتدين على مستوى الجمهور إلا عبر الوساطات الفكرية والروحية , واستمر الأمر على هذا الحال من القرن الرابع إلى القرن السادس .

الوساطة الفكرية | المدرسة الكلامية | لم يكن الاعتقاد زمن الصحابة والتابعين يتعمق في استمداد أصوله إلى درجة التأويل المعقد , إنَّما يقفون على المقتضى البسيط للنصوص دون تكلف ولا تعسف في الفهم .انتشر علم الكلام في الأمة فصار الاعتقاد يخضع للقناة المذهبية , ذات السلطة الوساطية التأويلية .المدرسة المعتزلية اعتمدت الأصول الخمسة مقاييس لفهم العقيدة , وتأويل النصوص القرآنية على وفقها , وترد الأحاديث أو تقبل بناء مناسبتها لها أو عدم مناسبتها , إلا أنَّ المذهب المعتزلي لم ينتشر شعبياً , وبقي محصوراً بين بعض العلماء , لمخالفة أئمة السف لهم .وضع أبو الحسن الأشعري مذهبه وتحالف معه الكثير من الفقهاء , مما أدى إلى انتشار المذهب الأشعري على المستوى الشعبي , وصارت له السيطرة والغلبة .تبني الأشعري لعلم الكلام القائم على الوساطة العقدية غير موقف بعض الفقهاء من الرفض المطلق إلى القبول المطلق , والسقوط في فخ الوساطة الاعتقادية .الفكر الأشعري في عصور الانحطاط صار أقرب إلى الخرافية منه إلى الاعتقاد السليم = وتأثير ذلك على تشكيل العقل المسلم القائم على التسليم المطلق لمقولات الفكر الأشعري, وصناعة عقلية استهلاكية للمقولات العقدية الجاهزة .الأشاعرة الأوائل كاموا بمثابة وسائط في المجال الكلامي من حيث التأثير الشخصاني على النص من جهة التأويل , وعلى الناس من جهة التقليد . |
المدرسة الفقهية | الوساطة الفقهية أدت إلى القطيعة المصدرية بين النّاس وبين القرآن والسنة , ونشأت سدودٌ بين الأمة وبين نصوص الشريعة , وأصبحت الشريعة هي نصوص الفقهاء وأقوالهم .الفقه الإسلامي يعتبر مادة التدين الإسلامي , من أكثر العلوم الإسلامية حضوراَ في المجال التربوي = إما أن يكون فقه اجتهادٍ يربط الناس بالقرآن والسنة استدلالاً واستنباطاً وإفتاءً , وإما أن يكون فقه تقليدٍ يربط الناس بأقوال الرجال ويضعها موضع النصوص . | |
الوساطة الروحية = التصوف الطرقي | تفرغ قومٌ من الزهاد للعبادة في القرن الثالث الهجري , ونطقوا في دقائق الأحاسيس الروحية بإشاراتٍ , وخطُوا فيها لطائف العبارات , حتى تميزوا يذلك وعرفوا به لدى الخاص والعام .لقي هذا النوع من الزهد نقداً من بعض الفقهاء , بسبب اختزالهم لمفهوم العبادة الشامل والكلي = كانوا هم الخطوة التمهيدية للانحراف الروحي حيث تبنى تلاميذهم منهج الوساطة الروحية .القرن الرابع هو بداية الانحراف الوساطي عبر تبني مفهوم القطبية .منطق الوساطة الروحية , يجزم أنَّ المريد لا يمكنه الوصول إلى مقامات الإحسان إلا عبر ذات الشيخ الكامل , ويستلهم قصة موسى عليه السلام مع الخضر = ويبنى عليها أنَّ المريد لا يراجع شيخه ولاينتقده ولا ينكر عليه زلة ولا خطأ . |
نموذج الوساطة الفقهية
- قدم د. فريد الأنصاري – رحمه الله – نموذجاً للوساطة الفقهية كتاب شرح حدود ابن عرفة -803 هجرية – للشيخ أبي محمد الأنصاري المشهور بالرصاع التونسي -894 هجرية – , والنص من القرن التاسع الهجري = وهي مرحلة التقليد المركب للمنهج الوساطي .
- أدار التمثيل بهذا النموذج للدلالة على المنهج الوساطي الفقهي على اعتبارين :
- الاعتبار الأول = تقديم الوسيط وهو الشيخ ابن عرفة الفقيه المالكي , حيث انتقد المبالغة في المدح والإطراء للمصنف , وإغلاق باب معارضة كلام المؤلف ومن فعل ذلك فهو ضعيف عقل , وخبيث سريرة ,وكبير جهل , وغاية يفعله ( المبرز من فقهاء الزمان ) = أن يفك رموزها , ويفهم إشاراتها .
- الاعتبار الثاني = تقديم المنهج الوساطي للمضمون الفقهي : يتبين فيه كيف يستدل المقلد بأقوال ابن القاسم , وسحنون , وخليل وغيرهم , والأغرب – يستخرج العِلَل من أقوالهم وأحكامهم ليقيس عليها ! ومعلومً أنَّ ذلك إنَّما هو خاصية النص القرآني أو الحديثي , وضرب لذلك نماذج من الكتاب .
التربية الوساطية في فكر أبي حامد الغزالي :

المشروع الإصلاحي الشامل للإمام الغزالي
- المشروع الروحي لأبي حامد الغزالي يقوم على مفهوم الإحياء = إحياء التدين والتعبد , وإحياء الأخلاق الإسلامية الفردية والجماعية , وعماد هذا المشروع كتابه ( إحياء علوم الدين ) , ويدخل في هذا كل ما كتبه في مجال الأخلاق والتصوف .
- المشروع العقلي =إعادة تشكيل المنهج العقلي والذي تمثل في كتابه المستصفى , وذلك بنقض المناهج الفلسفية وإقرار المنهج الأصولي , وهو مشروع حاول فيهالغزالي تصفية ( المشارب المنهجية ) , وإرجاعها إلى أصلٍ واحدٍ ووحيدٍ هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم . وكتبه العقلية الأخرى هي مكملة لذا المشروع , سلباً أو ايجاباً , سلباً بنقض ما كان يراد له أن يكون بدلاً عن المنهج العقلاني الإسلامي ( تهافت الفلاسفة ) نموذجاً .
وايجاباً الكتب التي تكمل مشروع المستصفى = ( المنخول ) وكتاب ( شفاء العليل ) .
- بالرغم من شمولية المنهج الإصلاحي عند الغزالي , إلا أنَّهُ لم يكن متوزاناً من الناحية العملية ولا التصورية , بسبب ترجيح كِفَّة الجانب الروحي على كِفَّة الإصلاح العقلي ترجيحاً كبيراً = جعل التصوف هو جوهر الإسلام , وغايته النهائية .
- الغزالي بشخصيته القوية الجامعة , وجاذبيته المؤثرة , والحاجة إلى إحياءٍ وعودةٍ بسبب الجفاف الذي أحدثه جفاف العلوم العقلية الفلسفية , التي طغتْ وانتشرتٍ في القرن الرابع والخامس كانت حافزاً للعودة للتربية الروحية إلا أنَّ العودة كانت ردَّ فعلٍ مفرطاً, فوقع الافراط في مقدار ومنهج العودة والإحياء , مما أدى إلى القول بفردانية التصوف , وأنَّهُ أصوب الطرق على الاطلاق .
- تأثير الغزالي يتضح من متابعته في تبني العقيدة الأشعرية , واعتماد التصوف كأسلوبٍ للتربية , ومنهجٍ للتدين , ومن بعد الغزالي تعددتْ طرق التصوف وطرائقه , مع المحافظة على فكرة القطبية والبدلية التي تقبلها الغزالي , وكانت أحد مصادر المعرفة الروحية عنده .
- تطور السلوك الصوفي ابتداءً من القرن السادس إلى ما يسمى = بالتصوف الجمعي أو الطرقي , ونشأتْ الطرق الصوفية , وتميزت كُلُّ طريقةٍ بخصوصيات في منهج الذكر , وأشكال السماع الأوراد ومواعيدها , فصار التصوف مدارس جماعية , ذات نظامٍ سُلطويٍ هَرَمِي الشكل ابتداءً من القطب أو الغوث , ثم الأبدال , ثُمَّ الشيخ , فالمقدمين .
- اختلفت~ مواقف العلماء النُّقاد من التصوف فمنهم من اتخذ موقفاً ارجائياً استسلامياً كما هو الحال عند عبد الرحمن بن خلدون 808هجرية , الذي حاول أن يسلك سلوكاً اعتذارياً في توجيه شطحات شيوخ التصوف , بينما اتخذ عددٌ من العلماء أصحاب المنهج التوحيدي = موقف الانكار والنقد لذلك السلوك الصوفي الوساطي منهم :
- الإمام العز بن عبد السلام 660 هجرية له قصيدة مطولة في انكار الوساطة الطرقية وتسفيهها .
- شيخ الإسلام ابن تيمية 728 هجرية = الذي كانت له فتاوه الشهيرة المليئة بنقد شتى أنواع الوساطات الفكرية والروحية , واشتهر بدعوته إلى المصدرية الحقيقية للتدين .
- الإمام أبو إسحاق الشاطبي = كتابه الاعتصام فيه إبطالٌ ودحضٌ لدعاوى المدارس الطرقية , وما تعتقده من وساطة روحية .
م | المفهوم / المصطلح | الدلات الاصطلاحية |
1 | الشيخ | رأس الطرقية , والموجه الوحيد في العملية التربوية |
2 | المريد | التلميذ المتربي , والمبتدئ في السلو ك إلى الله |
3 | السند الروحي | سلسلة الشيوخ المتصلة التي تشكل مرجعية الشيخ , ومشروعية الوراثة لأسرار الطريقة والتربية |
4 | الصحبة | ضرورة الدخول تحت هيمنة الشيخ و والسير تحت عينه والتوجه بواسطة إلهاماته وفراسته |
5 | الوِرْدُ | مجموعة الأذكار التي وضعها الشيخ |
6 | الإلهام والرؤيا | جعل الإلهام والرؤية مصدرأً للتوجيه والتشريع , ومن لوازمها الزيارة |
7 | الإذن | الإذن بالأذكار , أو النيابة عن الشيخ في التربية وأخذ العهد |

النظام المفاهيمي في المنهج الوساطي الروحي ويقوم على مفهوم مركزي هو مفهوم المشيخة والقطبية
المدرسة التأصيلية والدعوة إلى التوحيد :

تمهيد :
الانحراف الذي حدث في منهج التربية والتدين عند الأمة , في القرن الرابع وترسخ في القرن الخامس , وأدى إلى نجاح منهج الوساطة بشقيه الفكري والروحي , وتوجيه التدين الجماهيري , وكان فيه الإمام الغزالي يمثل رأساً لهذا التوجه الفكري / الروحي , أدى إلى ردود أفعالٍ إيجابيةٍ للمنهج التوحيدي = كان الهم الأكبر فيه هو الاتجاه نحو التأصيل لكُلِّ شكلٍ من أشكالِ التدين , نظراً لأنَّ الخرق الذي دخلتْ منه الوساطة على الأمة = هو إعطاء المرجعية الاجتهادية في الاعتقاد والسلوك , قوةَ المصدرية التي ليستْ لغير النص الشرعي .
ابن الجوزي صاحب المصنفات الكثيرة في المجال التربوي , ضمَّن أفكاره التوحيدية مركزة في كتابه الشهير = تلبيس إبليس , فحاول أن ينقل النَّاسَ برفقٍ من التدين الوساطي إلى التدين التوحيدي , ثم محاكمة الأقوال والأفعال إلى نصوص الشريعة التي هي المصدر الأوحد للتعبد دون سواها .فحارب بقوة مظاهر الوساطة , وشتى أشكال الوسطاء , ونزع المشروعية من الوسطاء باعتبارهم مصادر للتدين , مع التأكيد على أنَّ المصدرية المطلقة إنَّما هي للدليل أو النص الشرعي .وبيان قيمة العقل والاستقلال به عن التقليد , مع التأكيد على أنَّ الحاكم على جميع العقول هو كتاب الله , وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , فلا مجال لرأيٍ في مجال التدين ليس له أصلٌ منهما = كذلك لم يغفل ابن الجوزي عن الوساطة الفكرية في صورتها العقدية والفقهية .كان ابن الجوزي رأساً لحركةٍ تصحيحيةٍ , لما تقرر من وساطات القرن الرابع والخامس , وتأصيلية لما ينبغي أن تكون عليه الأمة في تدينها وتسير عليه في تربيتها اعتقاداً , وفقهاً , وسلوكاً. |
نموذج الإمام عبد الرحمن ابن الجوزي = 596 هجرية

نموذج شيخ الإسلام ابن تيمية 727 هجرية
- شيخ الإسلام ابن تيمية دخل في معركة متعددة الجبهات , وحارب على مختلف الجبهات دفاعاً عن مصدرية القرآن والسنة , ودحضاً لكُلِّ وساطةٍ مهما كان شكلها , وصاحبها , مما ألب عليه خصومه من المذاهب , والطرق , وسلطان زمانه .
- ترك لنا تراثاً ضخماً يؤصل فيه للمنهج التوحيدي في مجال التدين والتربية , شكل مادة مرجعية مهمة للحركات الإصلاحية التي جاءتْ بعدُ .
- مشروع شيخ الإسلام ابن تيمية يقوم على ( فهم حقيقة الدين الإسلامي , وتجريده عن زوائد الابتداع , وإخلاص الدعوة للتوحيد الحق , وترك المغالاة في تعظيم المخلوق , كي لا يلحق بالخالق ……. واستقلال الفكر في فهم الشريعة من كتاب ٍ وسنةٍ وقياسٍ واتباع السلف ونبذ المحدثات …..على أن تدور سائر كتبه , وهذا ما كان عليه السلف الصالح ) .
- حارب ابن تيمية كُلَّ أشكال الوساطات , وكان اهتمامه بالعقيدة , باعتبارها أساس التعبد غالباً , فحارب الوساطة الكلامية , بدءاً بالمفاهيم والمصطلحات , وانتهاءً بالمناهج والأحكام , ولمَّا كانت العقيدة الأشعرية = عقيدة التدين الجماهيري في عصره , حاول نزع القداسة عنها , وبيان وجه التمايز بين العقيدة الأشعرية , والعقيدة السلفية . مع الإقرار بالقرب النسبي التصورات الأشعرية إلى السنة .
- لم يكتفِ ببيان فساد المنظومة الكلامية في الاعتقاد من الناحية المبدئية بل بيَّن سلبيتها من حيث آثارها التربوية في إصلاح تدين النَّاس , وترسيخ إيمانهم .
- تصدى إلى مظاهر الوساطة الروحية في الأمة , ومحارباً اشتراط الوسطاء في السلوك إلى الله والتعبد بناءً على مصادر وهمية ٍ لا تحتكم إلى نَّصٍ معلومٍ كواردات الأذواق , وشطحات الأحوال و ومظاهر التدين الفلسفي من مقولات المتصوفة .
- انكر مصدرية الوساطة الروحية , واعتماد الأذواق مادةً للتدين والتعبد أو الذكر , ولكنه لم يكن ينكر على المتصوفة طلبهم الوصول إلى أعلى المقامات الإيمانية , ولا حبهم للزهد والعبادة , وإنّما كان يشترط أن يكون ذلك من مشكاة القرآن والسنة , أو بعبارة أخرى أن يأخذوا مسلك التدين والتربية على المنهج التوحيدي والارتباط المباشر بنصوص الإسلام , لا عبر المنهج الوساطي والأشياخ .
نموذج الإمام الشاطبي 790 هجرية
- الإمام الشاطبي صاحب المقاصد = النظرية الأصولية ذات البعد التربوي , كان الشاطبي متأثراً بالغزالي في مشروعه الأصولي , يحيلُ إليه في كثيراً في كتاب الموافقات , إلا أنَّهُ لم يكن مقلداً بل كان مشروعه عملاً نقدياً لمشروع الغزالي الإصلاحي .
- مشروع الشاطبي الإصلاحي تمثل في كتابيه الموافقات , والاعتصام , , كانت شخصية الشاطبي والمربي حاضرة في كتابيه بوضوحٍ في الكتابين , رغم اختلاف موضوعهما في الظاهر إلا أنَّهما متكاملان متوافقان .
- كتاب الاعتصام ’ إشارة إلى ضرورة الاعتصام بالكتاب والسنة في مجال التدين , ونبذ أشكال الوساطة = وهذا وهو دلالة عنوان الكتاب ومضمونه , وهذا الكتاب هو مقابل كتاب الإحياء في مشروع الغزالي الإصلاحي , فإحياء علوم الدين مقصدٌ مشتركٌ بينهما , ولكنه مشروطٌ وضبوطٌ بالنص الشرعي عند الشاطبي , وهو ما فقده كتاب الإحياء للغزالي .
- كتاب الموافقات هو المقابل لكتاب المستصفى للغزالي ,إلا أنه خالفه في ضبط علم الأصول بالمنطق , حيثُ اعتبر علم المنطق علماً دخيلاً , يقوم على مقولاتٍ تنافي أصول الإسلام , لهذا ضبط الشاطبي المقولات الأصولية , بما سماه مقاصد الشريعة التي تنزل لضبط مقاصد المكلفين الناشئة بالقلب , فيكون بذلك قد ربط المنهج العقلي في الإسلام بخطرات القلب , ضبطاً له , حتى يخرج المكلف عن داعية هواه , ويكون عبداً خالصاً لمولاه .
- · هكذا يكون عمل الشاطبي الأصولي في الموافقات عملاً رائداً في ربط الضبط العقلي بالعدالة القلبية , كما هو عند المحدثين , وهو معنى تربوي قَلَّما رامته المصنفات الأصولية من قَبْلُ = حيثُ وفق بين ظاهر التدين وباطنه لدى المكلف , أو بعبارةٍ أخرى , عمل على تعميق مغزى التكالبف الظاهرة , وربطها بأصولها , من التكاليف الباطنة , وذلك بربط مفهوم الإسلام بمفهوم الإيمان ربطاً قوياً , حتى ينتج عنهما الإحسان الذي هو غاية المناهج التربوية , على اختلاف مشاربها وطرائقها في الإسلام أصابت أم أخطأت .
- لم يسلم للشاطبي هذا المشروع , إلا بتوحيد المنهج , وذلك بنبذ التأثيرات الوساطية , والاستقلال الحر عن كُلِّ السلط المذهبية والمشيخية ,إلا سلطة النص الشرعي , التي أمدته بتجديداته الفائقة ,إشراقاته التوحيدية الرائقة , ذلك المنطق الهادي إلى التوحيد .
- كان سلاح الشاطبي في محاربة الوساطات المختلفة , إيمانه العميق بأنَّ الشريعة عامة شاملة جامعة , وأنَّ نصوصها حاكمة على جميع الخلق , لا يشذ عنها أحد, وأنَّ كُلَّ قولٍ أو مذهبٍ أو ذوقِ أو إلهامٍ أو حالٍ , يجب أن يوزن بميزان النص الشرعي و وإلا فلا شرعية له = وهو مبدأٌ توحيدي بنى عليه مشروعه وردده في كتبه .
- بما أنَّ الشريعة هي المصدر الوحيد للتعبد , والمادة الأساس للتكوين التربوي الإصلاحي , فإنَّهُ يتعين أن يكون العلماء بأصولها وفروعها = هم أدلاء الأمة إلى الخير , ومربيها على الصلاح , وهذا مخالف لموقف الغزالي في تفضيل المتصوفة على سائر الفرق.
- عمل الشاطبي على إحصاء وتتبع رموز الوساطة التربوية , في المجتمع الإسلامي , لنقض صروحها , ومحو أشكالها , ورسومها , في العقيدة والفقه والتصوف سواءٌ بسواءٍ .
نموذج الشيخ محمد بن عبد الوهاب 1206 هجرية
- مركزية كتاب التوحيد في مشروع الشيخ محمد بن عبد الوهاب الإصلاحي , والذي حارب من خلاله الوساطات العقدي والسلوكية , في صور الاعتقاد الكلامي الأشعري منه خاصة , والاعتقاد الشعبي الخرافي بتعظيم الأشجار والأحجار ونحوها من مظاهر الوساطة الروحية .
- الدعوة التوحيدية لدى محمد بن عبد الوهاب = كانت امتداداً واستمراراً لنهضة القرن الثامن , خاصة حركة ابن تيمية وتلاميذه , بمقولاتها التوحيدية في العقيدة والمعاملة والسلوك .
- وهذا لايعني أنه جعل اجتهادات ابن تيمية هي الأصل في التوحيد , والنص المرجوع إليه , وإنَّما استفاد من تجربته بشكلٍ كبيرٍ , وجعل منها مادة مرجعية لا مصدرية .
- والدليل على ذلك كتابه = كتاب التوحيد , الذي جعل مادته وتراجمه على غرار صحيح البخاري , مع إشارات ذكية في مواطن متعددة تدل على نظرته الشمولية للتوحيد دون أن تحصره في المجال العقدي التصوري بل تسري به إلى مجالات المعاملات والسلوك , فتجعل التوحيد أساس التدين بل هو الدين كله .
- كان يعلم مركزية التوحيد العقدي في المنظور الإسلامي , وأنَّ الإتيان به على حقه – لا محالة – يؤدي إلى تصفية كل أشكال العبادة من الشرك الأكبر الأصغر, فينتج في نهاية المطاف تدينٌ توحيديٌ خالصٌ من الوساطات = لذلك جعل من الضروري البدء في العمل الديني بتقرير التوحيد في النفس و وتحقيق مقتضاه الشعوري , لأنه كما عبر عنه ( أول واجب ) , إذ هو المنهج الحاكم على سائر العبادات , إن لم تؤدَّ على وِفْقِهِ , ولم تخرج من مشكاته , تاهت في ظلمات الوساطة .
- تميزت دعوة محمد بن عبد الوهاب عن نظيراتها من حركات الإصلاح التوحيدي , التي سبقتها وكانت أساسها وخلفية لها, ببعدٍ حركيٍ تمثل في امتلاكها عناصر القوة الفعلية , والإرادة الحركية للقيام بالمهام الدعوية .
الحركات الإسلامية الحديثة بين التوحيد والوساطة :
تمهيد :
- تراث الأمة التربوي . ومراحل التربية الإسلامية وتقلبها بين التوحيد والوساطة مثل = تراثاً تربوياً ضخماً بقدر ما يفيد في إغناء وُراء الفكر التربوي , بقدر ما يثيرمن الحيرة والتأمل عند الإقدام على استمداده كمنهجٍ أو قواعد تربوية .
- كثير من المدارس والمصنفات كما تحمل من خيرٍ وصوابٍ , لا تخلو من شرٍّ وزللٍ= وهذا كله أثر في نهضة الحركة الإسلامية في اختيارها واجتهادها في المجال التربوي .
- الناظر في المناهج التربوية عند الحركات الإسلامية يلاحظ حضور الإمام الغزالي ومدرسته , وحضور الشاطبي وابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب وغيرهم , في فكرها ومناهجها التربوية سواء كمادة مرجعية , أو مصدرية بالنسبة لكلا الاتجاهين .
- فربما حضر ابن تيمية في المجال التربوي للحركة الإسلامية , كمادةٍ مرجعيةٍ = أي كتجربةٍ تدل على المنهج التوحيدي , لإعادة استلهام النص من جديد , والارتباط تربوياً بالمصدر التربوي الحق , الكتاب والسنة , ولكنُهّ يمكن أن يحضر كمادة مصدرية لدى البعض , فيكون اجتهاده متناً تشريعياً للتربية الدعوية , فتسقط الدعوة في الوساطة من حيثُ فرَّتْ منه .
مظاهر التربية التوحيدية في الحركة الإسلامية :
- ابتداءً لابد من تقرير أنَّ الحركة الإسلامية الحديثة , قد انطلقتْ من منطلقٍ سلفيٍّ = بمعناه الاصطلاحي الحديث , لكن مع نوعٍ من التبلور والتطور , الذي لم يخرج في عمومه عن حدود المنهج السلفي , الذي يقوم على الإرجاع للكتاب والسنة , في كُلِّ أمرٍ عقديٍّ أو تعبد يِّ , وهذا ما ضمن للحركة الإسلامية أن تتأسس على المنهج التوحيدي , وتصوغ رؤيتها التربوية في الجمال الدعوي على أساسه , وهو الأمر الذي بدا واضحاً مع أعلام الدعوة الإسلامية في العصر الحديث بدءاً بحسن البنا , وأبي الأعلى المودودي , وسيد قطب , ومحمد قطب …… الخ .
- الروح السلفية بقيتْ سارية في الفكر الحركي الإسلامي عموماً , والتربوي خصوصاً وإنْ لم يخلُ من هنَّات وساطية من حين إلى آخر , بسبب من الأسباب الطارئة أ و استجابة لبعض المؤثرات الجارفة .
- المنهج التوحيدي في العقائد والعبادات , بقي مستمراً مع مجموعةٍ من الشخصيات أمثال الأفغاني , محمد عبده , ورشيد رضا , وغيرهم و حنى إذا كان بدء العمل الدعوي في صورته الحديثة , كان الأساس السلفي للدعوة قد صار مكسباً للحركة الإسلامية , فبنتْ عليه مشروعها , واستأنفتْ في إطاره عملية إعادة التشكيل التربوي .
- حسن البنا يمثل أهم شخصية التي ساهمتْ في تأسيس الحركة الإسلامية ويعتبر مرجعاً في منهجياً في المجال الدعوي , ويمكن تلمس المنهج التوحيدي , من خلال رسائله لاسيما رسالته ( إلى أي شيء ندعوا النَّاس ؟ ) = حيث نجد النص الجامع للتصور التوحيدي , وبيان أنَّ القرآن هو المصدر الوحيد , إلى جانب السنة للتوجيه الديني .
- ومن هنا دعا البنا إلى محاربة كل لا ما يرجع إلى الكتاب والسنة من آثار الوساطة العقدية والروحية على السواء .
- · حسن البنا واقفٌ مع النص الشرعي حيث دار , فلم ينصب نفسه وسيطاً للحركة , بل آمن باستقلال العقل عن كُلِّ هيمنة وساطية , كما آمن بقيمة العلم كمنهجٍ لطلب الحقائق والتصورات .
- ما أشار حسن البنا عن كون الجماعة صوفية , ما هو إلا إشارة إلى المعنى الروحي للإسلام التي حرصتْ دعوته على تحقيقه في المتربين , لكن في إطار النصوص الشرعية , وهو معنى التوحيد التربوي .
- كان البنا مدرسة جديدة ومجددة حيث صيَّر التوحيد – إلى جانب كونه تصوراً –عملاً وممارسةً , وذلك بتأسيسه للعمل التربوي المنظم القائم على تنزيل مفاهيم القرآن والسنة على أحوال الأفراد والجماعات , مستلهماً المنهج الأرقمي الأول = نظام الأسرة في الحركة الإسلامية .
- مظاهر التربية التوحيدية ليستْ مقصورة على حركة حسن البنا , يمكن ملاحظة إشاراتها التوحيدية في فكر أبي الأعلى المودودي حيث أقام الجماعة الإسلامية بباكستان على أساس الإرجاع إلى المنبع الصافي , القرآن والسنة , ونفي كل أشكال الوساطة في تشكيل التدين العام .
- كتاب معالم في الطريق لسيد قطب = يعتبر نموذجا للفكر التربوي التوحيدي , والذي يعبر عن فكر سيد قطب الذي أصدر كُلَّ فكره وتصوراته في التربية والدعوة من مشكاة التوحيد , والذي يعتبر القرآن المصدر الوحيد للتشريع والتنزيل التربويين , والسنة ماهي إلا فرعٌ عن أصل القرآن وقبساً من نوره .
- هذا المنهج التوحيدي عند البنا وامتداده عند سيد قطب عرف نوعاً من التفصيل في البيان والشرح عند الأستاذ محمد قطب في كتابه الرائد ( منهج التربية الإسلامية ) , حيث يشير إلى نوعٍ من الاكتشاف لمنهج التربية في القرآن الكريم , أي المنهج كنسقٍ كُلٍّ متكامل الأطراف , يعطي تصوراً شمولياً للتربية بجميع أركانها وعناصرها ومراحلها .
ملاحظة وتنبيه :
ما سبق من بيان المنهج التوحيدي في التربية والتدين عند الحركة الإسلامية ,وأعلامها , لا يعني أنَّ الحركة الإسلامية لم يخالطها شيء من الوساطة , بل لقد تسربتْ إليها وساطات شتى , وتجلت أشكالها في مظاهر شتى , خاصة بعد تقدم الحركة الإسلامية وتطورها تنظيمياً وشعبياً , فاتسعتْ قاعدتها ,وتقوَّتْ هياكلها التنظيمية والإدارية , فتشكلتْ فيها المناصب والمراكز والألقاب , ثُمَّ كان لها احتكاك بالتنظيمات الصوفية الطرقية , تأثراً وتأثيراً , مما أدى إلى تسرب مجموعة من صور الوساطة الروحية إلى مجالها التربوي .
أضف إلى ذلك : رسوخ بعض المفكرين العاملين في إطارها و في قلوب الأتباع , والنظر إليهم أنَّهم من الكُمَّل , وأنَّ كتبهم مصدر الإلهام الفكري منقطع النظير وهو ما أدى إلى بروز الوساطة الفكرية بين من اعتقدوا ذلك ومارسوه .
مظاهر التربية الوساطية في الحركة الإسلامية :
- التأمل الناقد لمسيرة الحركة الإسلامية، وقراءة كتب النقد الذاتي، ومشكلات الدعوة يمكنه التنبه للأمراض والمشكلات على المستوى الفردي، والجماعي، وصور الوساطة الفكرية والتربوية.
- من نماذج الوساطة الفكرية = أخذ بعض أبناء الصحوة الإسلامية لأفكار بعض مفكريها بشيء من التقديس اللاشعوري في الغالب , فتكون الأحكام التي أطلقها بعض الرواد – وهي أحكام اجتهادية بالطبع – صالحة لكل زمانٍ ومكانٍ , في اعتقاد بعض المنتمين للحركة الإسلامية , وربما كانت تلك الأفكار خاطئة في أصلها , وربما كانت صحيحة في حينها , وظروفها التي صدرت فيها = ضرب د. فريد الأنصاري نماذج من الوساطة الفكرية والروحية في بعض كتابات , الأستاذ سعيد حوى , والأستاذ محمد أحمد الراشد , مع الاعتراف بفائدة كتبهما , وثمارها المفيدة في مجال التربية .
- من مظاهر الوساطة الفكرية أن تصير تصورات الحركة للتربية والتغيير وأدبياتها الخاصة متناً تشريعياً ثابتاً .
- الأستاذ سعيد حوى وهو يقدم مادة التربية الروحية في كتبه للحركة الإسلامية , لم ينجُ من مشكلات الوساطة في الفكر الصوفي كما في كتابه ( تربيتنا الروحية ) وغيرها , حيث دخل سعيد حوى – رحمه الله – لجة التصوف ليخرج منه بزاد تربوي مهذب , ومشذب , لكنه غرق في وحل وساطته , فما استطاع التخلص منها , فخرج بكلامٍ فيه حقٌ وباطلٌ – رحمه الله – وغفر له , وأجزل له الثواب , فقد جاهد في الله ما شاء الله فتقبله في الصالحين .
- الشيخ المجاهد عبد السلام ياسين , خريج المدرسة الطرقية يحمل مشروعاً صوفياً قديماً حديثاً , كحلٍّ لأزمة الحركة الإسلامية بالمغرب = المنظومة الإصلاحية للأستاذ عبد السلام ياسين تقوم في الأساس على المنهج الوساطي , بالرغم تأثره بمدرسة حسن البنا / المودودي / سيد قطب , وبتراثها الدعوي إلا أنه يفسرها في إطار رؤيته الطرقية للعمل الإصلاحي .
- المنظومة الياسينية بالرغم طرحها الحركي الحديث لا تخرج عن الطرح الصوفي الطرقي القديم في كليتها .
- وهكذا يتبين أنَّ الحركة الإسلامية الحديثة في بعض صورها لم تستطع أن تثبت على خط المنهج التوحيدي على التمام والكمال , بل قد انحرفت إلى المناهج الوساطية , الروحية منها والفكرية على السواء , مما أدى حيناً إلى خفوت الفعالية واضمحلا لها , وحيناً إلى تضخم الشخصانية وطغيانها , وحيناً آخر إلى الوثنية التنظيمية .