قبسٌ من نور النبوة

11 أبريل 2020 1438

السنة النبوية هي تفسير وبيان وشرح لما يرد في القرآن الكريم من أحكام سواء تعلقت بالعقائد أو الشرائع والمناهج والأخلاق والقيم حتى يعمل الناس بمقتضى الرسالة المنزلة كيلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل والرسالات والسنة إما قول أو فعل أو تقرير قال تعالى:
(وَأَنزَلۡنَاۤ إِلَیۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَیِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَیۡهِمۡ وَلَعَلَّهُمۡ یَتَفَكَّرُونَ) [النحل 44]
(وَمَاۤ أَنزَلۡنَا عَلَیۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ إِلَّا لِتُبَیِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِی ٱخۡتَلَفُوا۟ فِیهِ وَهُدࣰى وَرَحۡمَةࣰ لِّقَوۡمࣲ یُؤۡمِنُونَ) [النحل 64]
ومن هنا يأتي الاهتمام بالسنة النبوية ودراستها ومعرفة ما ورد فيها مع الحرص على صحتها وثبوت نسبتها للنبي صلى الله عليه وسلم لأن الحكم الشرعي لا يصح اعتقاده والعمل به إلا بعد ثبوته كما قيل (الحكم فرع الثبوت) وهذا المجال اختص بها أهل العلم من جهابذة المحدثين الذين خدموا السنة النبوية رواية ودراية فجزاهم الله عن الإسلام خيرا .
وتحت عنوان ( قبس من نور النبوة) أتناول حديثا من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وأقف على بعض ما جاء فيه من أحكام وتشريعات ودلالات لعل الله ينفع بها .
ونتكلم ضمن هذا العنوان عن حديث السبعة الذين يظلهم الله يوم القيامة في ظله جل جلاله والناس قد اقتربت منهم الشمس بحرارتها ولهيبها ولكن بقرب غير معهود للناس والموقف عصيب ولا حول ولا قوة إلا بالله ورغم صعوبة الموقف فهناك من يستظل بظل الله ويحتمي برحمته بما قدم من أعمال صالحة وجليلة وهي انتصار على الفتن الدنيوية بكل صورها وها هي الأعمال كما وردت في الحديث .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ، يَومَ لا ظِلَّ إلّا ظِلُّهُ: الإمامُ العادِلُ، وشابٌّ نَشَأَ في عِبادَةِ رَبِّهِ، ورَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَساجِدِ، ورَجُلانِ تَحابّا في اللَّهِ اجْتَمعا عليه وتَفَرَّقا عليه، ورَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذاتُ مَنْصِبٍ وجَمالٍ، فَقالَ: إنِّي أخافُ اللَّهَ، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ، أخْفى حتّى لا تَعْلَمَ شِمالُهُ ما تُنْفِقُ يَمِينُهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خالِيًا فَفاضَتْ عَيْناهُ) صحيح البخاري (٦٦٠) واللفظ له، ومسلم (١٠٣١)
وهؤلاء السبعة الذين نالوا هذا المقام السامي وتميزوا عن غيرهم بهذه الميزة التي عصمتهم في الموقف العصيب من حرارة الشمس التي تدنو من الرؤوس مقدار ميل هم ما يلي:
1/ الإمام العادل:
الإمامة ولاية عامة على الأمة وهي خلافة عن النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا به والمقصود الأسمى لها هو (إقامة القسط ) كما جاء في قوله تعالى :
(لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﱠ) [الحديد: ٢٥]
والقسط والعدل هما مقصود الولاية ويحرم فيها الظلم بأية حال لأن الاستخلاف في الأرض قوامه العدل ولا تصلح الحياة إلا به فمن تولى أمر الناس وكان عادلا نال هذا المقام العظيم والشرف الرفيع لأن السلطة فتنة وابتلاء فمن عدل فيها واستقام أمره استحق أن يستظل بظل يوم لا ظل إلا ظله وهنا لفتة مهمة وهي أن مدار فلاح الحاكم ونجاته عند الله محله العدل بعد الإيمان بالله وعدم الإشراك به كما أن تقييم كل حاكم في دنيا الناس يكون بالنظر لعدله مع رعيته واجتناب المظالم بكافة أنواعها وربما دام الملك والسلطان مع الكفر والعدل ولكنه لا يدوم مع الظلم والإسلام كما نص على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية .

2/ الشاب الطائع:
الشباب مرحلة عمرية حرجة و فيها فتنة القوة والفتوة والنفس فيها ميالة للشهوات وتغريها الشبهات ونزاعة نحو الهوى والرغبات وهي فتن تتداعي على الشباب ومحل الابتلاء فيها والاختبار في كيفية الانتصار على تلك الشهوات والشبهات ولزوم الطاعة والاستقامة ولما كان ذلك صعب على النفس في هذه المرحلة التي يسود فيها الطيش والهوى فقد نال الشاب المطيع لربه والعاصي لهواه هذه المنزلة العظيمة ليكون نت أهل الفوز والنجاة ليكون من السبعة الذين يظلهم الله يوم القيامة وقد امتدح الله الفتية الذين آمنوا بربهم واستمسكوا بعقيدتهم وصمدوا في مواجهة المجتمع الجاهلي بكل طغيانه وجبروته قال تعالى :
(نَّحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ ۚ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى) [الكهف: ١٣]
3/ الرجل العابد:
إن من أعظم غايات الخلق والوجود تحقيق عبادة الله قصدا وطاعة وتصديقا والتزاما وتحقيق العمران في الأرض من خلال ذلك فالعبادة والعمران يتساندان ويتعاضدان لتحقيق غايات الوجود البشري والحياة الطيبة في الدنيا والسعادة في الآخرة ولا تعارض بينهما في التصور الإسلامي ولكن عند الممارسة هناك من يجنح لإحداهما على حساب الأخرى بما يخل بالميزان وخاصة غالب الجنوح يكون نحو السعي والعمران الدنيوي ونسيان التعبد والانشغال عنه وهنا يأتي الثناء على من تعلق قلبه بالمساجد والتي هي سوح الذكر ومنارات الهدى التي تزيح دياجير الظلام قال تعالى:
(فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36)
رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﱠ) [النور: ٣٦-٣٧]
ومن تعلق قلبه بالمساجد فقد انتصر على فتنة الدنيا وزخرفها ونال رضوان الله واستحق منزلة الاستظلال بظل الله يوم لا ظل إلا ظله .
4/ رجلان تحابا في الله:
الإنسان مدني بالطبع وهو كائن اجتماعي يصعب عليه العيش وحيدا وتختلف أنماط العلاقات الإنسانية باعتبارات مختلفة ولكن أفضل تلك العلاقات ما كانت محكومة بقيم فاضلة وأخلاق حميدة تتجاوز العلاقات الأرضية ( نسب / جوار / مصاهرة / مال /عمل ) لتكون العلاقات علاقات حب في ذات الله وهي علاقات غير مصلحية ولا منفعية بالقصد الأول ولكنها علاقات تقوم على الحق والخير والتعاون على البر والتقوى والالتقاء والافتراق على ذلك وهي علاقة الأخوة الإيمانية التي تسود بين المؤمنين حصرا وقصرا
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الحجرات: ١٠]
عن البراء بن عازب: ( إنَّ أوثقَ عرى الإسلامِ: أنْ تحبَّ في اللهِ، وتبغضَ في اللهِ ) السيوطي/ الجامع الصغير وحسنه الألباني .
وكما هو معلوم فإن الصاحب ساحب كما يقال وهو نوع من الفتنة وعلى المكلف إحسان اختيار صحبته فمن كانت صحبته لغرض ديني نافع في الدنيا والآخرة فهو من يحوز المنزلة المذكورة في الحديث وأما من كانت صحبته لأغراض دنيوية عاجلة فهي منقطعة وليست دائمة وربما جرت الندامة على صاحبها إن الغرض فاسد والصحبة مشمولة بالتعاون على الإثم والعدوان وهي فتنة فمن عصم منها نال ظلال الرحمة الإلهية يوم القيامة .

السيوطي/ الجامع الصغير وحسنه الألباني .
وكما هو معلوم فإن الصاحب ساحب كما يقال وهو نوع من الفتنة وعلى المكلف إحسان اختيار صحبته فمن كانت صحبته لغرض ديني نافع في الدنيا والآخرة فهو من يحوز المنزلة المذكورة في الحديث وأما من كانت صحبته لأغراض دنيوية عاجلة فهي منقطعة وليست دائمة وربما جرت الندامة على صاحبها إن الغرض فاسد والصحبة مشمولة بالتعاون على الإثم والعدوان وهي فتنة فمن عصم منها نال ظلال الرحمة الإلهية يوم القيامة .

5/ الرجل العفيف رغم المغريات :
ومن التكاليف الربانية للعباد ترك الفواحش بمختلف أنواعها ما ظهر منها وما بطن وأهمها الزنا الذي هو فاحشة كبيرة وتعظم هذه الفاحشة لتكون فتنة تخرج بصاحبها عن العفة ومقصود حفظ الفروج عندما تكون الفتنة مع امرأة ذات منصب وجمال فهنا بطبيعة الحال تعظم الفتنة ومن استعصم بربه واتقاه في مثل هذه الحالة فإنه يكون ممن نال شرف النجاة من الفتنة والاتصاف بالعفة وحفظ الفروج الذي هو من المقاصد الأساسية للشارع من التشريع قال تعالى (والذين هم لفروجهم حافظون) وهذا المقام من المقامات التي يكون لصاحبها الاستظلال بظل الرحمن جل جلاله يوم القيامة كما ورد في الحديث والأمر وإن ورد للرجال بحكم أن المرأة محل الزينة والإغراء إلا أنه يدخل فيه النساء كذلك عندما تتعرض المرأة للفتنة من صاحب الجاه والمنصب والمال ثم تستعلي هي بإيمانها وتمتنع من السقوط في الرذيلة رغم المغريات .
قال تعالى: (وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون)
6/ الرجل المتصدق خفية:
ومن الفتن التي يتعرض لها الإنسان فتنة المال وحبه والانشغال بجمعه ونسيان حق الله وحق العباد فيه والشح المصاحب لحب المال كما قال تعالى: (كَلَّاۖ بَل لَّا تُكۡرِمُونَ ٱلۡیَتِیمَ . وَلَا تَحَـٰۤضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلۡمِسۡكِینِ وَتَأۡكُلُونَ ٱلتُّرَاثَ أَكۡلࣰا لَّمࣰّا .وَتُحِبُّونَ ٱلۡمَالَ حُبࣰّا جَمࣰّا) [الفجر 17-20] وهذه الفتنة يكون الخلاص منها بالانفاق وبذل المال تطهيرا للنفس وتزكية لها من الشخص والبخل.
ومن الناس من هبه الله مالا ومعه القدرة على التصدق بهذا المال ولكن يصاحب ذلك فتنة يتعرض لها هؤلاء وهي فتنة حب الظهور وقصد الثناء من الخلق مما ينافي الإخلاص وإرادة وجه الله تعالى بصدقته والابتلاء هنا يكون بإخفاء الصدقة غاية الإخفاء حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه وهو على سبيل المبالغة في التخفي بالصدقات فمن وفقه الله لذلك فإن الله وعده بمقام عظيم وهو أن يكون ممن يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله قال تعالى :
(إِن تُبۡدُوا۟ ٱلصَّدَقَـٰتِ فَنِعِمَّا هِیَۖ وَإِن تُخۡفُوهَا وَتُؤۡتُوهَا ٱلۡفُقَرَاۤءَ فَهُوَ خَیۡرࣱ لَّكُمۡۚ وَیُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَیِّـَٔاتِكُمۡۗ) [البقرة 271].
وهكذا يكون النجاح في فتنة المال وحب الشهرة والظهور من خلال الصدقات.
7/ ذكر الله في الخلوات مع الخشية:
الذكر من أعظم العبادات التي يتقرب بها إلى الله تعالى ويكون بالقلب واللسان والجوارح والابتلاء في الذكر يكون في الإخلاص لله تعالى فكلما كان الذكر خفيا مصحوبا بالخشية والبكاء كان صاحبه أرفع مقاما وأفضل حالا وهو المستحق لنيل مرتبة عالية كتلك المذكورة في الحديث(ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه) إنه الإخلاص البعيد عن الرياء والشهرة وإرادة نيل المكانة في قلوب الخلق وقد حث القرآن الكريم على التخفي بالذكر لتحقيق ذلك الخشية والإخلاص قال تعالى:
(ٱدۡعُوا۟ رَبَّكُمۡ تَضَرُّعࣰا وَخُفۡیَةًۚ إِنَّهُۥ لَا یُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِینَ) [الأعراف 55]
وخلاصة القول فقد جمع الحديث مجموعة من الفتن التي يتعرف المكلف وكيفية النجاة منها لنيل المقامات العظيمة والدرجات الرفيعة ومنها حالة الاستظلال يوم القيامة بظل الرحمن جل جلاله يوم لا ظل إلا ظله عندما تدنو الشمس من الرؤوس ولا شك فإن في الحديث دلالة واضحة على حسن المآل بعد هذا المقام إلى جنة عرضها السموات والأرض بعيدا عن جهنم وأهوالها نسأل الله الجنة وما قرب إليها من قول وعمل ونعوذ بالله من النار وما قرب إليها من قول وعمل.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *