
هذا عنوان لورقة دعوية، وهي إحدى الأوراق التي تم مناقشتها في المؤتمر العام الثاني لرابطة علماء إرتريا المنعقد في 4/6/2021م، لأهميتها ننشرها في موقع الرابطة، إبرازا لأهمية الدعوة إلى الله عز وجل، وتعريفا بمنهج الرابطة وما ينبغي أن تقوم به في هذا الجانب. وفيما يلي نص الورقة:
المقدمة:
الحمد لله نـور السماوات والأرض، أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيداً، والصلاة والسلام على البشير النذير، والسراج المنير، الذي بعثه الله بالحق إلى قيام الساعة، وجعل أمته خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله. وبعد:
فلما كانت الدعوة إلى الله هي المهمة التي كلف الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم كما في قـوله تعالى: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُدَّثِّرُ (1) قُمۡ فَأَنذِرۡ (2) ﴾ [المدثر: 1ـ2]، وكلف بها هذه الأمة فقال تعالى: ﴿كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ﴾ [آل عمران: 110].
والدعوة إلى الله عبادة عظيمة من العبادات التي يتقرب بها إلى الله -عز وجل-، وهي ضرورة شرعية دل عليها الكتاب والسنة، وهما أساس الدعوة في تشريع الحلال والحرام، وجعلها قسيمة الجهاد في سبيله، فقال سبحانه: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ [التوبة: 122].
فإنّ لنشر العلوم الإسلامية أثراً عظيماً في بيان حقيقة الإسلام، وتثبيت دعائم الدين والنهوض بالأمّة، وهذا ما تسعى الرابطة إلى تحقيقه عن طريق الدعوة والتعليم.
ولا يخفى على كل داعية نذر نفسه لتحمل هذه الأمانة العظيمة مدى الحاجة إلى دعوة راشدة تنهض بالمجتمع الإرتري، وتستند إلى قواعد صلبة من كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهدي السلف الصالح، ووجود الفهم الشامل لدى الداعية بأهداف دعوته ومقاصدها، والوقوف على تجارب من سبقه في ميدان الدعوة، وإدراكه للوسائل الشرعية التي ينبغي أن يسلكها، والتوقع بما قد يعترضه من عوائق ومشكلات وتحديات، ويعد الإلمام بهذه الأمور من الضرورة بمكان؛ ولهذا الغرض تم إعداد هذه الورقة وذلك حتى يكون السير في طريق الدعوة إلى الله على بصيرة كما قال تعالى: ﴿ قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [ يوسف: 108].
والورقة تشتمل على تعريف الدعوة وحكمها وفضلها، ونبذة تاريخية عن دخول لإسلام في البلاد، وواقع الدعوة في الحقب الاستعمارية، وواقعها في ظل النظام الحالي، ثم مستقبل الدعوة ودور الرابطة، وبذلك نحسب أن تكون الورقة عرجت على نقاط تفتح الأذهان للنقاش وإلى مضامين الورقة:
أولا: تعريف الدعوة في اللغةً والاصطلاح:
مفردة الدعوة مشتقة من الفعل الثلاثي دعا يدعو دعوة، والاسم: الدعوة، والقائم بها يسمى داعية، والجمع دعاة، وكلمة “الدعوة” في اللغة العربية من الدعاء، الذي هو النداء لجميع الناس على أمر ما، وحثهم على العمل له، قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ [يونس: 25].
وفي الاصطلاح: كلمة الدعوة هي من الألفاظ المشتركة، فإنه يراد بها في الغالب معنيان: الدعوة بمعنى الإسلام أو الرسالة كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (أدعوك بدعاية الإسلام …) صحيح البخاري [4553] ، والدعوة بمعنى عملية نشر الإسلام وتبليغ الرسالة، والمعنى الأخير هو الذي نقصده، وعليه فإن الدعوة إلى الله في الاصطلاح هي دلالة الناس على الله، وردهم إليه، ودعوتهم إلى توحيده، بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، وجمع الناس على الخير، والرشد، وَأَمْرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، وإعانتهم على تطبيق الإسلام بكل وسيلة مشروعة.
قال تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [آل عمران: 110].
وخلاصة التعريف: أن الدعوة إلى الله هي قيام الداعية المؤهل بإيصال دين الإسلام إلى الناس كافة (أمة الدعوة وأمة الاستجابة) وفق الأسس والمنهج الصحيح، وبما يتناسب مع أصناف المدعوين ويلائم أحوالهم وظروفهم.
ثانيا – حكم الدعوة إلى الله:
الدعـوة إلى الله واجب كفائي على الأمة الإسلامية جميعها لقوله تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [آل عمران: 110]. ويتعين الوجوب على الإمام لقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ [الحج: 41]، فجعل سبحانه وتعالى شرط التمكين إقامتهم للصلاة، وأداءهم للزكاة، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: (فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته) [متفق عليه]، والدعوة إلى الله أولى واجباته.
ثم أُولِى العلم من المسلمين الذين أخذ الله عليهم الميثاق ببيان العلم وعدم كتمانه كما قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ﴾ [آل عمران: 187]، ومن لهم القدرة الواسعة فعليهم من الواجب أكثر.
ثالثا: فضل الدعوة إلى الله:
إن الدعوة إلى الله فضلها عظيم فهي:
- إنها مهمة الرسل والأنبياء، وهم أشرف الخلق وأكرمهم على الله، وهم الذين اختارهم الله لهداية البشر، والعلماء هم ورثة الأنبياء، وقيامهم بالدعوة أعظم تشريف لهم، قال تعالى: ﴿قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [يوسف: 108].
- ما يترتب عليها من الأجر العظيم، فقد جاء في فضلها أن (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان له من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً) [صحيح مسلم 2674].
- والدعوة إلى الله هي التي من أجلها شرّف الله أمة الإسلام جميعاً فجعلها بذلك خير أمة أخرجت للناس؛ لأنها حملت رسالة الله إلى العالمين، وجاهدت بها كل الأمم، فهم خير الناس للناس، فبالدعوة إلى الله تعالى يُعبَد الله وحده، ويهتدي الناس، فيتعلمون أمور دينهم من حلال وحرام، وتستقيم معاملات الناس من بيع وشراء وعقود ونكاح، وتصلح أحوالهم الاجتماعية والأسرية، وتتحسن أخلاق الناس، وتقل خلافاتهم، وتزول أحقادهم وضغائنهم، ويقل أذى بعضهم لبعض، وينتشر الأمن، ويسود السلام، ويتحقق العدل بين الأنام.
- إن الله جعل لصاحبها منزلة كبيرة، وإمامة للناس، وهداية للخلق، ومقاماً كريماً في الآخرة، فكل دعوة يقوم بها الداعية يؤجر عليها، وإن لم يستجب المدعوون.
ولهذا فإن الرابطة بدعوتها تهدف إلى إرشاد الناس إلى صراط الله المستقيم، ودينه القويم، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، ومن الجور والظلم إلى العدل والرحمة والإحسان، وإصلاح المجتمع الإرتري بالحكمة والموعظة الحسنة، ونشر العلم ومكافحة الجهل، وتأهيل الدعاة والمعلمين والأئمة، وتشجيع البحث العلمي، ونشر القيم الأخـلاقية النبيلة، وترسيخ روح التآلف والوحدة بين مختلف مكونات المجتمع الإرتري، والبعد عن أسباب الفرقة والخلاف، ونشر روح التفاهم والتسامح بين الجماعات الإسلامية، والاهتمام بالمرأة وتوعيتها بدينها بما يخدم مجتمعها ويبعدها عما يضرها.
رابعا: نبذة تاريخية عن الدعوة الإسلامية في إرتريا:
(أ) دخول الإسلام إلى إرتريا:
دخل الإسلام في إرتريا منذ السنوات الأولي للبعثة النبوية، حيث كانت الهجرة الأولي للصحابة إلى أرض الحبشة في السنة الخامسة بعد البعثة، وفي عهد الدولة الأموية والعباسية هاجرت بعض القبائل العربية إلى إرتريا، وأقامت فيها مراكز للدعوة والتجارة، فتحولت غالبية القبائل الوثنية إلى الإسلام، ونشأت بعض الممالك العربية والإسلامية في جزر دهلك، بالإضافة إلى نشأة سبع ممالك داخلية عرفت باسم (بلاد الطراز الإسلامي).
وازدهرت التجارة بين الجزيرة العربية والقرن الأفريقي، وكثر عدد الوافدين على مدينة (باضع) وغيرها من المدن الساحلية في القرن الثالث الهجري، وتوطد وجود الإسلام في السهول الساحلية الإرترية. وأخذ الإسلام في الانتشار بين الدناكل والبجا سكان المناطق الساحلية، وتجاوز الإسلام السهول الساحلية الإرترية، فوصل المرتفعات.
وعندما خاض المسلمون حروبهم ضد الحبشة، اشترك المسلمون في إرتريا، ولقد نالهم من تحالف البرتغاليين مع الأحباش الشيء الكثير من التدمير، وتخريب المدن الساحلية مثل مدينة وميناء باضع (مصوع).
وأيضا ساهم التجار العر ب في نشر الإسلام بين البجه، وكان لنزوح القبائل العربية من جهة صعيد مصر وخاصة بعد سيطرة المماليك على حكم مصر وحربهم في بعض الأحيان ضد القبائل العربية أو مهادنة العرب وإرسالهم لقتال النوبيين ـ دور في نشر الإسلام، وهكذا انتشر الإسلام عبر هجرة الصحابة والدعاة والتجار والهجرات دون حروب.
وعندما سيطر البرتغاليون على بعض سواحل البحر الأحمر ومن بينها شواطئ إرتريا في بداية القرن السادس عشر الميلادي، تدخل العثمانيون لمواجهة الخطر البرتغالي وحماية الأماكن المقدسة في مكة والمدينة من مهاجمة السفن الصليبية، وتمكنوا من الاستيلاء على (سواكن) و(مصوع) وجعلوا البحر الأحمر بحيرة عثمانية مغلقة، وخضعت سواحل إرتريا للحكم المصري بناء على فرمان أصدره السلطان العثماني سنة 1865م، فتحسنت أحوالها بعدما أصبح الساحل الإفريقي للبحر الأحمر في حوزة مصر.
(ب) الدعوة في ظل الاستعمار الإيطالي والبريطاني:
بدأت الأطماع الإيطالية في إرتريا مع ضعف الحكم المصري في عهد إسماعيل نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، ودخل الإيطاليون إلى تلك المنطقة عبر بوابة الشركات والمؤسسات الاقتصادية التي يتحكم فيها المنصّرون ورجالات الكنائس؛ فاستطاع المنصر (سابيتو) أن يشتري قطعة أرض في ميناء عصب سنة 1869م، ثم أصدر مجلس النواب الإيطالي في 1882م قانوناً بتحويل عصب إلى مستعمرة إيطالية، واستمر الاحتلال الإيطالي 60 عاماً حتى تمكنت بريطانيا وحلفاؤها من هزيمة إيطاليا ودول المحور في الحرب العالمية الثانية.
وواكبت الدعوة المجتمع الإرتري منذ دخول الإسلام إلى إرتريا، وفي أثناء الاستعمار الإيطالي أقامت البعثات التبشيرية الكاثوليكية والبروتستانتية بعض المدارس التبشيرية، لذلك كان طلاب العلم من المسلمين يهاجرون للدراسة إلى دول الجوار مثل مصر والسودان، حيث الأزهر والمعاهد السودانية لنيل العلم الشرعي. وكان لهذه الهجرة أثر كبير في نشر العلم الشرعي وتعليم المسلمين أمور دينهم من خلال الحلقات العلمية والدروس والوعظ الذي كان يقوم به هؤلاء الطلاب بعد عودتهم إلى بلادهم ومناطقهم، وقد تمثل دور الدعوة في هذه الحقبة على الوعظ ودروس العلوم الشرعية عبر الحلقات التي يقيمها المشايخ في المساجد، وتأسيس دار الإفتاء وبعض المعاهد، وبروز الأسر الدينية وبعض الطرق الصوفية. مما حافظ على الهوية الإسلامية واللغة العربية وسط المجتمع الإرتري.
ثم جاء الاستعمار البريطاني وهو يحمل سياسة (فرق تسد) كطريقة لتفتيت المجتمع الإرتري ضمن الأساليب التي نجحت في بعض مستعمراتها الإفريقية، وقد نفذت في إرتريا بفعالية، وهكذا بدأت التفرقة بين المسيحية والإسلام في إرتريا.
وقامت بمجهودات كبيرة لتقسيم المجتمع الإرتري على أساس ديني ومناطقي (مسلمين ومسيحيين، مرتفعات ومنخفضات) فجعل التعليم في المرتفعات باللغة التجرينية، وفي المنخفضات بالعربية.
وقد عملت بكل إمكانياتها في فترة انتداب الأمم المتحدة في إرتريا بالضغط على رافضي الاتحاد مع إثيوبيا لتغيير مواقفهم، ولكي يختاروا الاتحاد التام مع إثيوبيا، لكن فشلت محاولاتهم في ذلك. وقد دخلت إرتريا في النظام الفيدرالي مع إثيوبيا لمدة عشر سنوات.
وتمثلت مظاهر الدعوة في عهد الاستعمار البريطاني بانتشار الوعي الديني والغيرة على الدين الإسلامي، وتأسيس حزب الرابطة الإسلامية ذات مرجعية إسلامية، والالتفاف حول الأسر الدينية. وكثرت الهجرة بحثا عن التعليم الديني وبروز دعاة وقضاة، وتأسيس بعض المدارس والمعاهد، وبناء مساجد، والاستفادة من هذا الانفتاح البريطاني.
(ج) الدعوة في ظل الاستعمار الإثيوبي:
دخل الاستعمار الإثيوبي بموجب القرار الجائر الذي صدر من الامم المتحدة عام 1952م والذي صنف إرتريا كيانا يتمتع بحكم ذاتي تحت سيادة التاج الاثيوبي، حيث شاركت في تعبيده القوى الاستعمارية الكبرى، وفي مقدمتها بريطانيا التي انسحبت من إرتريا في 15 من سبتمبر 1952م بعدما سلمت كل الممتلكات الإرترية من موانئ ومطارات ووسائل مواصلات إلى الجيش الإثيوبي، ولم تترك للحكومة الإرترية ما يمكن أن تؤسس عليه دولتها الوليدة.
وأثناء فترة الاتحاد استمرت إثيوبيا في سياسات التفرقة بين المسلمين والمسيحيين التي بدأها الاستعمار البريطاني بصورة أعمق. وصارت إرتريا منقسمة بين الإسلام والمسيحية، فأغلب المسيحيين أيدوا الاتحاد مع إثيوبيا بعكس غالبية المسلمين الذين ظلوا يعارضون الاتحاد مع إثيوبيا، وقد اتبعت الحكومة الإثيوبية منذ قيام الاتحاد الفيدرالي مخططا محكما بدأت تنفذه خطوة خطوة، يهدف إلى إذابة كيان الشعب الإرتري ومحو شخصيته الوطنية، والقضاء على لغته وثقافته العربية. وتعرض المسلمون للاضطهاد والتمييز من قبل الاستعمار الاثيوبي وذلك بسبب مواقفهم الوطنية الرافضة للاستعمار الأجنبي، حيث أن حزب الرابطة الإسلامية الذي كان يعبر عن المسلمين في فترة الخمسينات من القرن الماضي هو أول من طالب باستقلال إرتريا، ورفض المؤامرة الغربية لتسليم إرتريا للإمبراطور الإثيوبي، ومنذ ذلك الوقت بدأ وضع المسلمين يتدهور، حيث عملت اثيوبيا في محاربة الإسلام والمسلمين وصنفتهم بأنهم ضد الوطنية.
وقد أدى ذلك إلى تراجع بعض المنجزات التي حققتها المؤسسات الإسلامية في الأربعينيات، وحدَت من مجالات النشاط الإسلامي، ولاسيما في المدن حيث فرض النظام الإثيوبي الحظر على اللغتين العربية والتجرينية، وأحل محلهما اللغة الأمهرية كلغة رسمية للعمل في إرتريا، مما أثار حظر استخدام اللغة العربية غضباً في أوساط المجتمع المسلم؛ لأن المسلمين يعتبرون اللغة العربية لغتهم الأساسية، كما ارتكب العديد من جرائم القتل والتصفيات الجسدية ضد الرموز الإسلامية وقرى المسلمين، وأحرقت الكثير من المؤسسات الإسلامية، وهذه الممارسات الوحشية القاسية كانت تهدف إلى تحطيم فعالية المجتمعات المسلمة، وكنتيجة لهذا العنف غادرت أعداد كبيرة من المسلمين وخاصة من مناطق المنخفضات متوجهة إلى دول الجوار.
ومع كل المصائب التي حلت بهم في فترة الاستعمار الإثيوبي فإن المسلمين حافظوا علي إسلامهم، كما أن المؤسسات الإسلامية المتمثلة في المعاهد الدينية وخلاوي القرآن ظلت تعمل في نشر الإسلام وتعليم اللغة العربية، والحفاظ على جذور الثقافة العربية والإسلامية، حيث شهدت تلك الفترة انتشار المساجد والمدارس الإسلامية والمعاهد، والخلاوي القرآنية، وزوايا الوعظ الديني والمكتبات في ربوع إرتريا أكثر بكثير مما هو عليه الوضع اليوم في عهد الاستقلال والحكم الوطني، وكانت إحدى المدن على وشك إقامة جامعة إسلامية، وأما في المناطق التي خرجت عن سيطرة الحكومة الإثيوبية فتوسعت وانتشرت فيها المعاهد والمدارس العربية في الأرياف ومعسكرات اللاجئين. واذا كان الإرتريون يعتبرون الأوضاع المأساوية التي عاشوها في العهد الإثيوبي بحكم أن أثيوبيا قوة استعمارية أجنبية، وكانت ترى في المسلمين القوى الرافضة لهم إلا أن ما لا يمكن استيعابه هو الحالة المأساوية المزرية التي يمر بها المسلمون اليوم في إرتريا من قبل النظام الحاكم.
(د) واقع الدعوة بعد الاستقلال:
تشهد الدعوة بعد الاستقلال تحديات جديدة نسبة لطبيعة نظام الحكم القائم، الذي ظل يستهدف الدعوة والدعاة وكل من له صلة بالثقافة الإسلامية والعربية من خلال سياسة تجفيف منابعها المتمثلة في المؤسسات القائمة من كيانات وهيئات وجمعيات ومعاهد ومدارس كانت (وستكون إن شاء الله) منبع العطاء ونبراساً يضيء طريق السالكين،حيث كانت في إرتريا الكثير من المؤسسات الإسلامية التي كانت تنشر الوعي الديني، وتتصدى للجهل والأمية والعادات الضارة، وهذه المؤسسات كانت تعمل حتى في عهد الاستعمار الإثيوبي، ولكن النظام الحالي ومنذ وصوله إلى سدة الحكم أغلق الكثير من هذه المؤسسات وصادر ممتلكاتها، كما اعتقل الكثير من العاملين في تلك المؤسسات، حيث لا يسمح في إرتريا اليوم تأسيس أي مؤسسة تعليمية عربية أو إسلامية، بل إن كل من يفكر في مثل هذه المشاريع فإن مصيره الاختطاف والإخفاء القسري والسجن المؤبد.
وتمثلت ممارسات النظام في محاربة الدعوة الإسلامية في اتباع الإجراءات الآتية:
- القيام بحملات اعتقالات واسعة استهدفت الدعاة والمعلمين في جميع المدن والقرى خارج نطاق القانون، وقام بالإخفاء القسري والاختطاف، والتعذيب الوحشي في الزنزانات والحاويات والمعتقلات تحت الأرض وفي الخنادق والكهوف، وهو أسلوب درجت عليه الجبهة الشعبية الحزب الحاكم منذ أن كانت في الثورة، وهو النهج الذي استمرت عليه بعد أن أصبحت دولة مستقلة، لا لجرم ارتكبوه بل لكونهم حملت نور العلم والهداية.
- ظل تدخل الحكومة الإرترية بانتظام في الأنشطة الدينية ومضمون محتوى التعليم الديني للمجتمع الإسلامي والقائمين عليه، حيث تقوم بتعيين تابعين لها في المؤسسات الإسلامية.
- التضييق على الأئمة والدعاة وتراخيص بناء دور العبادة من المساجد والزوايا والخلاوي القرآنية، وعدم السماح بتوسعتها أو جمع التبرعات لصيانتها، ومنع إلقاء المحاضرات الدينية، حيث ظل يتابع أمن النظام مساجد المسلمين وما يجري فيها عبر وكلاء له من داخل المساجد.
- عدم السماح للمنظمات الإسلامية بالعمل داخل إرتريا بخلاف المنظمات الكنسية، وإلصاق تهم الإرهاب والعمالة بأي منظمة إسلامية، وعدم الترخيص لبناء مؤسسات دينية مثل المراكز والمعاهد وغيرها، ومصادرة أراضي الأوقاف الإسلامية.
- عدم تسهيل إجراءات الحج والعمرة لزوار البيت الحرام، وتعمد إتباع الإجراءات التعسفية في كل ما يتصل بذلك.
- حرمان أبناء المسلمين من وظائف الدولة داخل وطنهم، حيث لا يتجاوز وجودهم في مؤسسات الدولة 9%، وظل العنصر المسيحي يتحكم على مرافق الدولة وقرارها السيادي.
- الحد من دخول أبناء المسلمين في الكليات العلمية، ولا يفسح لهم المجال للالتحاق بالمؤسسات التعلمية في الخارج.
- تهميش اللغة العربية التي يعتبرها المسلمون جزءا مهما من تراثهم ونقطة التقاء وتفاهم بينهم، وإيقاف البعثات للمعلمين والطلاب للالتحاق بالجامعات الإسلامية في الخارج.
- منع المسلمين من ممارسة شعائرهم الدينية داخل الجيش مثل أداء الصلوات والعبادات الأخرى في صفوف الجيش والخدمة الإلزامية، وأن كل من يتجرأ في ممارسة العبادة يعتبر مخالفا للأوامر العسكرية وقد تصل عقوبته الإعدام، كما جاء في تقرير لجنة حقوق الإنسان في إرتريا في تقرير عام 2015م.
- وضع العراقيل والقيود المانعة أمام عودة اللاجئين المسلمين من معسكرات الهجرة بشرق السودان وغيره، وذلك خوفا من انتشار الثقافة العربية والتعاليم الدينية والإسلامية.
وهكذا توقف دور الدعاة ومعظم المؤسسات الدعوية والتعليمية عن عطائها، وبعض منها يؤدي دوره بصورة مشلولة نتيجة للتدخلات والرقابة الأمنية المستمرة، والتضييق الواضح الذي تمارسه المنظومة الحاكمة على وجود الإسلام ثقافة وحضارة.
خامسا: مستقبل الدعوة الإسلامية والدور المطلوب من رابطة العلماء:
إن الدعوة اليوم تواجه حصاراً من كل الجهات وإلصاق التهم بها، وإلقاء الشبهات وتنفير الناس منها بتشويه سمعة علمائها وكل مَن ينتمي إلى التدين، وهدم الدين في نفوس المسلمين، والعمل على إحياء النعرات القومية والعرقية، وإفساد الأخلاق وغرس الإلحاد وغيره.
ولرسم مستقبل أفضل لواقع الدعوة والدعاة في البلاد لا بد أن تقوم الرابطة برسالتها تجاه المجتمع في الداخل والخارج، وأن تفعل وتتفاعل مع كل قضاياهم وهمومهم بفاعلية تامة، والعمل على المواكبة المستديمة من خلال اعتماد الوسائل الدعوية المتطورة، وتقديم الدراسات والرصد والتأهيل المستمر، وهذا يحتاج الى بذل جهد جبار، ورصد مبالغ مالية كبيرة، وهو ما ينبغي أن يعطى الأولوية في نشاط الرابطة والمنظمات الدعوية الأخرى.
وفيما يلي نذكر بعض النقاط التي يجب أن تعطى الأولوية من نشاط الرابطة الدعوي:
1 – تطوير الفكر الدعوي:
القضايا الدعوية في البلاد لا تزال بحاجة ماسة إلى دارسات جادة من قبل المختصين، فالمجال الدعوي مجال خصب جدًا، وهو متجدد ومتطور، يحتاج إلى بذل جهد في تقريب المفاهيم الدعوية وأولوياتها، وتضييق هوة الخلاف والتعاون في المشتركات، وارتفاع معدلات وعي الدعاة بأهمية وحدة صفهم، ويتطلب ذلك أن لا يكون الدعاة أسرى ماضي تأريخهم وتجاربهم السالبة في نظرتهم لمجمل التحديات الماثلة، فالتاريخ يستصحب للاعتبار والاستفادة منه فقط، ولا يعني ذلك غياب النقد البناء، وهو ليس من أجل التلاوم وتحميل المسئولية فيما مضى، بل للاعتبار والاستفادة.
فالنقد البناء لمسيرة الدعوة ولأداء الدعاة أمر ليس ممنوعًا، فجهد البشر له إيجابياته وسلبياته بحسب قربه أو بعده من مشكاة النبوة، ويجب أن يكون دون تصيُّد العثرات، وتضخيم الأخطاء، وإبرازها بصورة مبالغ فيها إلى درجة طغيانها على الإيجابيات، وما كان محل الاجتهاد لا يوجب الفرقة.
2 – الحفاظ على الرابطة ومراعاة آداب الخلاف:
إن وحدة الصف الدعوي في كيان جامع يلم مدارسه ومناهجه الدعوية، وتقريب رؤيته متخذاً من قاعدة الشورى منطلقا له أمر من الأهمية بمكان، حيث يعد إنشاء هذه الرابطة التي هي نواة لتكوين جماعـة دعوية رائدة في البلاد، وبذلك هي وسيلة عظيمة للدعوة إلى الله فهي من باب التعاون على البر والتقوى، ولا شك أن الدعوة إلى الله ونشر دينه، وإعلاء كلمته سبحانه وتعالى هو من أعظم أعمال البر والتقوى، فإذا قامت هـذه الجماعة الدعوية على الكتاب والسنة والنصح لكل مسلم، وتوخي قول الحق دون أن تخاف في الله لومة لائم، ونظمت صفوفها ووحدت كلمتها، لا شك أن جهود جماعة مؤتلفة في الدعوة إلى الله خير من جهود أعدادهم متفرقين، وإن ساحة الدعوة تحوي أكثر من مدرسة، وما يجمع هذه المدارس من أصول الدعوة يغني في تجاوز نقاط الخلاف الفرعية على قاعدة رشيد رضا المشهورة، تصلح أن نجعل منها قاعدة عملنا بعيدا عن العصبية لهذا الاتجاه أو ذاك، وإنما العصبية يجب أن تكون لقطعيات الدين، وأما الظنيات فيعذر بعضنا فيها بعضا حتى نحقق الانسجام بين المنتسبين في الحقل الدعوي، فلا بد من التخلص من هذا التنافر ومراعاة آداب الخلاف، فإذا كان الاختلاف من قبيل التنوع فهو اختلاف صوري وهو مطلوب، أما إذا كان الاختلاف اختلاف تحزب وتعصب، يمنع التعاون والتعاضد وسماع النصيحة من الآخر فهو اختلاف مذموم، وكثير منه يقع في مسائل اجتهادية أو فرعية المخالف فيها معذور، ومثل هذا الخلاف لا ينبغي أن يخرج بالناس إلى ساحة احتراب وتناحر، ولنا في صحابة رسول الله أسوة حسنة، فمع مخالفة بعضهم لبعض بقي إقرارهم بفضل ذوي الفضل وتوقيرهم، مع عمل كل منهم برأيه وسعيه لنشره.
والذي ينبغي هو أن يكون اختلاف الدعاة من هذا القبيل، فالهدف الأسمى واحد، ومجالات العمل متنوعة، والساحة تسع الجميع؛ بل تحتاجهم وتستوعب جهودهم.
3 –مراعاة فقه الأولويات:
ينبغي أن نضع كل شيء في نصابه الصحيح، فلا يؤخر ما حقه التقديم، أو يقدم ما حقه التأخير، ولا يصغّر الأمر الكبير، ولا يكبّر الأمر الصغير، هذا ما تقتضيه طبيعة العمل الدعوي، وقوانين الكون الإلهي، وما تأمر به الأحكام الشرعية.
وإن آفة كثير من الدعاة هي غياب فقه الأولويات عنه، فكثيرًا ما يهتم بالفروع قبل الأصول، وبالجزئيات قبل الكليات، وبالمختلف فيه قبل المتفق عليه، وتثار معركة من أجل نافلة وقد ضيع الناس الفرائض، أو من أجل شكل أو هيئة دون اعتبار للمضمون.
4- تجنب التطرف في منهج الخطاب:
يلاحظ التشنج لدى بعض الدعاة، وتهجمهم على كل شيء جملة وتفصيلًا لمجرد أن أحدهم له موقف من المجموعة التي تنفذ ذلك العمل، والعكس صحيح؛ ربما تجد خطابًا ليِّنًا تجاه قضية ما يغلب عليه الثناء والإطراء، وتفادي النصح والتقويم.
والذي نحتاجه هو الاعتدال والتوازن، الذي يؤدي إلى إيجاد منهج نافع صادق، يعبر عن الحقيقة بتجرد، ويطمئن الناس وهم يستمعون إلى أصحابه.
5- الأخذ بمبدأ التخطيط في العمل الدعوي:
لا يخفى على كل داعية نذر نفسه لتحمل هذه الأمانة العظيمة مدى الحاجة إلى دعوة راشدة تنهض بهذه الأمة، وتستند إلى قواعد صلبة ووجود فهم شامل لدى الداعية بأهداف دعوته ومقاصدها، وإدراكه للوسائل الشرعية التي ينبغي أن يسلكها لتحقيق هذه الأهداف، والتنبؤ بما قد يعترضه من عوائق ومشكلات، وهذا الوعي والإدراك لمثل هذه الأمور هو ما نسميه بلغة الإدارة (التخطيط).
وتبرز مسيس الحاجة إلى التخطيط في برامجنا الدعوية؛ لأن ضعف جانب التخطيط أحيانًا وانعدامه في أحيان أخرى أسهم في إضاعة الكثير من جهود الدعاة، وأضعف ثمار أعمالهم الدعوية، وأضحى الكثير من البرامج تنفذ لمجرد التنفيذ فقط أو لتكون أرقامًا تضاف إلى أعداد البرامج المنفذة، وإذا تأملت في آثارها فلا تكاد تجد لها أثرًا في الواقع أو أنها قد حققت الحد الأدنى من أهدافها، وبتتبع معظم السلبيات في الجهود الدعوية نجد أن الكثير منها يمكن إرجاعه إلى ضعف أو انعدام التخطيط، فعلى الرابطة أن تولي التخطيط الاهتمام الأمثل عبر أمانة التخطيط.
6- الاهتمام بمجال التدريب والتأهيل المستمر:
التركيز على رفع كفاءة الدعاة والعلماء من خلال التدريب والتطوير لكي يواكبوا متطلبات الدعوة وأدواتها المعاصرة، وذلك بإقامة الندوات والدورات التثقيفية بغية تجديد الخطاب وتجويده وأولوياته وأسلوبه حسب البيئة وهو فقه الواقع. وأما ضعف الاستفادة من العلوم والوسائل الحديثة وشيوع الرتابة والتقليدية وغيرها فهي من الآثار السالبة على الخطاب الدعوي، فنحتاج إلى التدريب المستمر والحصول على التدريب سهل ومتوفر وغير مكلف، فلا بد من التدريب في جميع الفنون والمهارات الدعوية.
7- السعي لتطوير الوسائل الدعوية:
إن من حكمة الداعية وفطنته أن يواكب تطور الوسائل، وبخاصة في هذا العصر، وأن لا يتخلف عن ركبها واستعمالها، لِما لها من أثر كبير في توسيع إطار الدعوة وتوضيحها، بل عليه أن يبدع فيها، وفي استخدامها ما استطاع، ومن المعلوم أن الزمن يتغير، والوسائل تتنوع، والداعية الناجح لا يترك وسيلة لعرض دعوته وكسب الأنصار لها إلا واستعملها، وهو يستفيد من كل ما أتيح له من وسائل حديثة، ولا يحصر نفسه في دائرة ضيقة من الوسائل، فتطوير الوسائل الدعوية والتجديد والابتكار فيها أمر لا ينبغي أن ينازَع في أهميته؛ فهو يفتح مجالات جديدة للدعوة، ويسهم في توسيع دائرة انتشارها وتأثيرها، ويُذهِب السآمة والملل، ويجدد الهمة والروح لدى العاملين والدعاة، ولكن ينبغي ألا تؤدي المطالبة بالتطوير والتجديد والإبداع إلى الإخلال بثوابت الدعوة وأصولها، أو احتقار البرامج والوسائل الدعوية التي ألفها الناس واعتادوا عليها، فكل وسيلة تؤدي إلى هداية الناس وتحقق مصالحهم دون أن يعارضها نهي شرعي فإنها تكون في دائرة المشروعية والاعتبار.
8- تقويم أداء الخطاب الدعوي باستمرار:
يلاحظ أن الأمم الناجحة هي التي ترسم الخطط بعد أن تضع الأهداف، ثم تحدد الوسائل والأساليب المناسبة لتحقيق الأهداف، ثم يكون التقويم الدقيق القائم على الإحصاءات والقياس العلمي، وبناءً عليه يتم الإصلاح للانحراف أو معالجة الأخطاء لتستمر المسيرة بصورة سليمة، وعملية التقويم هي حكم كيفي على أنشطة الدعوة، وهي إحدى المقومات الأساسية لنجاح الدعوة.
9 – العناية بالدعاة والعلماء:
من أعظم وسائل الدعوة إلى الله هي وجود العلماء العاملين المربين إذ هم حياة الأمة، وحملة مشاعل نورها وقادتها وأولو الأمر فيها، فالعناية بوجود هؤلاء العلماء من أعظم ما ينفع أمة الإسلام، وتفرغهم لمجال الدعوة والتعليم والتوجيه لقد كان لسلفنا الصالح ـ رضوان الله عليهم ـ عزةٌ ومكانةٌ رفيعة، وذلك حينما احتل العلماء مكانتهم المرموقة بينهم، فكانت الشعوب والعامة تسير على نهجهم وتتبع خطاهم، وتأتمر بأمرهم. إن الوفاء بحاجة الدعاة من حيث الكفالة والتأهيل وتلبية معيناتهم الدعوية أمر ضروري، وذلك بالبحث عن مشاريع وقفية لتكون مصادر ثابتة لتمويل النشاط الدعوي والتعليمي، والاستفادة من المنظمات الخيرية في تمويل الأنشطة الدعوية، وأيضا محاولة كفالة الدعاة من الإخوة المقتدرين، ومشاركة أعضاء الرابطة في استثمارات، واستيعاب وتوظيف أبناء الدعاة، وإنشاء صندوق وقفي استثماري يبدأ بتبرعات الأعضاء ثم بتبرعات الأصدقاء، وإقناع الأغنياء المحليين لتمويل المشاريع الدعوية ودفع زكاتهم، وإن الأمل في الرابطة كبير بعد الله فيجب أن تكون على قدر المأمول، وعدم وجود الدعم وقلة التمويل للمشاريع الدعوية والندرة في كفالات الدعاة له أثر على أنشطة الرابطة الدعوية، فإن الأغلبية العظمى من الدعاة يعيشون خارج وطنهم فلا يحصلون على وظائف، ولا يمتلكون موارد دخل ثابتة، مما ظل ينعكس على الأداء والنشاط الدعوي.
10 – حل مشكلة جفاف المحاضن التربوية:
لطالما كانت المحاضن والروافد التربوية، مثل الخلاوي، مراكز تحفيظ القرآن، المدارس، الجامعات، والمعاهد، ترفد الساحة بالعلماء العاملين والمربين، وتسهم في تخريج دعاة جدد. إلا أن قلة تخريج العلماء الجدد باتت تمثل تحديًا وعائقًا أمام الدعوة في إرتريا، لا سيما بعد أحداث سبتمبر وما تبعها من حروب وتغيرات سياسية في المنطقة، والتي قد تترك آثارًا سلبية، لا قدر الله.
ولحل مشكلة ضعف المحاضن التعليمية وقلة المنح الدراسية، لا بد من التواصل مع المؤسسات العلمية، والسعي للحصول على منح دراسية، وتسخير الطاقات لإيجاد محاضن تعليمية تتيح التفقه في الدين، مثل إنشاء معهد عالٍ أو كلية متخصصة، مع الاستفادة من دول الجوار والكيانات المماثلة والمراكز المتاحة.
11- تجنب التركيز على المدن الكبرى والوعظ غير المؤصل:
لا شك أن العديد من الدراسات والبحوث العلمية يمكن الاستفادة منها في تعزيز الأدلة وإقناع المخاطبين. ومع ذلك، يلاحظ أن المهتمين بتوظيف المنهج العلمي في الخطاب الدعوي محدودون جدًا، مما يستدعي إبراز محاسن هذا المنهج وثمراته في تحقيق الأهداف المرجوة.
ومن جهة أخرى، فإن التركيز على المدن الكبرى التي تزخر بأساليب دعوية متنوعة، مع إهمال القرى والأرياف، يؤثر على الوسائل والأساليب المستخدمة في إيصال الخطاب الدعوي. ويتجلى ذلك بوضوح في كثرة البرامج الدعوية وتكرارها في المدن، مقابل غيابها شبه التام في القرى والأرياف، نتيجة إحجام العديد من الدعاة عن التوجه إليها.
12- عامل التباعد الجغرافي:
يعد عامل التباعد والشتات الإرتري الناتج عن ظروف الهجرة وانعكاساتها من التحديات التي تواجه الرابطة، فتعدد الأفكار والعادات الموروثة والتباعد الجغرافي في بلاد المهجر تحد حقيقي يحتاج منا إلى نظر لإيجاد المعالجات وابتكار الحلول.
يضاف إلى الشتات نشوء الرابطة بحكم طبيعة النظام الذي لا يسمح بقيام أي عمل إسلامي داخل إرتريا، حيث نشأت الرابطة في الخارج، وترتب على ذلك ضعف التواصل بالداخل الإرتري والحرمان من قيام أي عمل دعوي داخل إرتريا.
13 – مقاومة المذاهب والأفكار المنحرفة:
إن انتشار المذاهب والأفكار المنحرفة، مثل التنصير وظاهرة الإلحاد وغيرها من التحديات، يمثل بلاءً ابتُليت به المجتمعات. ويكمن الخطر في أن كثيرًا من المتنصرين لا يدركون حقيقة التنصير وأبعاده، مما يستوجب كشف حقيقته وبيان مخاطره الدينية والدنيوية.
ولا بد من مواجهة هذه الأفكار بالحجة والبرهان، وهو تحدٍ قائم أمام الدعوة والدعاة، يتطلب التصدي له عبر تأهيل الدعاة وتسليحهم بالعلم والمعرفة لفضح الأباطيل وكشف الضلالات بالأساليب العلمية الرصينة.
14 – البعد عن التطرف والغلو:
إن الغلو داء خطير وشر مستطير، له آثار سيئة يجر صاحبه إلى الشرك بالله، وذلك كالغلو في الأشخاص فإنه يفضي إلى عبادتهم من دون الله كغلو قوم نوح والنصارى.
ويحمل الغلو صاحبه على تكفير المسلمين وسفك دمائهم كغلو الخوارج، ويزهد في السنة والوسطية والاعتدال باعتبار ذلك تساهلا في الدين والعبادة، ويؤدي إلى القنوط والانقطاع عن العمل الصالح والانسلاخ من الدين، فإن النفس تضعف مع شدة العمل، وقد تعجز أو تمل من العمل فتتركه. وبالدراسة للنصوص وكلام أهل العلم، وتطبيقاتهم في علاج مشكلة الغلو يتضح أن موارد الغلو وأسبابه متنوعة، فلا بد أن يكون العلاج مقابلاً للأسباب، فيكون منه علاج عقدي، ومنه علاج علمي، ومنه علاج تربوي، ومنه علاج اجتماعي.
15 – مقاومة الجهل والفساد:
إن النهي عن الفساد في الأرض عصمة للجميع من عقوبة الله العاجلة في الدنيا كما قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ۚ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَىٰ إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ﴾ [القصص:59].
وكل ما نهى الله عنه فهو من الفساد في الأرض قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل:90]. وكل الرسل الذين أرسلهم الله نهوا أقوامهم عن الفساد والطغيان بعد أمرهم إياهم بتوحيد الله وعبادته وطاعته. والفساد الذي هو نقيض الإصلاح وخروج الشيء عن الاعتدال، وكل اعتداء على الدين، أو العقل، أو المال، أو العرض، أو النفس فهو إفساد، والمجتمع الإرتري اليوم لا يخفى حاله من غربة الدين، وسلوكيات لم تكن مألوفة من قبل والإفساد في الأرض أمر يجب التحذير منه والتنبه له، لأنه أمر مخالف لدعوة الأنبياء والرسل -عليهم السلام- حيث جاءوا ليسعدوا الناس، ولينشروا الخير بينهم، والفلاح والصلاح. ولقد علم أعداء الدين أهمية العلم الشرعي في مقاومة الفساد والجهل فقاموا بمعاداته، فصبوا جام غضبهم على منابع العلم من المعاهد والخلاوي وغيرها. فالتجهيل أقوى سلاح لنشر الرذيلة والأفكار الهدامة من التنصير وغيره، وبسبب الحروب وإغلاق المؤسسات الدينية يغلب في مجتمعاتنا الجهل، ولاسيما الجهل بالدين الإسلامي بين صفوف أبنائه فلا بد من النهوض بالعلم في شتى مجالاته.
16- تجنب التعصب الجهوي:
التعصب الجهوي والقبلي أثره واضح في تفتيت وحدة المسلمين، وإنّ الإسلام لا يلغي الجهوية والقبيلة فهي نعمة من نعم الله تعالى، وسلاح ذو حدّين إن استعمل في الخير فهو خير، وإلاّ فهو شرّ، ولكنّ الإسلام وجّهها توجيهًا حسنًا فيما يحقق الخير. ويقوم التوجيه على عدّة أسس، منها: التآلف والنهي عن التفريق، وتقديم رابطة الدين على رابطة القبيلة والجهوية إذا تعارضتا، والعدل والمساواة، والتواضع، كما جعل قرابة القبيلة أساسًا لأمور كثيرة كالأولوية في استحقاق النفقة، وتحمل ديّة القتيل، والوصيّة في الميراث…. الخ.
وأقام الإسلام ميزان التفاضل على ثلاثة أسس هي: (العلم)، و(التقوى)، و(حسن الخلق).
وإن اختلاف الأجناس والقبائل واللغات والقوميات والثقافات في مجتمعاتنا ليس بالضرورة عامل تفريق وتنازع بقدر ما هو عامل تعارف وتكامل وتكافل وإثراء.
ويقابل ذلك بنشر ثقافة الاعتصام بحبل الله ووحدة الصف والتعاون على البر والتقوى، وأدب الخلاف وفقه الخلاف وقواعده، والعمل على بناء جدر الثقة بين الدعاة والعلماء مع بعضهم البعض، وإعادة روح المحبة والألفة، ودفعهم للعمل على وقوفهم وحدة واحدة أمام تيارات التعصب والجهل وأفكار التكفير والإفساد في مجتمعاتنا، والعمل على جعل العلماء جميعا مرجعية قوية لأهل السنة يدعون إلى الإصلاح والهدى والبناء والإنجاز والفلاح كما أمرتهم آيات الله وسنن نبيه صلى الله عليه وسلم.
17- الاهتمام بالدعوة في الداخل:
إن طبيعة النظام الذي يحارب الدعوة بكل أشكال الحروب من سجن الدعاة، وقفل المؤسسات من مدارس ومعاهد، وتضييق الحريات وهو أسوء نظام فيما نعلم، وضع الرابطة في خانة العداء له وصنفها في الإرهاب. فالدعوة في الداخل تتطلب اليوم خطة محكمة ووسائل متنوعة ومنها:
- اختيار أصحاب الهمة والحكمة والكفاءة والفطنة والدهاء.
- استخدام كافة وسائل التواصل والوسائط الإعلامية المشبعة بالمادة الدعوية الموجهة والرصينة مثل:
- إصدار مجلة دورية وصحيفة شهرية ونشرة اسبوعية ومطويات تعريفية تتناول قضايا دعوية باستمرار، تكون ورقيا وإلكترونيا لسهولة التداول وعموم الفائدة.
- اعتماد وسيلة الجوال الدعوي للحضور الفاعل وسط المجتمع بصورة يومية.
- إذاعة (FM) متخصصة في بث تلاوة القرآن الكريم بأصوات قراء محليين وعالميين.
- تناول قضايا شرعية ودعوية وثقافية تخاطب هموم المجتمع وترتقي بذوقه.
- السعي لإنشاء فضائية موجه ومتخصصة في مجال الدعوة، وتصميم وإعداد برامج هادفة ومواد علمية متميزة تخاطب كافة الفئات النوعية والعمرية والثقافية.
- تصميم موقع إلكتروني مختص بالقضايا العلمية الشرعية منها والدعوية.
- تصميم وطباعة التقويم السنوي يحمل شعار الرابطة وتوزيعه.
- توجيه الدعاة بالمشاركة الفاعلة في المناسبات الدينية والوطنية وإيصال الرسائل الدعوية والإصلاحية من خلال تلك المنابر.
- اعتماد مشروع طباعة المصحف الشريف وتدبيجه بهدية إلى أرض الصدق وتوزيعه وترجمة كلماته بالتجرينية.
- الإطلالة على جمهور المشاهدين من خلال القنوات الفضائية الأخرى، مثل قناة إفريقيا الفضائية وقناة طيبة وغيرها من القنوات المتخصصة.
- الاهتمام بالمؤسسات الدينية وتثبيتها من خلال الدعم والرعاية بشتى الوسائل الممكنة.
- الاهتمام بالأسر الدينية ومحاولة دمجهم في برامج الرابطة ما أمكن.
- القيام بحصر الأوقاف والآثار الإسلامية بالبلاد، والعمل على دعمها ورعايتها.
- دعم الدعاة بالمكتبات العلمية والشرعية والثقافية.
- اعتماد الدورات القصيرة والمتخصصة للدعاة.
- نشر الحجاب الإسلامي عبر توزيعه في المساجد وتوفيره في أسواق الحواضر الرئيسية بأسعار زهيدة.
- دعم صيانة المساجد والزوايا في المدن والأرياف ما أمكن.
- محاولة إيجاد منح دراسية في مجالات العلوم الإسلامية.
عليه يجب أن تكون الأولوية لهذه الوسائل، وأن يتم رصد ميزانيات الدعم والإنشاء إن أمكن ذلك، ويجب الاهتمام بالدعوة في معسكرات ومخيمات اللاجئين الإرتريين في دول الجوار ووسط الجاليات المنتشرة في المهجر، حيث ينتشر الغزو الثقافي وقد يترك آثارا سالبة، فلا بد من تفعيل دور الدعاة والقيام بواجبهم الدعوي، واستخدام الوسائل والأدوات المناسبة لكي تثمر الدعوة. والناظر إلى الواقع يرى أن جهودنا ليست على المستوى المطلوب مقارنة مع ما نملكه من عدد مقدر من الدعاة لكن نقصان التخطيط وغياب التنسيق ظل سائدا ومطلوبات الترتيب والتنظيم هو ما نأمل أن تقوم به الرابطة.
وفي الختام نشير إلى أهم النتائج لما ورد في الورقة:
- إن الدعوة مشتقة من الفعل الثلاثي دعا يدعو دعوة، والاسم: الدعوة، والقائم بها يسمى داعية، والجمع دعاة وهي قيام الداعية بإيصال دين الإسلام إلى الناس كافة وفق الأسس والمنهج الصحيح. وهي واجبة واجب كفائي على الأمة الإسلامية جميعها، وقد تتعين على الحاكم والعالم الذي لم يقم بها غيره.
- من فضائل الدعوة إنها مهمة الرسل والأنبياء، وهم أشرف الخلق وأكرمهم على الله، وهم الذين اختارهم الله لهداية البشر، والعلماء ورثة الأنبياء، ومن فضل الدعوة إلى الله أن (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه) [سنن أبي داوود: 4609]، وبها شرّف الله أمة الإسلام جميعاً، فجعلها بذلك خير أمة أخرجت للناس.
- دخل الإسلام في إرتريا منذ السنوات الأولى للبعثة النبوية، حيث كانت الهجرة الأولى للصحابة إلى أرض الحبشة في السنة الخامسة بعد البعثة، ثم عبر الهجرات والتجار والدعاة من غير حروب.
- في العهد الإيطالي رغم انتشار المدارس التنصيرية حافظ المسلمون في إرتريا على أمور دينهم والهوية الإسلامية واللغة العربية. وتمثل دور الدعوة في هذه الحقبة على الوعظ ودراسة العلوم الشرعية عبر الحلقات في المساجد، وتأسيس بعض المؤسسات مثل المعاهد والمدارس، وبروز الأسر الدينية وبعض الطرق الصوفية، والبحث عن التعليم خارج البلاد.
- وفي العهد البريطاني تمثلت مظاهر الدعوة في انتشار الوعي الديني والبحث عن العلوم الشرعية في الخارج، وتأسيس حزب ذات مرجعية دينية، والالتفاف حول الأسر الدينية، وبروز دعاة وقضاة، وتأسيس بعض المدارس والمعاهد وبناء المساجد، والاستفادة من الانفتاح البريطاني.
- رغم المصائب والجرائم التي شهدها العهد الإثيوبي، والذي تزامن مع انتشار الصحوة الإسلامية، فإنه يُعَدّ من أهم الفترات التي شهدت تمددًا وانتشارًا واسعًا للدعوة، ولا سيما في العقود الأخيرة، حيث شهدت المؤسسات الدينية توسعًا كبيرًا، وبرزت الجماعات الدعوية بشكل ملحوظ.
- بعد الاستقلال، واجهت الدعوة في ظل النظام الإرتري حربًا شرسة لا هوادة فيها، استخدمت فيها مختلف الأساليب، من القتل والسجن والتشريد بحق الدعاة، إلى إغلاق المؤسسات الدعوية وغيرها من الممارسات القمعية. وبالمقارنة مع العهود السابقة، يُعدّ عهد الجبهة الشعبية من أسوأ الفترات التي مرت بها الدعوة.
- إن السعي نحو تحقيق مستقبل أفضل للدعوة، في ظل التحديات الجسيمة التي تواجهها، يفرض على الرابطة دورًا فاعلًا ومسؤولية كبيرة. لذا، لا بد من مواكبة التطورات عبر تبنّي وسائل دعوية حديثة، وإجراء الدراسات والرصد، وتأهيل الدعاة، وتطوير الفكر الدعوي. كما يتوجب الحفاظ على وحدة الرابطة، ومراعاة آداب الخلاف وفقه الأولويات، مع تجنب التطرف والغلو، والاهتمام بالدعاة والعلماء، ومقاومة الجهل والفساد، ونبذ التعصب الجهوي، لضمان بيئة دعوية أكثر وعيًا وتأثيرًا.
أهم التوصيات لمواجهة التحديات:
- إيجاد مؤسسة علمية تخرج علماء ربانيين، تتمثل في إنشاء معهد أو كلية لإعداد الأئمة والدعاة.
- القيام بدورات علمية وتدريبية مكثفة، سيكون لها آثار طيبة في رفع قدرات الدعاة وزيادة الفاعلية والتعارف والتآلف.
- إيجاد آلية عملية وفاعلة للربط والتواصل مع مجتمع الداخل بكافة فئاته.
- تأطير الدعاة للاستفادة من بعضهم ولزيادة الألفة بينهم.
- البحث عن المنح في الجامعات الإسلامية والعربية، وتوفير منح دراسات عليا في العلوم الشرعية.
- إيجاد كفالات مجزية للدعاة بغية مضاعفة جهودهم الدعوية.
- إقرار مبدأ اختلاف الآراء الفكرية والدعوية والفقهية في مسائل الاجتهاد.
- تجنب الخطاب المعادي للجماعات الإسلامية.
- إقامة ملتقيات دعوية تفاكريه بين العاملين في الحقل الدعوي بغية تعزيز التآلف البيني، وتقوية أواصر الوحدة وتمتينها.
هذا والله ولي التوفيق.
المؤتمر العام الثاني
4/6/2021م