النظام الإرتري بين شعار العلمانية والتلبس بالطائفية

22 فبراير 2025 189

بقلم الشيخ/ عبدالله الحسيني

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون، والصلاة والسلام على النبي الأمين والهادي إلى الصراط المستقيم والحامل لواء الدعوة والجهاد سبيلًا للعزة والتمكين ومجانبة أصحاب الجحيم، أما بعد:

تُعد إرتريا دولة ذات تنوع ديني وثقافي، حيث يتعايش فيها المسلمون والمسيحيون من طوائف مختلفة، ويثار الجدل حاليًا حول تنصيب رأس الكنيسة الأرثوذكسية بمشاركة مختلف الكنائس الشرقية، وعلى رأسها الكنيسة المصرية، وقد أُقيم الاحتفال في كاتدرائية السيدة العذراء بالعاصمة الإرترية أسمرة صباح يوم الأحد، 26 يناير 2025م، حيث تم تنصيب المطران باسيليوس بطريركًا للكنيسة الأرثوذكسية الإرترية، ليصبح بذلك البطريرك السادس لهذه الكنيسة التي تأسست عام 1997م من خلال الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.

وقد عكست مشاركة الوفود الكنسية الشرقية، بما فيها الكنيسة الروسية، الاهتمام البالغ بهذا الحدث على مستوى الكنائس الشرقية، كما يأتي هذا الاهتمام الديني متزامنًا مع توجه سياسي للنظام الإرتري نحو الشرق في تحالفاته الدولية، مما يمكن أن يُفهم في سياق توافق ديني وسياسي بين السلطة الدينية والسياسية في إرتريا، ويشير إلى مدى التخادم بين الدين والسياسة في سياقات مختلفة.

وفي هذا السياق تبرز علاقة الرئيس أسياس أفورقي بالمؤسسات الدينية، خاصة الكنيسة الأرثوذكسية، مما يثير تساؤلات حول مدى تأثير الطائفية الدينية في السياسة الداخلية في البلاد في ظل الدعاوى العريضة حول علمانية النظام.

التفضيل الديني والطائفية السياسي:

من المعروف أن الكنيسة الأرثوذكسية في إرتريا تتمتع بتأثير واسع على المستوى الديني والاجتماعي، حيث تشكل غالبية المكون المسيحي في المجتمع الإرتري، وتُعد مشاركة الرئيس أفورقي في هذه المناسبات إشارة قوية على التحالف الوثيق بين الدولة والكنيسة، وقد تُفهم كنوع من الدعم السياسي والرمزي للكنيسة، مما يعزز من مكانتها داخل النظام السياسي الإرتري.

وفي المقابل، فإن عدم مشاركة الرئيس في المناسبات الإسلامية يثير شعورًا بالتهميش لدى المجتمع المسلم في إرتريا. وتعكس هذه السياسة نوعًا من التمييز الديني بين الفئات الطائفية في البلاد، مما يفتح المجال للحديث عن الطائفية الدينية في السياسات الداخلية، وإن هذا التوجه الذي يركز على دعم الكنيسة الأرثوذكسية بشكل ملحوظ، وتمييزها عن بقية المكونات الدينية، قد يُفهم على أنه محاولة لتصوير الدولة بأنها دولة مسيحية، وهو مسعى بذل فيه النظام جهودًا جبارة للوصول إلى هذا الهدف، في محاولة للتماهي مع الحالة التاريخية للكنيسة في الحبشة وإثيوبيا خاصة ودورها المعهود في صناعة الملوك والوقوف خلفهم.

الطائفية وتأثيرها على العلمانية:  

إرتريا تُعتبر دولة علمانية وفقًا لدستورها -المجمد- والذي ينص على فصل الدين عن الدولة وضمان الحرية الدينية لجميع الطوائف إلا أن مشاركة الرئيس في مناسبات دينية تقتصر على الكنيسة الأرثوذكسية، وعدم اهتمامه بالمناسبات الإسلامية، يُعتبر تجاوزًا لهذا المبدأ العلماني، فإذا كانت الحكومة تفضل إحدى الطوائف الدينية على حساب الأخرى، فهذا يتناقض مع المفهوم الأساسي للعلمانية.

إن العلمانية تقتضي الحياد الديني والمساواة بين الأديان، ومن جانب آخر فإن هذا التوجه قد يُفسر بأنه نوع من الطائفية الدينية التي تتداخل في السياسات العامة، حيث يمكن للرئيس أن يستغل هذا التحالف مع الكنيسة كأداة لتعزيز شرعيته السياسية في أوساط الأغلبية المسيحية، وهذا قد يساهم في خلق حالة من الانقسام الطائفي بين المسلمين والمسيحيين في إرتريا، مما يهدد التماسك الاجتماعي والسلم الأهلي، ويزيد من التوترات الدينية.

الموقف الرسمي والتحيزات السياسية:

إن المشاركة الانتقائية لرئيس الدولة في المناسبات الدينية قد تثير أسئلة حول التحيز في إدارة الشؤون العامة، فإذا كانت الكنيسة الأرثوذكسية تتلقى دعمًا أكبر من الدولة، في حين يُتجاهل المسلمون، فقد يشعر المجتمع الإسلامي بالإقصاء، مما يعزز من مشاعر التمييز الديني، ويُعتبر هذا التمييز تجسيدًا للطائفية الدينية، حيث تقتصر العلاقات الرسمية على طائفة معينة دون أخرى، وهو أمر يتناقض مع المبادئ العلمانية التي تقتضي فصل الدين عن السياسة.

وفي الوقت الذي تُفتح فيه كافة المجالات والفرص، وبمعاونة كبار رجالات الدولة وأجهزتها، للكنيسة الأرثوذكسية، يتم التضييق على المؤسسات الإسلامية في التواصل الخارجي مع العالم الإسلامي، كما يُحرم المسلمون من حقهم في اختيار من يمثلهم في المؤسسات الدينية، بما فيها منصب الإفتاء، الذي تتحكم فيه السلطات دون مراعاة لحقوق المسلمين.

الخلاصة:

في ظل هذه الديناميكيات، يُمكن القول إن سياسات الرئيس أفورقي تُعزز من حالة الطائفية الدينية في إرتريا، حيث يتبنى دعمًا واضحًا للكنيسة الأرثوذكسية على حساب بقية الأديان، وهذا التوجه يُعتبر منافيًا للمبادئ العلمانية التي يعلنها النظام شعارًا له، بينما يتلبس بالطائفية حقيقة، فالعلمانية تقتضي الحياد الديني والمساواة بين مختلف الطوائف وبالتالي، فإن الطائفية الدينية بغطائها السياسي قد تلعب دورًا مهمًا في تكريس الانقسامات داخل المجتمع الإرتري، مما يؤثر سلبًا على التماسك الوطني والاستقرار السياسي في البلاد.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *