الكنيسة الأرثوذكسية في إثيوبيا وإرتريا وسياسات أفورقي وأبي أحمد في التعامل معها

6 يونيو 2025 208

يتبادر أول ما يتبادر إلى الذهن، حين يصغي إلى اتهام الرئيس الإرتري إسياس أفورقي، لخصمه السياسي، في أديس أبابا، رئيس وزراء إثيوبيا، الدكتور أبي أحمد، بما أطلق عليه (أيديولوجية أوروميا) أن المنطق العقلي – بالمقابل – يمنح الدكتور أبي أحمد الحق نفسه؛ ليتهمه بتزعم (الأيديولوجية الأكسومية).

ولذا، إذا سلمنا بوجود (أيديولوجية أوروميا) التي أشار إليها أفورقي، فإنا لابد أن نسلم – في الآن نفسه – بوجود نقيضها (الأيديولوجية الأكسومية) سواء من حيث هي فعل أو رد فعل، أو من حيث النظر إلى أصول كل من الرجلين، وتنافر سياستيهما.

ونفيها كليا من أي طرف مراقب، أو فاعل، ليس منطقيا، إن لم يكن استغفالا سياسيا، أو استغباء ساذجا، ومن يطلب منا أن نصدقه في وجود (أيديولوجية أوروميا) يجب عليه ألا يعيب علينا تصديق غيره في وجود (الأيديولوجية الأكسومية) أو أي أيديولوجية أخرى منافسة.

وهذا بدوره يجعلنا نتساءل أيضا: إلى أي الأيديولوجيتين، يمكن أن تجنح الكنيسة الأرثوذكسية، ولو بعواطفها وخفايا نشاطها، إذ لا انحيازيات سياسية كبيرة، تجري في إثيوبيا تحديدا، بمعزل عن الكنيسة وتأثيراتها؟.

ومع ذلك، هل نحن فعلا أمام تصادم الأيديولوجيات العرقية، في إثيوبيا وإرتريا معا، جريا على ما تنبأ به صامويل هنتنجتون، في كتابه (صدام الحضارات) وأثاره الرئيس إسياس أفورقي، في خطاب يوم الاستقلال 24/5/2025 أم أنها برجماتيات ميكيافيلية، وفقيعاتها المتناثرة، من طرفين أفلسا سياسيا بدرجات متفاوتة، وفشلا في صنع السلام، ليس إلا؟.

وإن لم تكن كذلك، فإلى أي حد نضجت حالة التصادم هذه في البلدين، حتى تستدعي كل هذه المخاوف، وتثير كل هذه الاتهامات؟ وإلى أي حد أضحت خطرا يدق جرس الإنذار، بالنسبة للذين لا يعيرونها اهتماماتهم، ولا يدخلونها في حساباتهم السياسية؟.

وهل هي مجرد عصبية عرقية فارغة، ليس الدينُ فيها فاعلا وحاضرا، أم أنها ممزوجة به، لا مفر لها منه، ولا يمكنها تحييده، تتدثر به، وتتوارى خلفه، بحكم الواقع والتاريخ؟.

ومهما كان الجدل بشأن كل هذه التساؤلات – نفيا وإثباتا – فإن الشيء الوحيد الذي لا يمكن لتاريخ إثيوبيا السياسي نفيه، هو الحضور الكلي للكنيسة الأرثوذكسية، في النزاعات والتفاعلات السياسية في البلاد، بطريق وآخر.

وإذا كانت أكبر شريحة مستفيدة من سياسات الأيديولوجيا الأورومية، وإصلاحاتها – حسب الواقع المشاهد – هي الشريحة المسلمة، فإن الكنيسة الأرثوذكسية، هي المتضرر الأكبر منها، بحكم أنها عمقت عزلها عن الدولة، وقلَّصت نفوذها على نحو أعمق، ونزعت عن إثيوبيا الصبغة النصرانية التي أضفتها عليها لقرون طويلة، أكثر مما فعل منجستو ثم التجراويون من بعده.

وأكبر من ذلك وأشد، ما منحته للأغلبية المسلمة، من حقوق المواطنة، بحرية إظهار الدين، والاعتزاز بشعائره علنا، كما نشاهد ذلك في رمضان، وصلاة العيدين، من كل عام، بحضور رئيس الوزراء، مجلس الإفطار الجماعي، والتهنئة بالعيد.

واعتراف رسمي بالمجلس الأعلى الإسلامي، على قدم المساواة بالكنيسة، وإجراء مسابقات عالمية، في حفظ القرآن الكريم، وإنشاء مؤسسات اقتصادية، من نحو بنوك لا ربوية، مقابل البنك الربوي، وأخرى تعليمية، على مستوى كليات ومعاهد عليا.

وإضافة إلى كل هذا، اعتلاء مناصب وزارية وبرلمانية في الدولة، ما حلموا بها في آبائهم الأولين، وظهور كفاءات إعلامية ناطقة بالعربية، ما عرفها الفضاء الإثيوبي من قبل، إلى قبولها بنظام حكم فيدرالي، سنه التجراويون سلفا، وهو في نظر أفورقي، والنخبة الأمهراوية، من جناياتهم العظمى على إثيوبيا المنيليكية، أضر بوحدتها، وفكك سلطة منيليك المركزية، إلى كل القوميات، وحاصر قومه الأمهرى في نطاقهم الإقليمي (كلل أمهرى) مهما قيل: إنه شكلي لا فعلي.

وكل هذا لابد أن يستفز الكنيسة الأرثوذكسية بداهة، ويجعلها تَكْتُمُ غيظها على مضض، بالقدر نفسه الذي يستفز إسياس أفورقي، ونخبة الأمهرى، إن لم يكن أشد.

وإذا كانت (أيديولوجية أوروميا) ترتكز على الكوشية، ولغتها – كما عرَّفها لنا أفورقي ـ فإن الغالبية من أفرادها، يعتنقون الإسلام عقيدة، من مجمل 31 مليون نسمة تقريبا، وينظرون إلى اللغة العربية، مكسبا حضاريا، ومطلبا إيمانيا، بينما تشكل الكنيسة الأرثوذكسية، ولغتها الجعزية، وما اشتق منها – التجرنية والأمهرى – أحد أهم خصائص هوية (الأيديولوجية الأكسومية) التي ترى في كل ما عدا ذلك مهددا حضاريا، وسياسيا.

ومن هذا الفهم للهوية الحضارية الأكسومية، أيدت – فيما مضى – الكنيسة الأرثوذكسية بشدة، انضمام إرتريا إلى إثيوبيا، وهددت أتباعها بصك حرمان، إذا ما عصوا أمرها، وإرادتها، إلا أنه – بالمقابل – كانت أكبر نكبة أصيبت بها، في مشروعها السياسي هذا، هو تفجر شرارة الكفاح المسلح الارتري، عام 1961م، بقيادة جبهة تحرير إرتريا، وهي في تصنيفها، وتصنيف الامبراطور هيلي سلاسي، وتصنيف الرئيس إسياس أفورقي، تُعَدُّ حاملة أيديولوجية العروبة والإسلام، خصيمة الناطقين بالتجرنية، وهويتهم الأكسومية، في تعبئتهم ضدها.

وثم تلتها النكبة الثانية، عندما سقط عرش الامبراطور هيلي سلاسي – راعيها الأعلى – عام 1974م، وجاء محله نظام الدرج الماركسي، الذي أعدم بطريركها أبونا ثيوفيلوس، عام 1976م، وعين من عنده بطريركا آخر مكانه، هو القس تكلاهيمانوت، إلا أن كنيسة الإسكندرية، لم تعترف به.

وساعتها كان رئيس مصر محمد أنور السادات، قد قطع علاقته مع البيت الأحمر، في موسكو، وولى وجهه شطر البيت الأبيض، في واشنطن، وساءت علاقته بنظام منجستو، والمعسكر الشرقي ومنظومته السياسية بعامة.

وكان هذا التحول أول فتح سياسي، رفع عن المسلمين الإثيوبيين الأغلال التي كبلتهم لأزمنة مديدة، وكسر قدرا لا بأس به من الطوق الذي فرضه عليهم الأباطرة الأكسوميون، لحقب عديدة، إذ تنفسوا شيئا من نسيم الحرية، تحت غطاء العدالة الماركسية.

وما أن حل عام 1993م، حلت معه النكبة الثالثة، وهي القاصمة – بالنسبة للكنيسة – إذ تحقق مطلب الكفاح المسلح، على أرض الواقع، بإعلان استقلال إرتريا الرسمي عن إثيوبيا، وقيام دولة إرتريا الحرة.

وطبيعي أن يترتب على هذا الإنجاز التاريخي العظيم، حدث ديني كبير في تاريخ الكنيسة، ليس سارا لها، ولطالما كافحت وقوعه في ماضيها الديني، وهو انفصال الكنيسة الأرثوذكسية الإرترية، عن الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية.

وهكذا جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، يوم ” قام الرئيس إسياس أفورقي، بزيارة البابا شنودة، عام 1993م، وطلب منه أن يرسل وفدا من الكنيسة القبطية للتفاهم، وبعد مفاوضات عديدة، وفي 25 مايو 1994م، قامت رئاسة الكنيسة القبطية، ممثلة في البابا شنودة، برسامة خمسة أساقفة جدد إرتريين، لكنيسة إرتريا، وتمت الرسامة بالفعل في بداية شهر مسرة القبطي، الموافق 19/5/1994م، وذلك باللغة التجرنية … وحيث بات من المقرر أن يتم رسامة بطريرك مستقل لهم، بيد البابا أيضا… تم تجليس البطريرك فيلبس الأول، في إرتريا، في 29/5/1998م، بيد البابا شنودة،، وحضور رئيس الدولة، والمسؤولين …. وبسيامة هؤلاء الأساقفة، تَكَوَّنَ المجمع المقدس الجديد لإرتريا، والذي أهل إرتريا للانضمام إلى مجموعة الكنائس الأرثوذكسية الشرقية … “.

وأمام كل هذا الإجراء والتحول الاستراتيجي، أعربت الكنيسة الإثيوبية، عن عدم رضاها بانفصال الكنيسة الارترية عنها، وارتباطها بالكنيسة المصرية مباشرة ” وكانت ترى أن إرتريا من المفترض أن ترتبط كنسيا بإثيوبيا التي أصبحت كنيسة مستقلة، وأنها أقرب إليها من الكنيسة القبطية، وقد شابت تلك العلاقة الكنسية، بين مصر وإرتريا، العلاقة الكنسية المصرية الإثيوبية، وأعاقت تقدمها، سواء بالنسبة للتوقيع الرسمي على بروتوكول 1994م، أو لزيارة البابا شنودة من جديد لإثيوبيا”.

البينطا بين سياسات أبي أحمد وإسياس أفورقي

وفي خضم هذه التطورات، بفعل استقلال إرتريا، وتحولات الحالة السياسية، وتضاربها مع الحالة الدينية، وتقلباتها، ظهرت مجموعة دينية نصرانية، تعرف بالبينطا، وأخذت تنشط في البلدين، وينحدر جل معتنقيها من الأرثوذكس الأكسوميين، في إرتريا وإثيوبيا معا، وغالبهم من الشباب الناشئ.

وفي حين تركها الدكتور أبي أحمد، تنشط في إثيوبيا، وتشق طريقها إلى النمو، دون أي اعتراض حكومي أو إعاقة، وجدت من أفورقي منعا حادا، وصدا عنيفا، إذ رفض الإقرار بحقها التبشيري، وأخذ يطارد أفرادها، بتهمة خدمة جهات خارجية، وبحجة أن الحكومة لا تعترف إلا بالأرثوذكسية، والكاثوليكية، والبروتستانتية، بالنسبة للمسيحية، إلى جانب الإسلام، الذي يشكل معتنقوه 65% إن لم يكونوا 70%  على خلاف ما تدعيه حكومة أفورقي 50%.

وبدهي أنَّ تمددَ هذه المجموعة، وتكاثر عضويتها، في الساحة الأكسومية نفسها، هو بالضرورة خصم على الكنيسة الأرثوذكسية، وزلزلة لمعتقدها الديني، ببث الشكوك والتساؤلات، يزعجها ولا يرضيها أبدا، ويهدد مستقبل نفوذها الديني.

وفيما يظهر لي، تنطلق سياسة الدكتور أبي أحمد، في تسامحه مع مجموعة البينطا، ربما من كونه خارج نطاق إيمان الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية أولا، أيا كانت عقيدته المسيحية، وثانيا من كونه أوروميا، يهمه إضعاف الكنيسة الأرثوذكسية، بحكم أنها الحليف التاريخي للأسرة السليمانية – كما تنسب نفسها زعما لا حقيقة – في تعزيز سيادة سلطانها السياسي، على بقية الشعوب الإثيوبية، وهي أكسومية في أصل نشأتها، وانتمائها القومي، وقوتها وتماسكها ليس من مصلحة مشروعه ورؤيته، في بناء إثيوبيا الجديدة، كما يتصورها.

وإلى هذا الإحساس نفسه، ربما يعود ظهور مطالب أورومية دينية، عام 2019 م، بإنشاء كنيسة أرثوذكسية، خاصة بالأوروميين، يقف من ورائها القس كيسيس بيلاي مكونن، نائب المدير العام للبطريركية، وأدين فيما بعد بقضايا فساد، في 2024م، من قبل المحكمة العليا الفيدرالية، وحكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات، بتهمة احتيال سحب أكثر من 6 ملايين دولار، من حساب الاتحاد الافريقي!.

وسبَّبَ أولئك القساوسة الأوروميون مطالبهم هذه – حسبما يقولون في محاججاتهم – بإن الكنيسة الأرثوذكسية، ظلت لفترة طويلة، تحت سيطرة مجموعات عرقية أخرى [يعنون التجراي والأمهرى] فالأمهرية، على سبيل المثال – كما يرددون – هي اللغة المُستخدمة في الكنيسة، والبطريرك المؤثر فيها، ينحدر من التجراي.

ومن هنا يتهمون الكنيسة الأكسومية، بالحفاظ على نظام هيمنة لغوية، وثقافية، وعرقية، لا يتم فيه – حسب زعمهم – إقامة الصلوات في أوروميا، بلغتها الأصلية، غير أن الكنيسة نفت هذا الاتهام، وقررت فصل هؤلاء القساوسة.

وهم من طرفهم أنشأوا (سينودس منفصل) ومعناه (مجمع كنسي منفصل) مدعين أنهم يحظون بقدر كبير من تأييد شعب أوروميا، وقال الأنبا ساويروس، وهو رئيس أساقفة جنوب شوا: “اتخذنا هذه الخطوة؛ لإنقاذ أتباع الكنيسة الذين يقودهم رجال دين لا يفهمون لغتهم “.

ويقصد بالطبع قساوسة التجراي، والأمهرى، وأبدت الكنيسة الأرثوذكسية من جانبها، احتجاجا على هذه المطالب، ورفضتها كليا، وعدَّتها عملا تخريبيا، يستهدف وحدتها، وحَمَّلَتْ حكومة أبي أحمد المسؤولية.

وقد أعرب رئيس الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية، البطريرك أبونا ماتياس الأول عن قلقه، وشجب الانفصال، ووصفه بأنه غير قانوني، كما وصف أساقفة آخرون الانشقاق بأنه “مؤامرة لتقسيم المؤمنين على أساس العرق”.

ويقال: يقف من وراء ذلك كله، تحريض سياسي، من فاعلين أوروميين متنفذين، إلا أن أبي أحمد قال في بيان موقفه من الجانبين: إن كلا الجانبين “على حق، وحذَّر أعضاء حكومته من التورط في شؤون الكنيسة، وقال: ” في الوقت الحالي نشهد ترويجا للعنصرية، والتعصب الديني، والعرقي”.

ولعل هذا ما دفع إسياس أفورقي، إلى إقامة تظاهرة كنسية كبرى، في أسمرة، بتلك الأبهة وعظمة الحفاوة التي نقلتها الفضائية الارترية الحكومية، يوم تنصيب بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية الإرترية الأخير، نيافة المطران أبونا باسيليوس، صباح يوم الأحد 26/1/2025 بحضور وفود مجمع الكنيسة الشرقية العالمي، كسبا للكنيسة الأرثوذكسية في إثيوبيا وإرتريا معا، في صراعه ضد أبي أحمد، وإظهارا للتضامن معها.

وهي رسالة سياسية ودينية، جد قوية منه، إلى الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية، يشاطرها همومها، حتى لا تشعر بأنها باتت يتيمة لا ناصر لها، ويذكِّرُها – في اللحظة نفسها – بموقفها الطبيعي والتاريخي، في مواجهة مثل هذه الصراعات، والتحديات التي تهز كيانها.

ولابد أن تنحاز إلى حيث يكون الأكسوميون – الحليف التاريخي – وتصطف بجانبه؛ من أجل أن تستعيد مجدها، وتواجه أيديولوجية أوروميا، ذات النزعة الكوشية، المعادية للسامية الأكسومية، والعاملة في إضعاف كنيستها، بإشعال حرائق عرقية، وخلافات دينية، داخلها، والسماح بالتبشير لجماعات مهرطقة، خارجة على إيمانها، كالبينطا.

ومهما قيل من أنه بروتستانتي، أو كاثوليكي، في معتقده الديني، أو ماركسي ملحد، في علاقته بالأديان كافة، أو انتهازي مكيافيلي، في مذهبه السياسي، يوظف الدين لصالح سياساته، أو أنه اعتقل من قبل بطريرك الكنيسة الأول، الأب أنطونيوس، الذي رسمه البابا شنودة الثالث في عام 2004م، ومات في الإقامة الجبرية بمنزله، في 2006م، حين عارض تدخله في شؤون الكنيسة، إلا أنه – في النهاية – يبقى أكسوميا صرفا، في انتمائه الحضاري، تجرنيويا خالصا، في أصله القومي، لا يعجبه أبدا تفكيك سلطان الكنيسة الأرثوذوكسية وتشتيتها؛ لأن ذلك من أكبر مقوضات الهوية الأكسومية، وهدم ثوابت تاريخها، ومعززات وحدتها، وإن كان من ضروريات استراتيجية الدكتور أبي أحمد، في صراعه مع إسياس، والنخبة التجراوية، والأمهرية، الموالية له، والمتحالفة معه، بمعايير السياسة البرجماتية النفعية، حيث لا معنى للقيم والعواطف الدينية.

ومعلوم أن إثيوبيا عُرِفَتْ عبر ماضيها التاريخي، بنفوذ كنسي عظيم، مع  سيطرة أقلية ثقافية “وهي الأمهرى، التي لا تزيد نسبتها عن 30% من السكان، ويرتبط بها مسيحيو التجراي، الذين تبلغ نسبتهم 8% من السكان، في حين أن الأورومو الذين يشكلون ما يزيد عن 40% من السكان، كانوا مهمشين تماما، ونتيجة للتفاوت في توزيع الثروة والسلطة والامتيازات، وكذلك الاختلافات الحادة بين مختلف الجماعات الاثنية، المُشَكِّلةِ للمجتمع الإثيوبي، والتي يطغى عليها الطابع الديني، والإثني، واللغوي، والثقافي، زادت حدة المسألة القومية في إثيوبيا”.

ومثل هذه التعقيدات الموروثة، في علاقة الدين بالدولة، وصراعات السلطة والثروة، تفرض علينا – نحن الارتريين – إنضاج أطروحة متوازنة، تحفظ للدين مكانه في ضبط العملية السياسية من الانزلاق إلى العصبية الطائفية والعرقية، وتحفظ للمواطن حقه في اعتناق أي نحلة وملة من الأديان، يراها هي الأصوب والأحسن له، في صلته بالله تعالى، وضبط حياته الاجتماعية، وتمنحه حرية الردة عن الأديان كلها، حتى حق الركون إلى الإلحاد والمجادلة فيه بالتي هي أحسن – إن شاء ذلك – مادام منضبطا بالقواعد الأمنية، غير مهدد لها بعمل عنفي، والله الهادي إلى سواء السبيل.

 

وكتبه/ الأستاذ الدكتور جلال الدين محمد صالح

لندن

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *